أيتام غزة.. واقع نفسي مدمر ومستقبل مجهول في انتظارهم

سماح شاهين- مصدر الإخبارية
في لحظة باتت الطفلة ليان عبد رمضان (3 أعوام) يتيمة بعد قصف إسرائيلي مباشر لمنزلهم المكون من 3 طوابق في مخيم البريج وسط قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد والديها وشقيقها وأعمامها وأجدادها، ويتولى أجدادها من جهة الأم رعايتها.
في منتصف ليل الحادي عشر من أكتوبر 2023، استفاقت ليان وهي مصابة في ساقيها ويدها اليمنى بالإضافة إلى تعرضها لكسور وجروح في جسدها، وهي في حالة صدمة خاصة لم يكن بجانبها والديها التي اختطفت أرواحهم الحرب.
“كانت تطلب والدها ووالدتها خاصة شقيقتها لين التي كانت تلعب معها دائمًا، وأصبحت حالتها النفسية صعبة وحاولنا قدر المستطاع باحتضانها أنا وجدتها كأنها بنت من بناتي وهي من ريحة أمها بنتي سمية”، يقول جدها محمد تمراز لـ”شبكة مصدر الإخبارية“.
ويشير إلى أن تحتاج إلى عمليات جراحية في الساقين، وننتظر السماح لها بالسفر للعلاج في الخارج، مبينًّا أنها تعاني من إعاقة منذ الولادة وانكماش في أذنها اليمنى ونقص في عضلة الفك وتقوس في قدميها.
يضيف تمراز: “بعد استهداف منزلهم ركضت إليهم في الليل وسط أجواء الرعب والقصف المستمر مشيًا على الأقدام بمسافة 2 كيلو، أبلغوني أن ليان تتواجد في مستشفى شهداء الأقصى ذهبت لرؤيتها كانت وضعها يرثى له يصعب على الإنسان تحمله”.
وفي تاريخ الثاني من ديسمبر 2023، تعرض منزل جد ليان إلى القصف وتدمر بشكل كلي أدى إلى استشهاد خالها، ونزحوا إلى منزل أقاربهم، منتظرين السفر لمرافقتها في رحلة العلاج.
ويختم تمراز قوله: “ليان أصبحت تعتبرني أبوها وجدتها هي أمها، ومنسجمة مع خالاتها وخوالها وتمرح معهم، فهي أصبحت اجتماعية تتحدث وتحاول معرفة ما يحدث حولها”.
ونحو 19,000 طفل فلسطيني يعيشون بعيدًا عن والديهم، إما مع الأقارب أو مع مقدمي الرعاية، فيما تشي الأرقام المحلية عمّا بين 15,000 إلى 19,000 طفل فقدوا والديهم، ويواجهون مخاطر كبيرة مثل الاستغلال أو الاعتداء، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
والمعاناة لا تقتصر على فقدان الأسرة والمأوى، بل تمتد إلى أزمات نفسية واجتماعية حادة؛ إذ يعانون من اضطرابات نفسية عميقة، مثل الاكتئاب والعزلة والخوف المزمن، في غياب الأمان والتوجيه السليم، إضافة إلى ضعف التعلم والتطور الاجتماعي، ليجدوا أنفسهم فريسة لعمالة الأطفال، أو الاستغلال في بيئة قاسية لا ترحم.
الأطفال محمد ومريم وسارة كريم، تتراوح أعمارهم ما بين العامين والعشرة أعوام، فقدوا والدتهم بعد أن استهدفت طائرات الاحتلال منزلهم في جباليا شمال قطاع غزة، أصيب والدهم لا يستطع الحركة لإعالتهم.
قررت شقيقة والدتهم أمل رعاية الأطفال مع طفلها، تقول: “الوضع النفسي لأولاد أختي صعب جدًا يفتقدون والدتهم ويطلبون الذهاب إليها رافضين خبر استشهادها، وأحاول قدر الإمكان احتضنهم وأبكي معهم”.
تضيف أمل لـ”شبكة مصدر الإخبارية”: “عاجزة جدًا عن تعويض أولاد أختي أنا أيضًا أريد أختي وبحاول أكون قوية لأجلهم، ووالدهم أيضًا يتألم بعد رؤية أبنائه الذين يكررون السؤال دائمًا له عن والدتهم”.
تغيرت تصرفات سارة (5 أعوام) فباتت تحب أن تجلس وحيدة تبكي على فراق والدتها، تردد دائمًا: “من سيحضني ويلاعبني، بجانب من سأنام، أريد أن أموت لأكون بجانب والدتي”.
وتشير إلى أنّ بعد عودة الحرب زادت حالتهم نفسيًا سوءًا خائفين من الفقدان مرة أخرى، فالاكتئاب والحزن أصبحان رفيق لهما، ولم أستطع إخراجهم من المنزل للترفيه عنهم خشيًة من القصف الإسرائيلي المستمر.
وتؤكّد أن جميع أطفال غزة بحاجة لعلاج نفسي بأي طريقة خاصة الذين فقدوا والديهم بفعل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، لافتًة إلى أنّ الأطفال سلوكهم تغير فقد أصبحوا عدوانيين ويتصرفون بعصبية وعناد.
ويشهد قطاع غزة أكبر أزمة يًتم في التاريخ الحديث، حيث إن هناك 39 ألف يتيم في القطاع غزة، وأن الأطفال يشكلون 43% من عدد سكان فلسطين، وفقًا لمركز الإحصاء الفلسطيني.
كشفت التقديرات عن أن 39,384 طفلاً في قطاع غزة فقدوا أحد والديهم أو كليهما بعد 534 يوماً من العدوان الإسرائيلي، بينهم حوالي 17,000 طفل حرموا من كلا الوالدين، ليجدوا أنفسهم في مواجهة قاسية مع الحياة دون سند أو رعاية. يعيش هؤلاء الأطفال في ظروف مأساوية، حيث اضطر الكثير منهم للجوء إلى خيام ممزقة أو منازل مهدمة، في ظل غياب شبه تام للرعاية الاجتماعية والدعم النفسي.
وبينت وزارة الصحة الفلسطينية، أن نحو 36,569 طفلًا فقدوا أحد والديهم، بينما بلغ عدد الأطفال الذين فقدوا كلا الوالدين حوالي 1,918 طفلًا، وهو ما يعكس حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء الأطفال الذين فقدوا الأمان والعائلة في ظل الظروف القاسية.