غزة في عزلة: انقطاع الاتصالات يعمق الأزمة الإنسانية خلال الحرب
ولم تقتصر أزمة الاتصالات على التواصل الإنساني بين الأهالي وذويهم، بل امتدت لتشكل تحديات كبيرة أمام الصحفيين في تغطية الأحداث الميدانية، والذي يتركز عملهم بالأساس على التواصل والنشر عبر الإنترنت

تعرضت شبكة الاتصالات في قطاع غزة إلى أضرار بالغة وانقطاع واسع النطاق؛ نتيجة القصف المستمر ودمار البنية التحتية. هذا الانقطاع لم يقتصر فقط على توقف خدمات الإنترنت والمكالمات الهاتفية بل أدى إلى تعطيل حيوي في الاتصال بين الأفراد والأسر، وكذلك التأثير سلباً على عمل المؤسسات الإنسانية والطبية والإعلامية.
- أزمة في التواصل و تحديات في التغطية الإعلامية:
كانت شبكة الاتصالات في غزة عرضة للتدمير بسبب الغارات الجوية والقصف المكثف على البنية التحتية، مما أدى إلى فقدان القدرة على إجراء المكالمات الهاتفية المحلية والدولية أو الاتصال بالإنترنت لفترات ممتدة في مختلف أنحاء قطاع غزة، مع استمرار هذه المشكلة في بعض المناطق إلى هذا الوقت، ما يجعل عملية التواصل بين سكان القطاع وبعضهم أو ذويهم في الخارج أمراً غاية في الصعوبة، علاوةً على صعوبة الوصول إلى الأخبار والتعرف على مستجدات ما يدور من أحداث داخلية أو في أروقة السياسة ومباحثات التوصل إلى وقف الحرب.
وتشرح هدى العكلوك، إحدى النازحات في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، لشبكة مصدر الإخبارية، معاناتها لإجراء مكالمة هاتفية للاطمئنان على إبنتها النازحة في منطقة الزوايدة، بالإشارة إلى أنها كانت تضطر في بعض الأوقات قطع مسافة كبيرة مشياً على الأقدام للوصول بنفسها إلى مكان تواجد ابنتها، دون القدرة على الاتصال بها كما جرت العادة، بسبب انقطاع تغطية شبكة الاتصال بشكل كامل.
وتضيف العكلوك، أنها كانت تضطر معظم الوقت للمجازفة والصعود على سطح المنزل وسط التحليق المكثف للطائرات المسيرة التي سرعان ما تطلق صواريخها تجاه أي هدف متحرك، كل ذلك من أجل التقاط إشارة للاتصال.
وعن إحدى هذه المرات تقول: “اضطررت الصعود إلى السطح رغم أن الطائرة كانت تحلق فوق رأسي ببضعة أمتار، كان شعور الخوف يغمرني ولكن قلقي على ابنتي ورغبتي في الاطمئنان عليها كان أقوى بعد خبر قصف المنطقة التي تنزح بها من قبل الزوارق الحربية”.
ولم تقتصر أزمة الاتصالات على التواصل الإنساني بين الأهالي وذويهم، بل امتدت لتشكل تحديات كبيرة أمام الصحفيين في تغطية الأحداث الميدانية، والذي يتركز عملهم بالأساس على التواصل والنشر عبر الإنترنت، مما أثر سلباً على عملية توثيق الانتهاكات والجرائم التي كان يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وصعب من مهمة نقل الحقيقة إلى العالم خارج حدود القطاع.
- معيقات جديدة من الاحتلال
وأكد محمد أبو شباك, مدير دائرة المتابعة والتنسيق في وزارة الاتصالات في حديث خاص لشبكة مصدر الإخبارية، أن أحد أبرز التحديات التي واجهت قطاع الاتصالات كان القطع المتعمد لخدمات الاتصالات عدة مرات ولساعات طويلة، بجانب تعرض الأبراج والمحطات الرئيسة لشركة الاتصالات للقصف المستمر والمتعمد، مما ألحق أضراراً جسيمة بالشبكة.
وذكر أبو شباك: “كان من التحديات أيضاً تجريف الطرق وقطع الكوابل الأرضية المغذية لخطوط الإنترنت، وهو ما شكل عائقاً أمام استمرار خدمات الاتصالات في القطاع”.
وتحدث عن عدم الموافقة على إدخال بعض المعدات التي كانت ضرورية لاستمرار خدمات الاتصالات في ظل الوضع لصعب، وأوضح أن قطع الكهرباء عن قطاع غزة زاد من صعوبة الامر، حيث أصبحت المولدات البديلة هي المصدر الوحيد لتشغيل أبراج الاتصالات، في ظل شح الوقود وصعوبة توفيره؛ بسبب عرقلة الاحتلال الإسرائيلي دخوله بكميات كافية.
وأشار أبو شباك إلى التحديات التي واجهتها فرق العمل أثناء محاولة إصلاح الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، مؤكداً أن التنقل بين المناطق كان صعباً بسبب المخاطر الأمنية، وتابع “كان من الصعب اصلاح الأضرار أو استبدال قطع الأبراج التي تم تدميرها في ظل ظروف محاصرة وصعوبة إدخال أي قطع غيار”.
وأضاف قائلاً: “تم التعامل مع الأضرار المتوفرة بأقل الإمكانيات المتاحة أمام شركات الاتصالات، كان هدفنا الرئيسي هو الحفاظ على التواصل حتى في أصعب الظروف”.
- خطط مستقبلية وتحديات جمة
وفيما يتعلق بالخطط المستقبلية لتحسين البنية التحتية للاتصالات، يقول أبو شباك: “إن الوزارة والشركات المعنية بالإضافة إلى بعض المؤسسات الدولية قد أعددت خططاً لتحسين البنية التحتية لقطاع الاتصالات، ولكن تنفيذ هذه الخطط ليس بالأمر السهل، بسبب استمرار القصف المتعمد من قبل الاحتلال، والذي يعطل كل الجهود المبذولة لتحسين الشبكة”.
ويضيف: “نواجه تحديات كبيرة في صيانة البنية التحتية لشبكات الاتصالات، حيث أن الشبكات عادة ما تكون في الخارج، وبعضها يقع تحت الأرض مثل الكوابل الأرضية، مما يجعل من الصعب تأمينها في ظل الحروب المستمرة”.
ويبقى قطاع الاتصالات في غزة أحد أكثر القطاعات تضرراً من الحروب المتكررة، وبالتوازي تستمر الجهود من قبل وزارة الاتصال وشركات الاتصالات بالتعاون مع المنظمات الدولية في العمل على إصلاح الأضرار ومحاولة ضمان استمرارية الخدمات، وتبقى الحاجة إلى خطوات على أرض الواقع تهدف لتحسين البنية التحتية وضمان إعادة وصل هذه الخدمة الضرورية في مختلف مناطق القطاع المدمر.