مصطفى إبراهيم: يائير غولان.. لا تغيير جوهري في مواقفه

مصطفى إبراهيم – مصدر الإخبارية
عكست تصريحات رئيس حزب “الديمقراطيين”، الجنرال يائير غولان، حقيقة وتوجهات النظام السياسي الإسرائيلي برمّته، ائتلافًا ومعارضة، ومواقفهم وسلوكهم في حرب الإبادة. ففي مقابلة مع إذاعة “كان” (ريشت ب)، قال غولان إن “إسرائيل في الطريق لتصبح دولة منبوذة بين الشعوب، كما كانت جنوب أفريقيا في زمن الفصل العنصري، إذا لم تعد لتعمل كدولة عاقلة لا تخوض قتالًا ضد مدنيين، ولا تقتل أطفالًا كهواية، ولا تضع لنفسها أهدافًا لطرد السكان”.
اعتاد غولان، منذ أن كان نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، على توجيه انتقادات مبطنة للقيادة السياسية الاسرائيلية. وأتذكر ما قاله في مايو/أيار 2016، في خطاب إحياء ذكرى الهولوكوست، حين صرّح بأنه “من المخيف أن نتعرف في أنفسنا على عمليات حدثت في ألمانيا قبل 70 أو 80 أو 90 عامًا، وأن هناك أدلة على حصول مثل هذه الأمور في إسرائيل عام 2016”. حينها هاجمه اليمين، واحتفى به يسار الوسط، فارتفع نجمه السياسي، لكنه تراجع فوراً، موضحًا أنه “لم يقصد المقارنة”، وأن “الجيش الإسرائيلي جيش أخلاقي يحافظ على طهارة السلاح”.
تباينت ردود الفعل على تصريحاته الأخيرة بين الرفض والقبول والنقد، سواء من داخل إسرائيل بما فيها اليسار الصهيوني ويسار الوسط، أو من التيارات التي تصف نفسها باليسار الراديكالي المعارض لسياسات الاحتلال وجرائمه.
من بين المنتقدين، كتبت الصديقة الصحافية عميرة هس منشوراً على حسابها على فيسبوك وجهته إلى غولان وإلى اليسار عمومًا، وقالت: “في الأيام التي يُحتفى فيها بمن يرفضون الخدمة العسكرية أو من يخرجون ضد الاحتلال أو الحرب، يسهل أن نرفع شعارات من نوع ‘أين كنتم؟’ كأننا نقول: ماذا تذكّرتم فجأة؟”.
من السهل توجيه اللوم لكل جندي احتياط رفض الحضور الآن، لكنه كان منظمًا في الحروب السابقة، فرض حظر التجول على المخيمات، وساهم في فرض الاحتلال. ومن السهل السخرية من أولئك الذين كانوا حتى الأمس القريب صهاينة ملتزمين، واليوم يشاركون في إحياء ذكرى النكبة.
على اليسار الراديكالي أن يعترف بحقيقة أساسية: لا أحد يصل إلى الموقف “الصحيح” في التوقيت المثالي. حتى أبناء العائلات الشيوعية أو اليسارية القديمة، “القلة المحظوظة”، ليسوا بالضرورة أنقياء سياسيًا أو أخلاقيًا. النقاء المطلق وهم.
ما نطلبه، في الواقع، ليس الاعتذار، بل الاستمرار. ألا يتراجع من بدأ يرى الاحتلال على حقيقته، وألا يتخلى عن موقفه الجديد، وإن جاء متأخرًا.
وختمت بالقول نحن نعيش مفارقة قاسية. شاركنا في احتجاجات بلفور ضد الانقلاب القضائي، على أمل أن تفتح هذه الحركة وعيًا أعمق بارتباط القمع الداخلي (ضد اليهود) بالقمع المستمر ضد الفلسطينيين. فرحنا بكل من انتقل من لافتة “ديمقراطية للجميع” إلى مرافقة الرعاة في الأغوار. لكننا صُدمنا بسرعة عودتهم لدعم الحرب.
وقالت هذه خيبتنا، لكنها أيضًا أملنا: أن يهتز شيء في داخل هؤلاء. أن يقودهم قلقهم وصدمة الواقع إلى رفض أعمق وأكثر جذرية.
دورنا الآن هو وقف الحرب. وقفها بكل الوسائل. ودعم كل من يختار الرفض، علنًا أو بصمت. وتوسيع المساحات السياسية للشك، للغضب، وللتفكير. الاحتجاجات التي ترفع صور الأطفال الذين قُتلوا ليست أداءً شعائريًا. إنها صدمة موجهة إلى قلب مجتمع يعيش في إنكار.
في حين قالت الصحافية اليسارية والمحررة في موقع سيحا مكوميت ورئيسة مجلس إدارة مؤسسة “بتسيلم” أورلي نوى، أن الديناميكيات داخل المعسكر اليساري كانت متوقعة كما هي مألوفة: إعجاب هائل، ثم تذمّر ساخر من نوع “هل تذكرت الآن؟”، يتبعه توبيخ للموبّخين أنفسهم بأنّ التغيير، ولو جاء متأخرًا، يستحق الترحيب.
هذا نقاش يبدو فيه الجميع “على حق”، لكنه ليس النقاش الحقيقي الذي يجب أن تثيره تصريحات من هذا النوع.
وتضيف “أن يقول نائب رئيس الأركان السابق، وزعيم يسار الوسط الصهيوني، إن إسرائيل تقتل الأطفال كهواية، حتى لو لم تكن الكلمة الأنسب لوصف الإبادة المنهجية الجارية ـ ليس شيئًا عابرًا. لكن في المقابل، فإن الشعور بالغضب جرّاء كل الدم الفلسطيني الذي نزف وينزف قبل أن تُقال هذه الكلمات، كذلك الذين يقولون إن إلغاء قيمة هذا التحول هو موقف غير سياسي، لأن السياسة في جوهرها هي فتح الأبواب للتغيير”.
والسؤال الجوهري: هل التغيير الذي طرأ على غولان، وعلى أمثاله من جنرالات وشخصيات مركزية في المعسكر الصهيوني ويسار الوسط، هو تكتيكي أم جوهري؟
من الواضح أن لـ يائير غولان تأثيرًا في الجيش الإسرائيلي وفي أوساط اليهود الاشكناز. لكن السؤال هو: هل يمثل تحوّله سياسياً عميقاً وأن الاحتلال نفسه هو أصل الشرور، ويمارس الابادة الجماعية، وأن النظام في إسرائيل فاشي وقائم على الفصل العنصري والتطهير العرقي، والتفوق العرقي، ومحاولة فرض سيادة يهودية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، التي يقطنها ملايين الفلسطينيين، هو الجريمة الأصلية؟