دراسة حديثة: المريخ ربما كان قادراً على دعم الحياة في الماضي

كشفت بيانات من مسبار “كيوريوسيتي” (Curiosity) التابع لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا” عن وجود رواسب كربونية كبيرة في “فوهة جيل” (Gale Crater) على سطح المريخ، ما يعزز احتمالية أن الكوكب الأحمر كان قادراً في الماضي على دعم الحياة.
وقاد الدراسة الجديدة، التي نُشرت في مجلة “ساينس” (Science)، العالِم بين توتولو، الأستاذ المشارك في قسم علوم الأرض والطاقة والبيئة بجامعة “كالجاري” الكندية، وأحد العلماء المشاركين في فريق بعثة المسبار.
عثر المسبار على معدن السيديرايت “كربونات الحديد” ضمن طبقات غنية بالكبريتات في “جبل شارب” داخل الفوهة.
ويشير وجود هذه الرواسب الكربونية إلى أن الغلاف الجوي للمريخ كان يحتوي في الماضي على كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، ما سمح بوجود الماء السائل على سطح الكوكب، ومع ترقق الغلاف الجوي، تحوَّل هذا الغاز إلى صخور كربونية.
كوكب المريخ
يبدو المريخ، الكوكب الذي طالما استحوذ على خيال البشر، وكأنه يحمل في تضاريسه ذاكرة مائية باهتة وراءها لغز علمي بحجم كوكب: فأين ذهب ثاني أكسيد الكربون الذي كان يُفترض أن يحوّل المريخ إلى واحة سائلة؟
تشير الدراسات السابقة التي فحصت سطح المريخ قصصاً قديمة عن أنهار جارية، ودلتاوات ضخمة، وسهول ملساء شكّلتها مياه راكدة.
ولا يمكن لهذه السمات أن تتشكل من دون وجود الماء السائل، والماء لا يبقى سائلاً في ظل الضغط الجوي الحالي على المريخ، ولتجري المياه، يجب أن يكون الغلاف الجوي المريخي سابقاً أكثر دفئاً وكثافة.
وليصبح جو المريخ قادراً على الحفاظ على درجات حرارة أعلى، تشير النماذج المناخية إلى أنه كان بحاجة إلى غلاف جوي غني بثاني أكسيد الكربون، يتراوح من عشرات مللي بار إلى عدة بارات. وهنا تبدأ الشكوك؛ فإذا كان هناك كل ثاني أكسيد الكربون هذا، فأين ذهب؟
وقاد البحث العلماء إلى النظر في الكربونات، وهي معادن تتكوّن عادة نتيجة تفاعل الماء مع ثاني أكسيد الكربون في وجود الصخور البازلتية، وتشير الفرضية إلى أنه إذا وُجد ثاني أكسيد الكربون لا بد أن تكون الكربونات قد تشكّلت واحتفظت بجزء منه.
ونظرياً، يجب أن تكون الكربونات شائعة على سطح المريخ، إلا أن المسوحات الطيفية من المدار لم تجد سوى إشارات متفرقة لها، فهل هي نادرة؟ أم موجودة في صورة لا نستطيع رؤيتها بعد؟ أم أننا ببساطة نبحث في الأماكن الخطأ؟
وبحثت المركبة “كيوريوسيتي” في جبل شارب، داخل “فوهة جيل”، والحفر في عدة طبقات رسوبية يعود تاريخها إلى حقبة كانت فيها البحيرات تملأ الفوهة.
وفي أربع عينات، وجدت المركبة كميات من السيدرايت (FeCO₃)، وهو نوع من الكربونات غني بالحديد، نقية بشكل مذهل، كما وُجدت كبريتات مغنيسيوم (مثل الستاركايت والكيسريت)، وعناصر أخرى تدل على بيئة مائية قلوية.
هل كان المريخ صالحاً للحياة؟
ويعني وجود “السيدرايت” بوفرة نسبياً وتكوينه النقي، ترسيب كربونات من خلال تفاعلات مائية رسوبية، وليس فقط تفاعلات حرارية مائية مع صخور البازلت.
وبعبارة أوضح، في زمن ما، جرى ماء في بحيرات المريخ، تفاعل مع ثاني أكسيد الكربون ورسَّب كربونات، ولكن لا تزال الكميات أقل بكثير مما ينبغي، وفقاً لنماذج المناخ.
يرى العلماء أن ثاني أكسيد الكربون الذي كان يشكل الغلاف الجوي السميك للمريخ القديم اختفى عبر ثلاث آليات رئيسية، فربما تحوّل جزء كبير منه (ما يعادل 10 مللي بار إلى 1 بار) إلى معادن كربونية عبر التفاعلات الكيميائية بين الماء والصخور، حيث اكتشف مسبار “كيوريوسيتي” مؤخراً وجود هذه الكربونات في “فوهة جيل”.
وربما فقد المريخ كمية هائلة تصل إلى 3 بار من ثاني أكسيد الكربون إلى الفضاء الخارجي بسبب ضعف الجاذبية وانعدام المجال المغناطيسي الواقي، فيما تقول الفرضية الثالثة إن النشاط البركاني المبكر للمريخ كان مصدراً رئيسياً لثاني أكسيد الكربون (بين 0.1 إلى 10 بار)، لكنه تراجع مع الوقت.
وفي الوقت الراهن، لم يتبق سوى 6 مللي بار فقط في الغلاف الجوي المريخي الرقيق، ما يطرح تساؤلات بشأن كيفية تحوُّل الكوكب من عالم دافئ ورطب إلى صحراء جليدية قاحلة.
وتضيف هذه النتائج درجة جديدة من التعقيد إلى السؤال الذي طالما حيّر العلماء: “هل كان المريخ صالحاً للحياة في وقت من الأوقات؟”.
وأشارت الدراسة إلى أن تكوين “السيديريت” يتطلب بيئة تحتوي على ماء سائل غني بالكربونات، ما يعني ضمناً وجود غلاف جوي أكثر كثافة واحتواء على ثاني أكسيد الكربون، مقارنة بالحالة الحالية.