مصطفى إبراهيم: الجوع والنزوح ومعادلة اليأس والتفاؤل

مصطفى إبراهيم – مصدر الإخبارية
يدور النقاش في غزة حول متى يحين موعد النزوح الاجباري من غزة والشمال للجنوب، وما زال الناس يعيشوا حالة الصدمة والحزن العميق، والخوف والضبابية السائدة متى ذلك؟ ولا يخفى على أحد أن الشعور السائد ليس في قطاع غزة فقط. بل بين جموع السياسيين، فلسطينيين وغيرهم في معظم الدول خاصة العربية، وهو شعور اليأس، فما بالكم بالناس في غزة المصابين بالكأبة والإحباط، والشعور بالوحدة، وعدم المبالاة من العالم بموتهم وتدمير ما تبقى من ممتلكاتهم وحياتهم.
ومع هذا الشعور السائد الذي لم يحرك قيادة حماس التي لم تدرك بعد طبيعة وأهداف دولة الاحتلال المعلنة وغير المعلنة، وهي أهداف تحاول تنفيذها عبر الزمن واحتلالها الطويل الأمد لفلسطين. وكان يجب عليها تغيير الرؤية والرواية والخطط، وهي ما زالت قادرة على فعل ذلك. ويسري ذلك على قادة العالم، والعرب الذين سيحملون وصمة العار المنقوشة على جباههم، التي ستصاحبهم على طول الزمن، واستمرار القصف والتجويع والطرد للناس العاجزين عن حماية أنفسهم.
إسرائيل أخرجت الكامن الشيطاني بداخلها، وخطاب ديني انتقامي توراتي، يعتمد على القتل والتدمير والخراب، بذرائع الدفاع عن النفس، وأمعنت بالتوحش بالاعتقال والاختطاف والتعذيب والقتل بشكل دموي في التحقيق والاغتصاب في السجون، ضد الناس الضحايا، ومحاسبتنا تاريخياً، وبأثر رجعي، وإعادة ما لم تستطيع تنفيذه من مخططاتها، وما لم تحققه خلال الـ 77 عاماً الماضية، وجرائم الطرد والمحو والتطهير العرقي بإجبار الناس على الهجرة، وهذا غير مرتبط بالفعل الانتقامي السائد فقط كما يدعي عدد من الباحثين والمحللين الإسرائيليين، وأنه مرتبط أيضا بصدمة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
سياسة التجويع المستمرة حتى الموت، وقتل النساء والأطفال والشيوخ، وتدمير المستشفيات، والمنع من الرعاية الصحية والعلاج، كل ذلك وفق خطط مسبقة يتم تطويرها، من قبل خبراء عسكريين ومدنيين في ظل حالة من الاجماع القومي الصهيوني.
يقال إن العالم محبط وعاجز عن فرض وقف الحرب كما حدث في مناطق أخرى من العالم، وحتى رفع الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية، وعدم قدرة العالم على اجبار دولة الاحتلال عن التراجع عن خططها بتنفيذ ما يسمى الآلية الإسرائيلية الأمريكية لتوزيع الطعام من خلال مراكز عير إنسانية وتجريدهم من إنسانيتهم، وهم بحاجة لاحتياجات هائلة. بفرض حصص صارمة على البضائع التي توزع إلى جانب إجراءات تأخير غير ضرورية.
يبدو أن العجز أيضا هو سمة الأمم المتحدة التي لم تنجح في اقناع العالم واستسلمت والخوف أن تصبح جزء من الالية الإسرائيلية الأميركية لتوزيع المواد الغذائية، واجبار دولة الاحتلال الناس على النزوح للجنوب لاستلام الطعام. وهدفها واضح استبدال الاحتلال منظومة الأمم المتحدة بشركات أمنية، تهدف إلى فرض النزوح القسري من مدينة غزة وشمال القطاع تجاه الجنوب من خلال معابر وحواجز أمنية.
أمس الجمعة كان خطاب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، محبطاً، وتكرار ما يقوله بأن الفلسطينيين في غزة يعانون ما قد تكون الفترة الأكثر وحشية مع تكثيف إسرائيل حربها المدمرة. وأنه طوال 80 يوما، منعت إسرائيل دخول المساعدات الدولية المنقذة للحياة، ويواجه جميع سكان غزة خطر المجاعة. وأنه من بين نحو 400 شاحنة سمح لها بالدخول إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم، لم يتم جمع إمدادات سوى من 115 شاحنة فقط.
ما يجري في قطاع غزة وحالة التوتر والخوف واليأس، أمام خلق معادلة الأمل والتفاؤل، وما تبقى من الناس. الوقت لم ينفذ في مواجهة خطط الاحتلال وخلق الفوضى وتسهيل عمل مجموعات قطاع الطرق. وسرقة شاحنات الطحين وقوت وطعام الأطفال والعائلات من مكملات غذائية، تعمل على تعزيز صمود الناس، الذين يعانوا من قسوة الجوع، مع ان تلك الشاحنات التي تسرق من المفترض أن تصل الى المخابز في محافظتي غزة والشمال.
في ضوء ذلك، ممكن إنقاذ ما تبقى، وقدرة الشعب الفلسطيني، وكافة فئاته السياسية والاجتماعية، يما فيها العائلات والعشائر، والتصدي لهذه الظاهرة الخارجة عن العادات وتقاليد شعبنا. وفي حين تراجع خطاب الأمم المتحدة وأمينها العام المحبط العاجز والمستسلم، وضبط عمل الوكالات الدولية في الأمم المتحدة حسب المعايير الإنسانية. وعدم الانصياع للشروط والخطط الإسرائيلية والعمل وفق الألية الإسرائيلية الامريكية. والضغط الحقيقي والمؤثر على المجتمع الدولي وعلى الاحتلال لفتح المعابر أمام دخول المساعدات، وتأمين وصولها للناس بعدالة.