مصطفى إبراهيم: قنوات التلفزيون الإسرائيلية… أبواق الدعاية والتحريض

مصطفى إبراهيم – مصدر الإخبارية

منذ اندلاع حرب الإبادة في غزّة، تحوّلت وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولا سيّما القنوات التلفزيونية، منصات للتحريض والدعاية العسكرية الكاملة، تبث رواية الجيش بلا مساءلة، وتغفل عمداً ذكرَ أعداد الشهداء والمصابين أو الانتهاكات المتواصلة للقانون الدولي الإنساني.

في إسرائيل، يبدو كلّ بيت امتداداً للثكنة: الأب والأم جنود في الاحتياط، الابن والبنت مجنّدان، السلاح معلق عند الباب، ومواقع الجيش والأجهزة الأمنية منتشرة في المدن، بل إنّ الـ ” كرياه” مقرّ وزارة الأمن يقع في قلب تل أبيب. غالبية الصحافيين خدموا فعلياً في الجيش أو يقاتلون ضمن وحداته، وينظم الجيش لهم “جولات ميدانية” في قطاع غزة منظمة بعناية لتلميع صورته، وترويج روايته وانجازاته.

في سياق الحرب على غزة، استهدف الجيش الإسرائيلي الصحافيين الفلسطينيين بشكل متعمَّد، وقتل أكثر من 230 صحافياً، ودمر مكاتب العديد من وسائل الإعلام.

لم تحترم إسرائيل حرية العمل الصحافي وحرية التعبير، بل سعت إلى إسكات الحقيقة وكتم أصوات الضحايا من النساء والرجال والأطفال الذين استشهدوا خلال الإبادة الجماعية المستمرة. وما تزال إسرائيل تقتل يومياً عشرات الفلسطينيين دون رادع.

مع تغييب الرواية الفلسطينية، صارت القنوات الفضائية في إسرائيل الرسمية والخاصّة منصّات تحريض، وخلال حرب الإبادة المستمرة، تعاملت إسرائيل مع كلّ فلسطيني على أنه عدو لدود، وأن كلّ شيء مباح من أجل تحقيق “النصر المطلق”، في إنكار تام لوجود القانون الدولي أو الالتزام به.

كما نفذت إسرائيل دعاية شيطانية ضد الفلسطينيين عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، الرسمية منها والخاصة، حتى أصبحت محطات الأخبار الإسرائيلية قنوات دعائية بامتياز، تروّج للقتل وتحرض على الإبادة وتنشر الأكاذيب والشائعات. وتم التعامل مع هذه الوسائل الإعلامية كأدوات لنظام شمولي يخفي حقيقة الأوضاع الكارثية والإنسانية في غزة.

وكما جرت العادة في الخطاب الإسرائيلي، تكرّس تعريف “التهديدات الاستراتيجية” و “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وأصبحت هذه الحرب تُعرض باعتبارها “حرب اللاخيار”. ومن خلال بيانات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، تم تكرار الأسطوانة المعروفة بأن مقرات الصحافيين تُقصف لأنها تُستخدم في أنشطة عسكرية أو في نشر دعاية “معادية لإسرائيل” ودعوات لـ “إبادتها”. وهي الذرائع ذاتها التي تُستخدم لتبرير قصف الجامعات، والمستشفيات، والأطفال، والنساء، وكبار السن في غزة. قصف محطات التلفزيون، تحت هذه الذرائع، لم يعد استثناءً. ولو لم يكن الأمر محزناً، لكان مضحكاً.

منذ أكثر من عشرين شهراً، أصبحت وسائل الإعلام الإسرائيلية، وخاصة قنوات التلفزيون والإذاعة، مسرحاً مكشوفاً للتحريض المُفرط على الإبادة الجماعية. الشاشات امتلأت بشعارات مثل: “حوّلوا غزة إلى موقف سيارات”، و”ألقوا عليها قنبلة نووية”، و”لا يوجد أبرياء في غزة”، و”سيتعرضون لنكبة ثانية”. تقدم الأخبار وحتى الإعلانات من قِبل مقدّمي برامج يروّجون لخطاب الإبادة، ويعرضونها كالسلع باستخفاف، فيما يصرّحون بلا تردد: ” يجب أن تكون غزة خالية من السكان. هناك مليونان ونصف مليون إرهابي”.

يبقى السؤال المطروح: إذا ما كانت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية، أو القناة 14 (لسان حال النظام الإسرائيلي ونتنياهو واليمين الدعائي، أو القناة 12 التي تغطي الحرب غالباً من وجهة نظر نتنياهو، تُعتبر أدوات دعائية وتحريضية صريحة. فهل يُمكن اعتبارها خارج دائرة “الأهداف المشروعة” في أي حرب؟ هل تظل هذه القنوات بمنأى عن المساءلة حتى لو كانت تبث بانتظام مقاطع فيديو تهدد الفلسطينيين بالإبادة، وتحرض على استمرار القتل؟

في غزة، وإلى جانب تحقيق أهداف الحرب المُعلنة، لم تُخفِ إسرائيل رغبتها في الانتقام، والنشوة بالحرب تدفعها إلى إطلاق النار في كل الاتجاهات.

اليوم، وفي ظل تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران، فهل يُعد قصف قنوات التلفزيون – مثل هيئة الإذاعة الإيرانية – جريمة أم خطوة مبررة؟ ومن المستحيل الجدال بجدية بأن قصف هيئة الإذاعة الإيرانية هو “فكرة رائعة”، في الوقت الذي يُعتبر فيه إطلاق صاروخ على القناة 12 أو 14 جريمة حرب ترتكبها “دولة إرهابية منفلتة العنان”.

في إسرائيل، حتى أولئك الذين يُطلق عليهم اسم “صحافيين”، هم في الحقيقة مجرد أبواق للتحريض والدعاية، يروّجون للحرب والقتل والتدمير، ويساهمون في مشروع إبادة شعبٍ بأكمله، والتنكر لحقوقه وعدالة قضيته.