مصطفى إبراهيم: التغييرات في المنظمة والسلطة الفلسطينية خدمة لمن؟

مصطفى إبراهيم – مصدر الإخبارية

في جلسته المتعقدة في رام الله الخميس 24/4/2025، قرر المجلس المركزي الفلسطيني بالأغلبية الساحقة، الموافقة على استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وينص القرار على أن يعين النائب من بين أعضاء اللجنة التنفيذية، بترشيح من رئيس اللجنة ومصادقة أعضائها، ويحق لرئيس اللجنة تكليفه بمهام، وأن يعفيه من منصبه، وأن يقبل استقالته.

وصوت لصالح القرار، 170 عضوا من الأعضاء الحاضرين في القاعة والمشاركين عبر تقنية “الزووم”، فيما صوت عضو واحد بالرفض وعضو آخر بالامتناع.

على مر عقود، لم تتوقف الدعوات لإصلاح منظمة التحرير وإعادة بنائها على أسس وحدودية وديموقراطية، وتصاعدت هذه الدعوات في ظل سياسة الإقصاء والاستفراد التي انتهجتها القيادة التي كانت على رأس المنظمة في فترات مختلفة، وقد وصل الاستفراد بالمنظمة بتعيين اعضاء اللجنة التنفيذية وفقاً لمصالح النخبة المسيطرة على المنظمة ودون اعتبار للأنظمة الداخلية ومصادر الشرعية وهي الشعب الفلسطيني. ومع بروز حركة حماس كقوة رئيسية في الساحة الفلسطينية ازدادت الخلافات حول انضمام حماس للمنظمة والتي اتهمتها فتح وبعض فصائل المنظمة الأخرى، بالسعي للسيطرة على المنظمة ومحاولة خلق بديل عنها -كانت هنالك دائماً اتهامات لمصدر أي دعوات لإصلاح المنظمة تصدر من خارج قيادتها أو من الدوائر المقربة منها، وكأن من له الحق في الدعوة والحديث عن الإصلاح هي فقط القيادة، والتي يبدو كانت تستخدم هذا الحديث للمناورة.

مع توقيع اتفاقيات أوسلو، وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية بقرار من المجلس المركزي للمنظمة، جرت عملية إضعاف متعمدة وممنهجة للمنظمة، وقد تراجعت مكانة الأخيرة (الأم) في الساحة الفلسطينية لحساب السلطة (الابنة)، بحيث أصبحت المنظمة في الواقع وكأنها دائرة من دوائر السلطة تستدعيها القيادة كلما كانت لها حاجة بها، وهو الذي نرجح أنه يحصل في الوقت الحالي، حيث إن ضعف السلطة، ورفض إسرائيل التعامل معها فيما تعتبر اليوم التالي للقضاء على حماس في غزة، هو من دفع القيادة الحالية لاستدعاء المنظمة من جديد في خطاباتها وفي بعض القرارات التي اتخذت حتى الآن، إضافة إلى الضغوط العربية والدولية المطالبة بالإصلاح وإعادة الهيكلة، بالتزامن مع المطالب الشعبوية والنخبوية الوطنية المحقة بإصلاح المنظمة وإعادة الاعتبار لها.

خلال مؤتمر القمة العربية الطارئة الذي عقد في القاهرة في الرابع من مارس الجاري والمخصص للقضية الفلسطينية والرد على دعوة لرئيس الأمريكي العلنية لارتكاب جريمة حرب بتهجير الناس من غزة، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية -رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، محمود عباس قرارين اعتبرا مفاجئين؛ الأول: استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير ودولة فلسطين. والآخر أعلنه بصفته رئيساً لحركة فتح، وهو: عفو عام عن المفصولين من حركة فتح، وهذا يعني فتح المجال أمام عودة أحد منافسه الرئيسيين محمد دحلان والذي فصله من الحركة سنة 2011.

وأعلن الرئيس في هذا السياق عن اتخاذ قرارات والإجراءات القانونية اللازمة لتنفيذ ذلك، إلى جانب عقد المجلس المركزي الفلسطيني قريباً لإعادة هيكلة القيادة الفلسطينية.

وخلال المؤتمر أيضاً، كرر الرئيس عباس شروطه للوحدة الوطنية والمصالحة الفلسطينية مع حركة حماس، وهي: الالتزام بمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبرنامجها السياسي، والتزاماتها الدولية بما في ذلك أوسلو، وبالشرعية الدولية (التي تفسر على انها الالتزام بشروط الرباعية الدولية، من نبذ العنف والإرهاب)، ومبدأ النظام الواحد والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، وعلى ما يبدو، تعمد الرئيس عدم الإشارة إلى أهم محطات المصالحة الفلسطينية والمتمثلة بإعلان بكين للمصالحة الفلسطينية، والذي وقعه في العاصمة الصينية بكين في يوليو 2024، نائبه في حركة فتح محمود العالول مع موسى أبو مرزوق وممثلي الفصائل الفلسطينية الأخرى.

لم تأت قرارات الرئيس عباس في مؤتمر القمة استجابة للمطالب الفلسطينية بتحقيق الوحدة وانهاء الانقسام والإصلاح، لا بل من المغالطة اعتبارها كذلك، فالاستجابة إلى الوحدة الوطنية والإصلاح المؤسسي تبدأ بالتنفيذ بحسن نية لإعلان بكين بمضامينه كافةً بما في ذلك الوصول إلى إجراء الانتخابات العامة، لا بالتأكيد على الشروط الأربعة للمصالحة، وليس عبر استحداث مناصب مهمة خلافاً لأحكام القوانين والأنظمة ذات العلاقة، وليس بإعلان دستوري (غير دستور) يعدل بموجبه الأحكام الناظمة لشغور منصب رئيس السلطة الوطنية في القانون الأساسي، وليس بإجراء تغيرات سطحية المقصود منها هو استبدال الوجوه مع الإبقاء على جوهر المشكلة (الإيهام بوجود تغيير ما غير موجود في الحقيقة)، مثلما حدث بإقالة حكومة اشتية عضو اللجنة المركزية لفتح، واختيار محمد مصطفى أحد مقربيه ورئيس صندوق الاستثمار لتشكيل حكومة تكنوقراط، منحها ثقته فور تشكيلها.

وكذلك تعيين نائب للرئيس وأصدر عباس في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 مرسوما دستوريا يتولى بموجبه روحي فتوح منصب رئيس السلطة الفلسطينية إذا شغر.

يقول البعض أن قرارات الرئيس “الإصلاحية” سواء تلك التي أعلنها في القمة أو التي سبقتها ببرهة، قد جاءت جميعها نتيجة ضغط دولي وعربي وحتى إسرائيلي بضرورة تغيير وإصلاح النظام السياسي الفلسطيني وتجديده، والذي يعاني الضعف وسوء الإدارة واستخدام السلطة والفساد والمحسوبية وانتهاكات حقوق الانسان وحرياته وتعديل واستحداث قوانين تخدم مصالح النظام السياسي القائم، وحل المجلس التشريعي، والبيروقراطية، واستحداث محكمة دستورية ظلت محل خلاف فلسطيني عميق. ومؤخراً أصدر الرئيس قرارات هدفها هو تعزيز سلطاته على حساب الحكومة، من ذلك قراراته بتعيين رؤساء للأجهزة الأمنية وتعديل قانون الخدمة في قوى الأمن وتعديل قانون ديوان الرئاسة.

استحداث منصب نائب الرئيس وإحالة الوزير حسين الشيخ إلى التقاعد: هل من علاقة؟

وفي العشرين من شهر فبراير أحال الرئيس عباس رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية إلى التقاعد. وقد أثار القرار جدلاً واسعاً في الساحة الفلسطينية، لا سيما كون الشيخ الشخصية الأقرب للرئيس عباس، وهناك رضى عنه من جهات دولية وإقليمية، وقد يكون تخليه عن منصبه كوزير يأتي في إطار التجهيز لشيء ما يجري في الكواليس لا سيما في ظل الضغط على الرئيس عباس “بتجديد” السلطة بحيث يكون الشيخ هو الشخصية المركزية في المشهد القادم، وأنا أرجح في ظل تلك المعطيات أنه هو من سيملأ المنصب المستحدث -نائب رئيس منظمة التحرير ودولة فلسطين (في الواقع نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حيث لا يوجد رئيس للمنظمة ليكون لديه نائب، ونائب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية -لأن دولة فلسطين هي تسمية مبتكرة من الرئيس عباس للسلطة الوطنية).

من المرجح لدي أن هذه التغييرات قد جاءت نتيجة ضغط خارجي وفي سياق ترتيبات دولية وعربية قد تكون خدمة لمرحلة قادمة وفرض أمر واقع وما تخطط له الحكومة الإسرائيلية باستبدال الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية، وعدم اعتراف اسرائيل بالسلطة الفلسطينية بشكلها القائم وقد تكون مقدمة للتخلص من السلطة وانهاء دورها، وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورفضه لتولي السلطة حكم قطاع غزة. وفي هذا السياق يجب أن تفهم محاولة القيادة استدعاء المنظمة من جديد.

استدعت القيادة منظمة التحرير من جديد لأنها تدرك أهميتها لها في مواجهة تحديات الداخلية والخارجية التي تمر بها والتي تتعلق بمصير السلطة على وجه الخصوص، وللأسف وبدلاً من اتخاذ خطوات حقيقية للإصلاح والوحدة الوطنية بناء على مطالب الشعب الفلسطيني الا ان قيادة السلطة، تعمل على إعادة تدوير المناصب بنفس القيادة وذات الأشخاص، بينما ثمة شبه اجماع فلسطيني على تجديد المنظمة بأشخاص جدد وبناء هيكلي حقيقي وجذري من خلال شخصيات وطنية وشابة وتمثيل الكل الفلسطيني، خصوصاً في ظل المنعطف المصيري الذي تمر به القضية الوطنية.