عزيز حمدي المصري: حرب الإبادة.. شهوة ابتلاع غزة

كاتب وباحث فلسطين

عزيز حمدي المصري – مصدر الإخبارية

في العام 2011، بالتوازي مع عملية تشريع قانون النكبة، أطلقت منظمة “ام ترسو” المتطرفة حملة سعت من خلالها لإحياء الرواية الإسرائيلية التي تنكر النكبة. المنظمة أعدت كتيب بعنوان “النكبة هراء”، تستعيد من خلاله كل الادعاءات الإسرائيلية حول “كذبة النكبة”، وأن النكبة كانت نتيجة حرب أراد العرب بواسطتها طرد اليهود من البلاد في العام 1948، لهذا كان عليهم ان يدفعوا الثمن.

كما ذهب معدي الكتيب إلى دحض التأريخ الجديد الذي كتب من المؤرخين الجدد في إسرائيل، واعتبروا أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، هي صناعة فلسطينية عربية، وأن انشاء الأونروا كان بضغط من اللوبي العربي الإسلامي المسيطر أنداك على الأمم المتحدة.

كانت المفارقة بأن نشطاء منظمة “ام ترسو” يقومون بغناء النشيد التالي ” أوقعنا عليكم النكبة”، أي يعترفون بذلك بشكل علني بالمسؤولية الإسرائيلية عن الكارثة.

في العام 1955، طرح وزير الدفاع الإسرائيلي ديفيد بن غوريون، فكر تهجير سكان قطاع غزة، وطرد المصرين من القطاع. وكان الاقتراح عبارة عن انشاء ممرين للتهجير، الممر الأول إلي مصر، والممر الثاني للأردن.

رفضت الحكومة الإسرائيلية الموافقة على القرار باستثناء أربع وزراء إضافة لبن غوريون. ولتنفيذ الخطة وقعت مذابح غزة سنة 1956 بموافقة فرنسية بريطانية، وأفشلت هذا المخطط الولايات المتحدة في إطار استراتيجيها لإخراج بريطانيا وفرنسا خارج لعبة التأثير في الشرق الأوسط.

أطلق المؤرخين آنذاك على هذه الخطة، مصطلح “شهوة ابتلاع غزة”.

ومع اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة بعد هجوم السابع من أكتوبر / 2023، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية وثيقة مسربة من دوائر الأمن الإسرائيلية، تتمحور الوثيقة حول تقليل عدد سكان قطاع غزة إلى النصف، على اعتبار أن الكثافة السكانية في القطاع تشكل عبئ وخطر أمني تجاه دولة الاحتلال.

انطلاقا من هذا الجذر التاريخي لفعل النكبة المستمر، والمخططات الصهيونية القديمة الجديدة لتهجير سكان قطاع غزة، انطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخطته الجديدة “ريفييرا غزة”، والقائمة على تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، بحجة التفرغ لإعادة إعمار غزة. إلا أن هذا الطرح قوبل بالرفض التام من قبل مصر والأردن، والجامعة العربية. مما حدا بالإدارة الأمريكية للبحث عن دولا جديدة لاستقبال الفلسطينيين، مثل اندونيسيا وأرض الصومال والجزيرة السورية وألبانيا.

بالنظر إلى طبيعة أهداف حرب الإبادة على قطاع غزة، قام الاحتلال بفعل التدمير الواسع للمباني والمنازل والبنى التحتية، بجعل البيئة في قطاع غزة طاردة للحياة. والترويج بأن مخططات إعادة إعمار القطاع، تحتاج إلى تهجير بعض السكان لإتاحة المجال للعمل على إعادة الإعمار.

وهنا يطرح تساؤل يثير الجدل، بالعودة إلى شهر مايو 2023، طرحت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جو بايدن، مبادرة “الممرات المائية”، المضادة لخطة طريق الحرير الصيني. وفيما بعد تصريحات مستشار دونالد ترامب في ولايته الاولي جاريد كوشنر حول جمال وأهمية الاستثمار في سواحل قطاع غزة، كذلك تصريحات دونالد ترامب نفسه، عندما ادعى أنه زار شواطئ قطاع غزة وأعجب في جمالها وبحرها.

وبالتالي لا يمكن فصل هذه التفاصيل والطموحات، عن خطة الرئيس الأمريكي ترامب لتحرير وتهجير سكان قطاع غزة إلى دول الجوار، او أي دولة تقبل باستضافة الفلسطينيين. بل تمثل جوهر مشروع ترامب – نتنياهو، لليوم التالي للحرب على غزة، ومستقبل المنطقة، مما يخدم مصالح الاحتلال والإدارة الأمريكية من ناحية استثمارية بالدرجة الأولي، ومن ناحية شراء الأمن بعامل وقت الطويل لإعادة الإعمار التي ليس لها أفق، أو بوادر في المدى المنظور.

على الصعيد الأمريكي، لم يكن خيار التهجير وليد اليوم، بل قبل عقود طرحت الإدارة الأمريكية، عروض لتوطين اللاجئين في البلاد العربية، ومن ضمنهم لاجئي قطاع غزة.

في أغسطس 1995، طرح وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس، إعادة توطين اللاجئين في الدول العربية. وكان من المقرر تحفيز ذلك من خلال تطوير مشاريع إدارة المياه مع الولايات المتحدة كمساهم رئيسي؛ ودفع تعويضات عن الممتلكات المفقودة؛ وعودة عدد محدود من اللاجئين إلى إسرائيل؛ وإيجاد حل لمشكلة الحدود بين إسرائيل والدول العربية. وقدمت خطة أمريكية أخرى، بدأها الرئيس أيزنهاور بعد الحملة العسكرية الإسرائيلية في سيناء (أكتوبر-نوفمبر 1956)، حلاً اقتصاديًا لمشكلة اللاجئين من خلال التنمية الاقتصادية الإقليمية. وكانت آخر خطة أمريكية رسمية في هذا الصدد هي خطة جوزيف جونسون في أكتوبر 1962، الذي اقترح منح اللاجئين خيار العودة أو التعويض من أموال الأمم المتحدة والولايات المتحدة مع الحفاظ على حق إسرائيل في رفض العائدين لأسباب أمنية.

كما كشف مؤخرا عن اقتراح واشنطن منح اللاجئين الفلسطينيين، أراض في أمريكية الجنوبية كحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وجاء الاقتراح من قبل وزير الخارجية كوندوليزا رايس، توطين الفلسطينيين في الأرجنتين وتشيلي، إلا أنه رفض رفضا قاطعا في حزيران 2008 من قبل الجانب الفلسطيني.

ومن بين جميع مقترحات إعادة التوطين، كانت مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد الأكثر شمولاً. في 15 يونيو/حزيران 1959، أكد على وجود وسائل عملية لاستيعاب اللاجئين في اقتصاد المنطقة العربية. كما أكد أن اللاجئين سيعودون بالنفع على الدول المضيفة لهم من خلال توفير قوى عاملة حيوية تساعد في تنميتها. وفصّل همرشولد التكلفة التقديرية لاستيعاب اللاجئين، والتي قال إنه يمكن تمويلها من عائدات النفط والمساعدات الخارجية.

مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد، تمثل اليوم جزءا كبير من حيث الجوهر في برنامج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة فيما يتعلق بالتطبيع والتعاون الاقتصادي مع الدول العربية، إذ يتبني ترامب هذا المقترح في إطار رؤية شاملة للمنطقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. حيث أصبح من شروط انهاء حرب الإبادة على غزة، القبول بالتطبيع وانخراط دولة الاحتلال في المنطقة ككيان طبيعي، إلا ان المختلف هذه المرة ان تهجير عدد كبير من سكان قطاع غزة، إضافة الي توطين اللاجئين في الخارج بإمكانه تسكين الجبهات الحدودية عن المواجهة مع إسرائيل، بل وإمكانية توسيع مجال التطبيع.