النقد الأجنبي يقل في روسيا نتيجة تحول المعاملات إلى الروبل

البنك المركزي: أكثر من نصف صادرات البلاد تجري تسويتها حالياً بالعملة المحلية

وكالات – مصدر الإخبارية

تشهد روسيا انحساراً في تدفقات العملات الأجنبية مع تنامي التحول في التجارة نحو التسوية بالروبل، ما يعكس تأثير جهود الغرب للحد من المعاملات المالية العابرة للحدود مع موسكو.

أظهرت بيانات نشرها البنك المركزي الروسي مساء الأربعاء أن أكثر من نصف صادرات البلاد تجري تسويتها حالياً بالروبل. أما المدفوعات بما يُعرف بـ”العملات الصديقة” وعلى رأسها اليوان الصيني، فقد تراجعت إلى نحو الثلث، بعد أن شكلت ما يقارب النصف في ذروتها قبل عام، بينما تمثل العملات “غير الصديقة” حالياً 15% فقط من المدفوعات.

يتزامن هذا التحول مع تراجع الصادرات الروسية بنحو 6% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، نتيجة انخفاض أسعار السلع الأساسية. وتُسهم هذه التطورات مجتمعة في تقليص تدفقات العملات الأجنبية إلى الاقتصاد الروسي، في وقت لا تزال فيه قدرة البلاد على الوصول إلى الأسواق العالمية محدودة.

اليوان حل بديل… لم يصمد طويلاً

زادت روسيا من اعتمادها على اليوان، بعدما جمدت العقوبات الغربية المفروضة إثر غزوها لأوكرانيا في عام 2022 قدرتها على إجراء المعاملات بالدولار واليورو. غير أن هذا المسار البديل بدأ يفقد زخمه، منذ أن شددت الولايات المتحدة في منتصف عام 2024 العقوبات الثانوية على البنوك التي تتعامل مع كيانات روسية. وتوقف الصعود السريع لليوان في النظامين التجاري والمالي لدى روسيا، قبل أن ينعكس مساره ويتراجع.

البنك المركزي الروسي، الذي سبق أن أعلن عن ارتفاع حاد في استخدام اليوان داخل النظام المصرفي الروسي، توقف منذ ذلك الحين عن نشر بيانات مفصلة. أما بورصة موسكو- حيث أصبح اليوان العملة الرئيسية الوحيدة المتداولة- فلم تعد تكشف عن حجم التداول.

ذكرت صحيفة “كوميرسانت” الشهر الماضي أن أحجام التداول تراجعت في مايو إلى أدنى مستوياتها خلال عامين، وظلت منخفضة خلال يونيو.

ومع تزايد حصة الروبل في تسوية مدفوعات الصادرات، تراجع حجم مبيعات العملات الأجنبية من قبل المصدرين في السوق المحلية إلى أدنى مستوياته منذ مطلع عام 2023 على الأقل، وذلك رغم قيامهم بتحويل ما يصل إلى 100% من العائدات، بحسب تقرير أصدره البنك المركزي هذا الشهر.

تراجع الطلب على العملات الأجنبية

في المقابل، تراجع الطلب من جانب الشركات على العملات الأجنبية إلى النصف مقارنة بمتوسط العام الماضي. ويُعزى ذلك جزئياً إلى الزيادة في استخدام الروبل لتسديد قيمة الواردات، بحسب ستانيسلاف موراشوف، المحلل الاقتصادي لدى مصرف “رايفايزن بنك” (Raiffeisenbank).

تُظهر بيانات البنك المركزي الروسي أن نسبة الواردات المُسددة بالعملات الأجنبية تراجعت إلى نحو 45%، فيما تُسدد النسبة المتبقية بالروبل.

تحويل التجارة لتفادي العقوبات

قال موراشوف: “الهدف الرئيسي من تحويل التجارة إلى الروبل هو تجنّب تجميد المدفوعات أو تأخيرها”، مشيراً إلى أن “الأمر يتعلق بتقليص مخاطر العقوبات وضمان استمرار التدفقات المالية”. مع ذلك، أشار موراشوف إلى أن هناك آثاراً جانبية، من بينها ارتفاع غير متوقع في قيمة الروبل، وهو ما شكل ضربة مزدوجة لإيرادات الميزانية العامة، خاصة عند اقترانه بانخفاض أسعار السلع.

وحتى البنوك في الدول الصديقة باتت تُحجم عن تنفيذ المدفوعات المباشرة المرتبطة بروسيا، مع تصاعد مخاطر العقوبات الثانوية، ما اضطر الشركات إلى اعتماد بدائل رغم ارتفاع تكاليف المعاملات.

وصف محللون لدى مركز “التحليل والاستراتيجيات في أوروبا” الآلية الأكثر صموداً في وجه العقوبات بأنها تلك التي تقوم على استخدام حسابات تنعكس مباشرة بالروبل واليوان – أو ما يسمى بـ”المرآة”- حيث يدفع المستوردون الصينيون بالروبل من حساباتهم بالعملة الروسية، فيما تسدد الشركات الروسية للمصدّرين الصينيين بالطريقة نفسها.

القيد المزدوج بين الروبل واليوان

تجري عملية التحويل عبر حسابات “مرآة” باليوان في أحد البنوك الصينية، من دون تحويلات مباشرة، ما يُخفيها عن أعين الجهات الرقابية.

وذكر تقرير مركز “التحليل والاستراتيجيات في أوروبا” أن معظم المعاملات التجارية مع الصين باتت تعتمد على هذه الآلية، بينما يجري استخدام وسطاء في المناطق التي لا تكون فيها هذه الطريقة قابلة للتنفيذ.

وتتولى شركات متخصصة، تمتلك كيانات قانونية في عدة دول، تسهيل هذه المعاملات من خلال استلام الروبل من المشترين الروس، ودفع قيمته للمصدرين – أيضاً بالروبل- في حين تتم تسوية الجزء المتعلق بتحويل العملات الأجنبية خارج البلاد.

تتوفر خيارات أكثر تنوعاً أمام الشركات الكبرى، لكن في جميع الحالات تتم العمليات المالية من خلال أنظمة منفصلة، من دون تحويلات مباشرة.

وأكد باحثو المركز أن البنية التحتية البديلة للمدفوعات أثبتت “قدرتها الكبيرة على التكيف” مع الإجراءات التنظيمية الغربية، مشيرين إلى أنها “تزداد قوة يوماً بعد يوم، لكنها أيضاً تصبح أقل شفافية”.