مصطفى إبراهيم: أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً

مصطفى إبراهيم – مصدر الإخبارية

منذ 60 يوماُ تفرض دولة الاحتلال الإسرائيلي حصاراً خانقاً، وعقاب جماعي على قطاع غزة والمس بكرامة الانسان الفلسطيني، وما سببه ذلك من أوضاع كارثية، ونفاذ الإمدادات الغذائية والطبية بشكل متسارع وخطير، ويضطر الناس للاكتفاء بوجبة واحدة أو أقل يوميا.
دولة الاحتلال أعلنت بشكل صريح، أن الهدف من ذلك هو الضغط على حماس للإفراج عن الاسرى الإسرائيليين المختطفين. ولم تأبه دولة الاحتلال للمناشدات والادانات الدولية الرافضة لتجويع الفلسطينيين. 19 شهراً على الإبادة الجماعية، ولم تستطع أي دولة في العالم ادخال أوقية ملح، ولم تحاول تلك الدول استخدام علاقاتها وقوتها للضغط على دولة الاحتلال، حتى موضة الانزالات العربية الجوية الغبية للمساعدات لم تعد قائمة.
اعدام الحياة في غزة يتمثل في القتل والرعب والجوع والعطش والنزوح، وتمارس إسرائيل سياستها القديمة الجديدة، التي اتبعتها خلال الـ 17 عاماً من الحصار، وسياسة منع المرضى من العلاج في الخارج باعتبار العلاج “جودة حياة” وليس “انقاذ حياة”، وهي السياسة التي استخدمت بشكل عام وإبقاء الرأس فوق الماء، وحساب السعرات الحرارية اليومية للشخص.
إن التجويع الجماعي محظور أخلاقياً، ويقوض الحق الأخلاقي للمجتمع الدولي، وفقدان الادعاء في احترام القانون الدولي الإنساني، وكل حرب لها حدود. وهذا ما تم تناولته المناقشات في فلسفة الأخلاق مسألة حدود المسموح من الناحية الأخلاقية والنفعية. حتى لو لم يكن هناك اتفاق نظري حول مكان وجود الحدود، فهناك اتفاق على وجود حدود، والحد هو معاناة الإنسان.
قد تكون الأمم المتحدة والمنظمات الدولية استسلمت، ولم تعد قادرة على الحفاظ على الحق الأخلاقي في عملها، وذلك في سياق حالة من العجز، والخوف من فرض عقوبات ضدها، والتهديد والترهيب الذي مارسه التحالف الدولي الممثل بالولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية المركزية التي تدعم إسرائيل في حرب الإبادة.
واكتفت وكالات الأمم المتحدة وعيرها من المنظمات الدولية باستخدام الخطاب الدبلوماسي، والتعبير عن القلق والادانات والبيانات التي تحذر من المجاعة، من دون اتحاذ مواقف أكثر انسجاماً مع المعايير والقيم الإنسانية ودورها المنوط بها.
في خطاب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمس الثلاثاء في مجلس الأمن الدولي، لم يخرج عن السياق، والقى خطاب سياسي عام عن الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تحولات جوهرية، تتسم بالعنف والتقلب والفرص والإمكانات. وكرر ما كان يتم تداوله في بداية الحرب عن حل الدولتين الذي يتعرض لخطر التلاشي إلى حد الاختفاء.
حديث التطلعات وتحقيق العدالة والكرامة والحقوق والأمن والسلام الدائم، أحلام بعيدة المنال، لا سيما مع استمرار الإبادة الجماعية، والغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة على القطاع، إضافة إلى الحصار والتجويع الواسع النطاق، وتردي لأوضاع الإنسانية. وهذا الحال ينطبق عليه المثل القائل، “مالي أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً”.
يبدو أن هناك رضى دولي على تجويع غزة، وإلا ما هو تفسير هذا السلوك المشين، وعدم الرغبة في عدم فعل أي شيء، غير تصريحات رفع العتب، وبذلك يصبح العالم الذي يعمل على تعميق المجاعة شريكاً في حرب الإبادة.
بما في ذلك ما يجري من تسابق مندوبي الدول الأعضاء في محكمة العدل الدولية، بتقديم مداخلاتهم والاتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب، والتي بدأت جلسات استماع لبحث مدى التزام إسرائيل بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى الأراضي التي تحتلها.
على الرغم من الادعاء بإن الرأي الاستشاري من شأنه أن يزيد الضغط الدبلوماسي على إسرائيل، إلا استمرار الإبادة يشكل الجزء الأكبر من الاكتئاب العام للفلسطينيين في قطاع غزة، ومعرفتهم المسبقة أن الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية ليست ملزمة قانوناً.
فمحكمة العدل الدولية أصدرت في يوليو/ تموز الماضي رأياً استشارياً اعتبرت فيه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني وطالبت بإنهائه في أقرب وقت ممكن.
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، دعت محكمة العدل الدولية إسرائيل إلى منع أي عمل محتمل من أعمال الإبادة الجماعية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وفي مارس 2024، وبناءً على طلب جنوب أفريقيا التي تتهم الدولة العبرية بالإبادة الجماعية، دعت المحكمة إلى اتخاذ تدابير إسرائيلية جديدة للتعامل مع المجاعة.
وعلى رغم أهمية تلك الآراء، إلا أن عدم التزام إسرائيل وحلفاؤها باحترام القانون الدولي، يعكس الإحباط الواسع من عدم حل حقيقي لوضع حد للأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة.
يبدو أن العالم وفي غزة وإسرائيل أيضأ ينتظرون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتوقعات الأكثر تفاؤلاً بشأن فرص التقدم في وقف إطلاق النار واتمام صفقة الاسرى الإسرائيليين. حيث من المتوقع أن يصل ترامب، خلال الأسبوعين القادمين، في زيارة إلى السعودية التي تتوقع أن ينهي الحرب في غزة، أو على الأقل يجدد وقف إطلاق النار المؤقت. وحتى ذلك الوقت يبقى الأمل في حدوث اختراق في الوساطة المصرية، وهو عبارة عن موقف تسوية بين مطالب إسرائيل ومطالب حماس، ووقف إطلاق النار لمدة شهرين.