مساعٍ إسرائيلية لثني ألمانيا عن التلويح حتى بحظر الأسلحة
تحاول تل أبيب بذل جهود دبلوماسية لاحتواء التوجه الألماني المتصاعد نحو فرض حظر تسليحي، في ظل انتقادات علنية غير مسبوقة من المستشار ميرتس ووزير خارجيته، وضغوط من الشارع والأحزاب الألمانية احتجاجًا على حرب الإبادة على غزة وتفاقم المجاعة.

القدس المحتلة – مصدر الإخبارية
تُجري إسرائيل تحركات دبلوماسية مكثفة لإقناع مكتب المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، ووزارة الخارجية الألمانية، بعدم فرض حظر على تصدير الأسلحة إليها أو حتى التلويح بذلك، وفق ما أفادت به هيئة البث العامة الإسرائيلية (“كان 11”)، مساء الثلاثاء.
يأتي ذلك في ظل تصاعد اللهجة الألمانية تجاه إسرائيل على خلفية الحرب على غزة، مع تلويح برلين باتخاذ إجراءات غير محددة، من بينها بحث تعليق صادرات السلاح في حال انتهاك القانون الإنساني الدولي، في تحوّل لافت لموقف طالما اتسم بالدعم الثابت لإسرائيل.
وأفاد “كان 11” بأن مسؤولين إسرائيليين يسعون لإقناع نظرائهم في ألمانيا بأن خطة توزيع المساعدات الغذائية في قطاع غزة “تعمل وتشكل تحولًا جوهريًا ودراماتيكيًا” مقارنة بالفترة الماضية، وذلك في محاولة لتجنّب طرح أي تهديد، حتى ولو تلميحًا، بوقف الإمدادات العسكرية خلال الاتصال الهاتفي المرتقب بين ميرتس ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو.
وفي هذا السياق، أرسلت تل أبيب توثيقات حديثة لعمليات توزيع الغذاء، وتسعى إلى التأثير على التغطية الإعلامية الألمانية لعرض الوضع القائم في غزة على أنه “نقطة تحول” أو “مغير للّعبة”، وذلك رغم تفاقم المجاعة في القطاع، واستمرار حرب الإبادة، وهيمنة الاحتلال على توزيع المساعدات بطريقة تتنافى مع المبادئ الإنسانية.
في المقابل، نظم عشرات النشطاء الإسرائيليين والمقيمين في ألمانيا وقفة احتجاجية، اليوم، أمام وزارة الخارجية الألمانية، طالبوا خلالها بتعليق الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ووقف تزويدها بالسلاح. وشارك في التظاهرة أيضًا متضامنون غير إسرائيليين، ورفع المحتجون لافتات كُتب عليها بالعبرية: “يجب الوقوف ضد الإبادة الجماعية” و”لا لنكبة ثانية”.
وكان عدد من النواب البارزين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (SPD)، الشريك في ائتلاف ميرتس، قد بدأوا الإثنين ممارسة ضغوط لفرض حظر أسلحة على إسرائيل، بسبب “مخاوف” من انتهاك القانون الإنساني الدولي وتفاقم المعاناة في قطاع غزة.
ووجّه ميرتس، الثلاثاء، أشد انتقاد علني لإسرائيل يصدر عنه حتى الآن، معتبرًا أن الغارات الجوية المكثفة على غزة لم تعد مبررة في سياق محاربة حركة حماس، واصفًا إياها بأنها “لم تعد منطقية”. وأضاف: “بصراحة، لم أعد أفهم ما الذي يفعله الجيش الإسرائيلي هناك الآن”.
وتعكس هذه التصريحات، التي جاءت خلال مؤتمر صحافي في فنلندا، تحولا أوسع نطاقا في الرأي العام وكذلك استعدادا أكبر لدى كبار السياسيين الألمان لانتقاد سلوك إسرائيل منذ هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
من جهته، امتنع وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديبول، عن التعليق المباشر على احتمال فرض الحظر؛ وقال في مقابلة مع الإعلام الألماني: “نحن في مرحلة مبكرة من مسار قانوني معقّد. ما هو واضح هو أننا نعترف بالولاية القضائية الدولية وبالقانون الإنساني الدولي، وكل قرار ستتخذه الحكومة الفيدرالية الجديدة سيستند إلى ذلك”.
وقال فاديبول، في تصريحات لقناة WDR، إن دعم ألمانيا التاريخي لإسرائيل “يجب ألا يُستغَل”، مشيرًا إلى أن الغارات الجوية الإسرائيلية ونقص الغذاء والدواء جعلا الوضع في غزة “لا يُطاق”. وأضاف “وصلنا إلى مرحلة نحتاج فيها للتفكير بجدية في الخطوات التالية”، مشددا على أن بلاده “لن تصدّر أسلحة قد تُستخدم في التسبب بمزيد من الأذى”، وأنه “لا توجد حاليًا أي طلبات جديدة قيد النظر”.
وتتصاعد دعوات من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم، لوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل خشية مواجهة ألمانيا اتهامات بالتواطؤ في جرائم حرب.
وفي هذا السياق، قال فاديبول: “محاربتنا الحازمة لمعاداة السامية ودعمنا الكامل لحق إسرائيل في الوجود لا يجب أن يُستخدم في سياق الصراع والحرب الدائرة حاليًا في غزة”. وأوضح أن أي قرارات تتعلق بصادرات السلاح تُتخذ في مجلس أمني خاص يرأسه المستشار ميرتس، وأن اجتماعات هذا المجلس تبقى سرية. ولم يوضح ما إذا كانت الخطوة المقبلة قد تشمل تعليقًا فعليًا لشحنات الأسلحة.
ويُعد هذا التغير في لهجة الخطاب تحولًا مهمًا في بلد يرى قادته أن دعم إسرائيل جزء من “المسؤولية الخاصة” (Staatsräson) المترتبة على خلفية المحرقة النازية، ويعكس أيضًا تغيّرًا واسعًا في الرأي العام الألماني، رغم أن لا يعبر عن انهيار في العلاقات الألمانية الإسرائيلية.
وتكتسب هذه التصريحات أهمية خاصة بالنظر إلى أن ميرتس كان قد فاز في انتخابات شباط/ فبراير الماضي، متعهدًا باستضافة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على الأراضي الألمانية، متحديًا مذكرة التوقيف التي صدرت بحقه من المحكمة الجنائية الدولية. ويحتفظ ميرتس في مكتبه بصورة لشاطئ زيكيم الواقع في “غلاف غزة”.
ويعتزم المستشار الألماني التحدث هاتفيًا إلى نتنياهو هذا الأسبوع، لكنه تجنّب الرد على سؤال بشأن صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل، بينما أوضح مسؤول حكومي، في مؤتمر صحافي، أن هذه المسألة من اختصاص مجلس الأمن الذي يرأسه ميرتس.
ويأتي هذا في ظل تزايد المعارضة الشعبية لسياسات إسرائيل، إذ أظهر استطلاع أجرته مؤسسة Civey، ونُشر في صحيفة “تاغسشبيغل”، هذا الأسبوع، أن 51% من الألمان يعارضون تصدير السلاح إلى إسرائيل.
كما أشار استطلاع حديث لمؤسسة “بيرتلسمان” إلى أن 36% فقط من الألمان ينظرون إلى إسرائيل بإيجابية، انخفاضًا من 46% في عام 2021، فيما أظهرت النتائج أن ربع الألمان فقط يشعرون بـ”مسؤولية خاصة” تجاه إسرائيل، مقابل 64% من الإسرائيليين الذين يرون أن ألمانيا ملزمة بذلك.