شادية الغول: الخطة الأمريكية في غزة .. مساعدات مشروطه وتصفيه لحقوق اللاجئين

د. شادية الغول – مصدر الإخبارية

في ظل الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، تبرز الخطة الأمريكية لتوزيع المساعدات عبر “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF) كتحول جذري في آليات الإغاثة، لكنها تثير جدلاً واسعًا حول مدى توافقها مع القانون الدولي الإنساني، وتأثيرها على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في ظل وقف تمويل وكالة الأونروا والتوجه نحو آليات بديلة تفتقر للشفافية والحياد.

تأتي هذه الخطة في سياق استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن استشهاد أكثر من 52,800 فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، وجرح أكثر من 119,000 آخرين، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. وفي ظل الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ أكثر من 17 عامًا، تتفاقم الأزمة الإنسانية، ما يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلاً، لكن هذا التدخل لا ينبغي أن يتم على حساب القيم القانونية والإنسانية.

أولًا: مخالفة القانون الدولي الإنساني

الخطة الأمريكية تقوّض المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، خاصة ما ورد في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، لا سيما:

المادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة: تنص على أنه “إذا كانت الدولة القائمة بالاحتلال لا تملك الوسائل الكافية لضمان توفير الإمدادات للسكان، فعليها أن توافق على عمليات الإغاثة الإنسانية وتُيسرها”. ➤ الخطة تتجاوز دور السلطة القائمة بالاحتلال، وتُبقي على دورها في التنسيق الأمني، مما يُضفي شرعية غير مباشرة على استمرار الاحتلال وتجاهل مسؤولياته.

المادة 30 من اتفاقية جنيف الرابعة: تكفل للسكان المحميين “حق التوجه إلى مندوبي الدول الحامية، أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أو أية هيئة محايدة”، وهو ما يتطلب وجود آلية محايدة مستقلة. ➤ تسليم مهام التوزيع لشركات خاصة تفتقر للحياد يُعد انتهاكًا لهذه المادة.

المبادئ الإنسانية في القانون الدولي الإنساني: تشمل الحياد، وعدم التمييز، والإنسانية، والاستقلال. ➤ آلية GHF المرتبطة بهيئات سياسية وأمنية تتعارض مع هذه المبادئ، وتجعل من توزيع المساعدات أداة ضغط سياسي.

ثانيًا: البعد الحقوقي والسياسي – استهداف الأونروا

تستهدف الخطة الأمريكية بشكل مباشر تقويض عمل الأونروا، والتي أنشئت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 لعام 1949، كجهاز دولي مسؤول عن اللاجئين الفلسطينيين، وتستمد شرعيتها من:

قرار الجمعية العامة رقم 194 لعام 1948 الذي ينص على “حق اللاجئين في العودة والتعويض”، ويُعد وجود الأونروا أحد تجليات هذا القرار.

تقليص الدعم المقدم للأونروا ووقف تمويلها حتى مارس 2025 يُعد مساسًا جوهريًا بالمسؤولية الدولية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، ويهدف عمليًا إلى تغيير تعريف اللاجئ، تمهيدًا لتصفية قضية اللاجئين.

وفي هذا الإطار، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، في مقابلة مع قناة “فرانس 24” بتاريخ 20 فبراير 2024، إن “الهجمات المتكررة على الأونروا تهدف إلى إنهاء دورها السياسي، أكثر من كونها ملاحظات تقنية على إدارتها”.

ثالثًا: التهديدات المرتبطة بالبصمة البيومترية والكرامة الإنسانية

إن استخدام آلية بصمة الوجه للحصول على المساعدات لا يمثل فقط انتهاكًا للخصوصية، بل يتعارض مع:

المادة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن “جميع الناس يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق”.

المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: “لا يجوز تعريض أي شخص لتدخل تعسفي في خصوصيته أو شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته”. ➤ تسجيل بصمات وجه نازحين وأطفال ومصابين دون ضمانات قانونية أو رقابة مستقلة، قد يُستخدم لاحقًا لأغراض أمنية أو سياسية، وهو ما يفتح الباب لانتهاكات مستقبلية.

وقد حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير صدر بتاريخ 28 يناير 2024 من “تحول أدوات المساعدات الإنسانية في غزة إلى أدوات مراقبة جماعية، تُفقد الفلسطينيين الثقة بالمؤسسات الدولية”.

رابعًا: الأثر الاجتماعي والتمييز الجغرافي

فرض مركزية في التوزيع مع استمرار إغلاق المعابر وقصف الطرق يشكل عبئًا إضافيًا على الفئات الأكثر تهميشًا (النساء، كبار السن، ذوي الإعاقة)، وهو ما يُخالف مبدأ “عدم التمييز” الوارد في كل من:

المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)

وقد أظهرت بيانات منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (OCHA) في تقريرها الأسبوعي الصادر بتاريخ 17 مايو 2024، أن “أكثر من 60% من سكان غزة لا يستطيعون الوصول إلى أي مساعدات غذائية أو طبية بسبب عوائق لوجستية وأمنية”.

التوصيات

الإبقاء على الأونروا كمؤسسة محورية في تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، مع إصلاح إداري داخلي بدلاً من تقويضها.

إنشاء آلية دولية خاضعة لإشراف الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات، بالتعاون مع منظمات محلية غير حكومية موثوقة، بعيدًا عن التدخلات السياسية أو العسكرية.

وقف العمل بآلية التحقق البيومتري دون إطار قانوني واضح، واستبدالها بأساليب تحقق إنسانية تُحترم فيها الخصوصية والكرامة.

إشراك اللاجئين أنفسهم، خاصة النساء والفئات المهمشة، في تصميم ومراقبة توزيع المساعدات، بما يضمن الشفافية والمساءلة.

دعم التحقيقات الدولية حول الجرائم والانتهاكات في غزة، والعمل على تحميل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية الحصار واستهداف المساعدات، وفقًا للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة (التي تُصنف الحصار الخانق ومنع الإغاثة كجرائم جسيمة).

تعزيز دور لجنة الصليب الأحمر الدولي كمراقب مستقل على توزيع المساعدات، وضمان وصولها عبر ممرات إنسانية محمية بموجب القانون الدولي.

إن الخطة الأمريكية، في صيغتها الحالية، لا تُشكل حلاً إنسانيًا، بل أزمة قانونية وأخلاقية جديدة تُضاف إلى سجل الانتهاكات المستمرة بحق الشعب الفلسطيني. المطلوب اليوم هو حلول تستند إلى احترام القانون الدولي، وتحفظ الكرامة الإنسانية، وتُعيد للمجتمع الدولي دوره الحقيقي في إنفاذ العدالة وليس الالتفاف عليها.