مصطفى إبراهيم: إمارة الخليل .. وهم سياسي أم خطة نتنياهو لتأجيل الدولة الفلسطينية؟

في توقيت بالغ الحساسية، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرًا تقريرًا يتناول “زعماء من بعض عشائر الخليل” يبدون استعدادًا لإقامة كيان مستقل أو “إمارة”، بل والانضمام إلى عملية التطبيع. على السطح، يبدو هذا الطرح وكأنه مبادرة محلية ذات طابع تقليدي. ولكن في الخلف، تبرز حملة منظمة ومنسقة، تنطلق في الحقيقة من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتستهدف الجمهور الأمريكي من الانجيليين والمحافظين، لا سيما مع زيارته إلى واشنطن.
قصة “زعماء بعض العشائر في الخليل” ليست جديدة، بل معروفة منذ عقود. لكن إعادة تدويرها الآن، وبهذا الشكل، لا يخلو من البعد السياسي: إعادة تشكيل السردية الفلسطينية لتفريغها من أي طابع وطني شامل، وتحويلها إلى كتل عشائرية قابلة للتفاوض الفردي.
السياق لا ينفصل عن واقع ما بعد الحرب على غزة. فقد فشلت نظرية نتنياهو بأن “حماس ذخر استراتيجي”، كما تقول بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، وسقطت رهاناته على تقسيم الفلسطينيين أمنيًا وسياسيًا. ومع تآكل سلطة حماس بعد الحرب، تبقى السلطة الفلسطينية هي الجهة الرسمية الوحيدة المتبقية.
إلا أن نتنياهو، الذي يرى في أي مسار يؤدي إلى حل الدولتين تهديدًا لمشروعه السياسي، يحاول الآن ترويج “بدائل مصطنعة” تستهوي ترامب واليمين الأمريكي.
ويعرف نتنياهو جيدًا أن ترامب لا يُبدي حماسًا لحل الدولتين، لكنه يعشق فكرة “السلام عبر الصفقات”، خاصة مع دول الخليج. ومن هنا، تأتي فكرة إمارة الخليل كنموذج جديد – خفيف، سهل الهضم، و ”قابل للتسويق”.
زعماء محليين بعباءات وعِمامات، يحكمون منطقتهم بترتيب اقتصادي وأمني،، فكرة تستهوي خيال ترامب وتختزل الصراع الفلسطيني إلى “إدارة محلية” لا تهدد المصالح الإسرائيلية.
نتنياهو يسابق الزمن لتقويض ما قد يكون مبادرة جديدة لترامب لإحياء حل الدولتين ضمن اتفاق سلام ثلاثي مع السعودية. ويدرك أن غياب حماس، وتوحيد الضفة وغزة تحت راية السلطة الفلسطينية، قد يجعل من هذا الطرح مقبولًا دوليًا.
ولذلك، يعيد نتنياهو تفعيل سياسة التفكيك: تقديم بدائل مصطنعة (كإمارة الخليل)، تضخيم ملفات ترهل السلطة والاتهامات لها بالفساد، وتشويه قياداتها عبر تسريبات وتوقيتات محسوبة، لإضعافها أكثر أمام الرأي العام المحلي والدولي.
المستوطنون لن يقبلوا بتفكيك الخليل، والفلسطينيون لن يسكتوا على إخراجها من الجغرافيا السياسية للسلطة. والنتيجة المحتملة: انفجار داخلي، يُضاف إلى هشاشة الوضع في الضفة.
إمارة الخليل ليست مشروعًا واقعيًا، بل أداة دعائية ضمن حملة لتعطيل أي تقدم نحو حل الدولتين. المستفيد هو نتنياهو، الذي ينجح مرة أخرى في تسويق وهم “الحلول البديلة” لتأجيل التسوية الحقيقية. ترامب قد يُغرى بالطرح، ولكن السعودية لن تشتريه دون حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.
العالم، بعد الحرب، سيواجه فظائع غزة، وستعود الدولة الفلسطينية إلى الأجندة الدولية بشكل أقوى.
قد تكون السلطة الفلسطينية اليوم ضعيفة ومتهمة بالفساد وسوء الإدارة، لكنها تبقى الكيان الفلسطيني الوحيد المعترف به دوليًا. أما الأوهام الدعائية، فسرعان ما ستتلاشى عند أول اختبار ميداني.
لكن التقليل من قيمة هذه الخطوة دليل عجز عن مواجهة الواقع وسياسة الانتظار التي تمارسها القيادة الفلسطينية، ومركبات النظام الفلسطيني خطيرة، وكأنها تمارس الصمت على هذا الفعل ويحملها مسؤولية مضاعفة، اذا لم تدرك خطورة الخطوة والفعل الإسرائيلي.