عمالقة النفط بالشرق الأوسط يضخون مليارات الدولارات في الغاز المسال

مشروعات غاز طبيعي مسال يعوزها التمويل تقدم فرصة لشركات النفط الوطنية الكبرى

وكالات – مصدر الإخبارية

بدأت فئة جديدة من المستثمرين تتوسع في مجال الغاز الطبيعي المسال، أحد أكثر السلع رواجاً في العالم، وتعرض مليارات الدولارات لمشروعات جديدة، مزاحمةً اللاعبين التقليديين.

وبفضل توفر مليارات الدولارات والدعم الحكومي القوي، تنفق شركات النفط الوطنية – خصوصاً في الشرق الأوسط – بسخاء على إنتاج الغاز الطبيعي المسال عالمياً، ومن المتوقع أن تتضاعف القدرة الإنتاجية تقريباً خلال السنوات العشر المقبلة.

تتخذ هذه الفئة خطوات جريئة، مدفوعةً بالأرباح الهائلة التي تحققها الشركات الرائدة حالياً في القطاع مثل “شل” (Shell Plc)، كما يتضح من عرض أبوظبي البالغ 19 مليار دولار الأسبوع الجاري للاستحواذ على شركة “سانتوس” (Santos Ltd) الأسترالية المنتجة للغاز الطبيعي المسال. وقد وضعت “أرامكو” السعودية نفسها حديثاً بين أكبر لاعبات الغاز الطبيعي المسال في العالم لتلبية احتياجات مصر من الطاقة، فيما تمضي “قطر للطاقة” – التي تُعد مورّدة رئيسية منذ سنوات – قدماً في تطوير مشروع التصدير الخاص بها في تكساس.

نمو متسارع في الطلب على الوقود الانتقالي

رغم أن الغاز الطبيعي المسال لا يزال يحتل مرتبة أقل أهمية من النفط ضمن النظام العالمي للطاقة، فإنه يشهد نمواً أسرع وطلباً أكثر استدامةً بفضل دوره كوقود انتقالي يدعم مصادر الطاقة المتجددة.

لكن تعرقلت مشروعات عدة بسبب تأخيرات التنفيذ وتجاوز التكاليف الميزانيات، وأصبحت بحاجة إلى تمويل لاستكمالها، وبالنسبة لدول الخليج، تقدم هذه المشروعات فرصةً لتعزيز النفوذ الدولي في مجالات الطاقة والتمويل والجغرافيا السياسية، إلى جانب تنويع الاقتصادات بعيداً عن النفط.

قال أوغان كوسيه، المدير التنفيذي في “أكسنتشر” (Accenture): “يبدو أن الغاز الطبيعي المُسال لا يزال الرهان الأفضل بين جميع السلع الهيدروكربونية المختلفة”. موضحاً أن هوامش الربح من الاستثمار في الغاز الطبيعي المسال وتجارته “تكاد تكون غير مسبوقة في أي سلعة هيدروكربونية أخرى”.

شركات آسيوية تدخل سباق الغاز المسال

تشمل موجة الاستثمار التي تقودها “أدنوك” و”أرامكو” و”قطر للطاقة” البحرين والكويت وسلطنة عمان، حيث تسعى هذه الدول لتوسيع أنشطتها في تجارة الغاز الطبيعي المسال، وهو مجال أثبت نجاحه للشركات المستثمرة به في السنوات الماضية. كما تعتمد بعض هذه الدول حالياً على واردات الوقود، وبالتالي تسعى لتوسيع الإنتاج لتلبية الاحتياجات المحلية.

شركات النفط الشرق أوسطية التي تتوسع في الاستثمار بالغاز الطبيعي المسال عالمياً
شركة النفط الوطنيةالاستثمار في الخارج
 
التداول عبر أطراف ثالثة 

اتفاقيات شراء الإنتاج
 

أرامكو
  • شركة “ميد أوشن” (Midocean)
  • اتفاق مبدئي لشراء حصة في مشروع “بورت آرثر” التابع لشركة “سيمبرا إنرجي” (Sempra Energy)
  • نعم
  • المرحلة الثانية من مشروع “نكست ديكيد ريو غراندي” (NextDecade Rio Grande 2)
  • المرحلة الأولى من “سيمبرا إنرجي بورت آرثر”
  • المرحلة الثانية من “سيمبرا إنرجي بورت آرثر”
أدنوك/إكس آر جي
  • مشروع “نكست ديكيد ريو غراندي”
  • حوض “روفوما” بموزمبيق
  • عرض مقدم: سانتوس
  • قيد التقييم: أصول “بي بي” (BP)
  • نعم
  • المرحلة الثانية من “نكست ديكيد ريو غراندي”
  • حوض “روفوما” بموزمبيق
قطر للطاقة
  • مشروع “غولدن باس” (Golden Pass)
  • نعم
  • “غولدن باس”
مؤسسة البترول الكويتية (عبر كوفبيك)
  • محادثات جارية مع “وودسايد” (Woodside) بشأن مشروع للغاز الطبيعي المسال في لويزيانا
  • وحدة تداول تم إنشاؤه
  • لا يوجد
“بابكو” لا
  • وحدة تداول تم إنشاؤها
  • لا يوجد
المصدر: “بلومبرغ” و”بلومبرغ إن إي إف”

لا تقتصر هذه الظاهرة على الشرق الأوسط، رغم أن معظم النشاط الأحدث انطلق منه؛ إذ تسعى “بتروليام ناسيونال” (Petroliam Nasional Bhd)، شركة النفط والغاز المملوكة للدولة في ماليزيا، وشركات أخرى من جنوب شرق آسيا إلى التوسع خارج حدودها في ظل تراجع إنتاج الغاز الطبيعي المسال محلياً.

لم ترد “أدنوك” و”أرامكو” و”قطر للطاقة” و”بتروناس” على طلبات التعليق فوراً.

تحديات بيئية وتمويلية لمشروعات الغاز

أصبح إنجاز مشروعات بمليارات الدولارات أكثر صعوبةً على مطوري الغاز الطبيعي المسال والشركات النفطية الكبرى في الولايات المتحدة، الذين هيمنوا حتى الآن على هذا المجال، إذ تحد أهداف المناخ من قدرة بعض المشترين على توقيع عقود توريد تمتد لعقود.

وتُعاني العديد من المشروعات من تجاوزات في الوقت والتكاليف، كما تواجه مخاطر تشغيلية وتقلبات في التداول. أما المنافسون في الشرق الأوسط، فيملكون قدرات مالية أكبر بكثير، إذ تتجاوز القيمة الإجمالية لوحدة استثمارات الغاز والكيماويات الدولية التابعة لـ”أدنوك” والمعروفة باسم “إكس آر جي” (XRG) 80 مليار دولار.

قال ماسيمو دي إدواردو، نائب رئيس شركة “وود ماكنزي” (WoodMackenzie) في لندن: “كانت مسألة إيجاد رأس المال من أبرز التحديات في السوق”، مضيفاً: “نشهد تدفقات متزايدة من رؤوس الأموال الخاصة التي تساعد هذه المشروعات على الاكتمال”، ويأتي جزء من هذه الأموال مباشرةً من شركات النفط الحكومية.

بالنظر إلى أن عديد من هذه الشركات الشرق أوسطية ستؤدي أيضاً دور مشتري الغاز الطبيعي المسال قبل إعادة بيعه، فإن الحاجة إلى توقيع مطوري المشروعات اتفاقيات مباشرة مع المشترين من أجل اتخاذ قرار الاستثمار النهائي باتت أقل إلحاحاً.

بعض اللاعبين، مثل “قطر للطاقة”، يتمتعون بالفعل بموقع أقوى، إذ لديهم مشترون جاهزون للغاز الطبيعي المسال بفضل ما يقرب من ثلاثة عقود من تصدير الوقود المحلي، فضلاً عن امتلاكهم إمكانية استخدام طاقة إعادة التغويز في محطات أوروبية.

قال كريستوفر سترونغ، الشريك المتخصص في صفقات ومشروعات قطاع الطاقة لدى شركة المحاماة “فينسون آند إلكينز” (Vinson & Elkins LLP): “شركات النفط التي كانت تنتج النفط محلياً في السابق أدركت أنها بحاجة لدخول مجال الغاز على المستوى الدولي”.

وصول الطلب على الغاز ذروته أحد المخاطر 

مع ذلك، فإن موجة الإنفاق هذه لا تخلو من المخاطر، خاصةً أن العثور على المشترين قد يصبح أكثر صعوبة مع تقدم الدول نحو تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية، حتى لو ساهمت الإمدادات الإضافية في خفض الأسعار. وتُقدّر الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب على الغاز سيبلغ ذروته بحلول عام 2030، وهناك خطر أن يتجاوز المعروض من الغاز الطبيعي المسال حجم الاستهلاك.

كما أن العنف الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط خلال الأسبوع الماضي سلّط الضوء على هشاشة تجارة الوقود عبر المسافات الطويلة، ومدى تعرض سوق الغاز لتقلبات مفاجئة في الأوضاع الجيوسياسية.

التداول عنصر حاسم للنجاح

ويركز معظم اللاعبين المشاركين – بمن فيهم “قطر للطاقة” و”أرامكو” و”أدنوك” – على إنشاء وحدات تداول في مرحلة مبكرة. وقال كوسيه من “أكسنتشر” إن التداول يمثل عنصراً أساسياً لدعم طموحات الغاز الطبيعي المسال المتنامية خارج بلدانهم، إذ تتيح لهم الوصول إلى الأسواق الأكثر استعداداً لاستقبال الإمدادات المتزايدة.

وبحسب دي إدواردو من “وود ماكنزي”، فإن اتساع قاعدة المورّدين من شأنه أن يعود بالفائدة على مشتري الغاز الطبيعي المسال، لأنه سيعزز المنافسة ويوفر مزيداً من الخيارات. أدّى تذبذب الطلب واستمرار الأسعار المرتفعة إلى احتفاظ بعض الناقلات بشحناتها جزئياً، ما يشكل تحدياً لتجار السلع التقليديين. والسؤال الأساسي هو مدى سهولة العثور على مشترين عندما تدخل مشروعات أخرى حيز التشغيل.

وقال دي إدواردو: “المخاطرة تكمن في سوق شهدت بالفعل نمواً كبيراً في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، وتطمح إلى إضافة المزيد.. والسؤال المطروح الآن هو: ما حجم الطلب الإضافي الذي سيظهر؟”.