أبوظبي تتحدى هبوط سعر النفط وتواصل توسعة مشاريعها الكبرى محلياً

ضخت أبوظبي عائدات النفط خلال السنوات الأخيرة في مشاريع متنوعة شملت متاحف فخمة وأبراج مكاتب جديدة، وسط تدفق شركات مالية إلى الإمارة. ورغم التراجع الأخير في أسعار النفط، من المرجح أن يستمر هذا الزخم في المشاريع التنموية بالإمارة، حسبما أشار محمد المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة في الإمارة بمقابلة مع “بلومبرغ نيوز”.
تتزامن هذه التصريحات مع كشف الإمارة عن أحدث معالمها، وهو متحف رقمي بمساحة 17 ألف متر مربع (182 ألف قدم مربعة)، لا يبعد سوى مسافة قصيرة بالسيارة عن متحف اللوفر أبوظبي.
قال المبارك، وهو أيضاً عضو في المجلس التنفيذي للإمارة: “استثماراتنا في هذه المجالات لن تتوقف سواء بلغ سعر النفط 55 دولاراً أو 100دولار. هذا مسار سنواصل التركيز عليه باستمرار”.
وأضاف أن المدينة تستعد للإعلان قريباً عن مشروعين ثقافيين عملاقين جديدين، في إطار خططها لمزيد من التطوير.
تعد تصريحات المبارك من أوائل المواقف العلنية الصادرة عن مسؤولين في أبوظبي بشأن تعامل الإمارة مع تراجع أسعار النفط. وغالباً ما كانت دول الخليج الثرية تمثل الملاذ الاستثماري الأخير للعالم في فترات الاضطرابات الاقتصادية، ولذلك تراقب التوقعات المالية للمنطقة عن كثب على الصعيد العالمي.
تنويع اقتصاد أبوظبي
تسعى دول الخليج لتنويع اقتصاداتها لتقليل الاعتماد على النفط، إلا أن استمرار الأسعار عند نحو 65 دولاراً للبرميل أثار تساؤلات حول مدى قدرة حكومات المنطقة على الحفاظ على مستويات الإنفاق العام.
رغم ذلك، فإن أبوظبي، وهي إحدى أكبر المدن المصدرة للنفط في العالم، أقل عرضة لتقلبات الأسعار مقارنة بغيرها. فقد ذكرت وكالة “فيتش” للتصنيفات الائتمانية في العام الماضي أن سعر تعادل الميزانية في الإمارة لبرميل خام “برنت”، من دون احتساب بعض عائدات الاستثمارات، سيبلغ في المتوسط 68 دولاراً خلال عامي 2025 و2026، وهو أقل بكثير من السعر المطلوب في السعودية المجاورة.
شرعت عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة في خطة بقيمة 10 مليارات دولار لجذب المقيمين والسياح، حيث استثمرت أكثر من 15 مليار درهم (4.1 مليار دولار) في قطاع السياحة وحده خلال السنوات الخمس الماضية. ساعد ذلك على نمو القطاعات غير النفطية في المدينة بنحو 59% خلال العقد الماضي، لتشكل الآن أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي.
أوضح المبارك أن تركيز أبوظبي لا يزال منصباً على الفوائد بعيدة المدى للاستثمار في المدينة، مشيراً إلى أن التوسع في عدد الغرف الفندقية لا يزال أولوية قصوى، خصوصاً في ظل ارتفاع معدلات الإشغال إلى نحو 82% حتى الآن هذا العام. وتخطط المدينة لإضافة ما بين 15 ألفاً و20 ألف غرفة فندقية جديدة بحلول الفترة بين عامي 2030 و2032.
أبوظبي تنعش السياحة والثقافة
بفضل ما تمتلكه من صناديق ثروة سيادية ضخمة، تواصل أبوظبي تشييد مكاتب راقية ومنازل فاخرة وغرف فندقية لتلبية احتياجات عمالقة المال العالميين، من بينهم “بريفيان هاوارد لإدارة الأصول” (Brevan Howard Asset Management) و”كيركوسوالد لإدارة الأصول” (Kirkoswald Asset Management) التابعة لغريغ كوفي، وكلاهما أنشأ مقاراً له في الإمارة.
شكل قطاع السياحة والثقافة ما نسبته 9% من اقتصاد أبوظبي العام الماضي، بعد أن سجل القطاع نمواً بنسبة 22% في عام 2024. يستهدف هذا العام رفع مساهمة القطاع إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب المبارك، الذي أضاف أن القطاع سيوفر ما بين 30 ألفاً و35 ألف وظيفة جديدة خلال العام الجاري فقط.
استضافت أبوظبي حفلات موسيقية كبرى وفعاليات رياضية ضخمة، حيث قدمت فرقة “كولدبلاي” عرضاً في ملعب ممتلئ بالجمهور. كما احتضنت المدينة مباريات دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين (NBA)، حيث واجه “بوسطن سيلتيكس” فريق “دنفر ناغتس” وسط حضور جماهيري كبير في “اتحاد أرينا”. أشار المبارك إلى أن أبوظبي منفتحة على المزيد من الشراكات الرياضية المماثلة.
من المقرر أن تحتضن المدينة أكبر متحف “تيم لاب” (teamLab) في العالم، مع افتتاحه يوم الجمعة. يقع المقر الرئيسي للمتحف الأصلي في طوكيو، وتتمثل فكرته في إدخال الزوار في تجربة فنية رقمية غامرة تعتمد على المؤثرات الصوتية والروائح.
كما تستعد المدينة لافتتاح عدد من المتاحف الأخرى، من بينها “متحف غوغنهايم” الجديد. وبالنسبة إلى متحف التاريخ الطبيعي الجاري إنشاؤه بالقرب من “تيم لاب”، فضلاً عن “متحف زايد الوطني”، فمن المقرر افتتاحهما في وقت لاحق من العام الجاري.
قال المبارك إن أبوظبي لديها رؤية بعيدة المدى تستهدف تلبية احتياجات “السنوات الخمس والعشر والخمس عشرة المقبلة”.