تقرير: جنود الاحتلال يرتكبون “الفظائع” بحق أسرى غزة
وقد اطلعت صحيفة "الإندبندنت" على تقارير متعددة عن تشريح الجثث التي كتبها أطباء إسرائيليون لعائلات الفلسطينيين الذين قتلوا أثناء الاحتجاز. وتتضمن التقارير تفاصيل حول مدى الإصابات التي تعرض لها.

كشف تقرير صحفي، نُشر في صحيفة “الإندبندنت“، عن فظائع ارتكبها جنود الجيش الإسرائيلي، في المعتقلات الإسرائيلية، بالأخص ضد أسرى قطاع غزة.
وافتتح التقرير في قصة أسير فلسطيني “وجد نفسه مقيد اليدين ومرتجفًا على أرضية زنزانة في قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل، محاطًا بخمسة جنود”. مشيرًا إلى “خمسة جنود احتياطيين مسلحين بكلابهم قاموا بركل الرجل وضربه بينما كان ملقى على الأرض.
واستمرت القصة: “استمروا في الاعتداء عليه، حيث اتُهموا بالاعتداء عليه بمسدسات الصعق الكهربائي وأشياء حادة، والاعتداء عليه جنسيًا باستخدام هذه الأدوات. وفي إحدى المرات، أشير إلى أن الجنود طعنوه طعناتٍ قويةً لدرجة أنهم اخترقوا أردافه وشرجه. وأدى هذا الاعتداء الوحشي إلى نقل الرجل إلى المستشفى مصابًا بثقب في الرئة وكسور في الأضلاع وتمزق في المستقيم، ما استدعى إجراء عملية جراحية لفتحة في المستقيم”.
وقال التقرير: “هذه الرواية المصورة لا تأتي من الضحية بل من لائحة الاتهام التي قدمها الجيش الإسرائيلي ضد جنوده”، والتي اطلعت عليها صحيفة الإندبندنت.
وذكر التقرير، أن “هذه واحدة من قصص عديدة عن تعذيب المعتقلين الفلسطينيين في إسرائيل”. وفي وقت سابق من هذا الشهر، اتهمت الأمم المتحدة القوات الإسرائيلية باستخدام العنف الجنسي “كأسلوب حرب”.
وقال التقرير إن “العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الاغتصاب والعنف والضرب على الأعضاء التناسلية، ارتُكب إما بأوامر صريحة أو بتشجيع ضمني من القيادة المدنية والعسكرية الإسرائيلية العليا”.
وقد جمعت صحيفة “الإندبندنت” لوائح الاتهام وتقارير التشريح وشهادات القسم من الأشخاص الذين تم القبض عليهم. ويتحدث المعتقلون عن الوحشية ويشيرون إلى تعرضهم لأشكال من التعذيب، بما في ذلك الاعتداء العنيف والحرمان من النوم والعنف الجنسي وعدم القدرة على الحصول على الرعاية الطبية.
وكشف تقرير تشريح جثة رجل استشهد أثناء الاعتقال عن استخدام مفرط للقيود وأدلة على الاعتداء العنيف، مما أدى في النهاية إلى نزيف في المخ.
وبحسب لائحة الاتهام الموجهة للجنود الخمسة، فقد وجهت إليهم جميعًا تهم التسبب في إصابات بالغة وإساءة معاملة في ظل ظروف مشددة.
وقد اطلعت صحيفة “الإندبندنت” على تقارير متعددة عن تشريح الجثث التي كتبها أطباء إسرائيليون لعائلات الفلسطينيين الذين قتلوا أثناء الاحتجاز. وتتضمن التقارير تفاصيل حول مدى الإصابات التي تعرض لها.
“شوهدت كدمات على الصدر الأيسر، مع كسر في الأضلاع وعظام الصدر أسفلها”، هذا ما جاء في تقرير عن فلسطيني محتجز في سجن مجدو، شمال إسرائيل، والذي استشهد في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2023. وتابع التقرير: “كما شوهدت كدمات خارجية في منطقة الظهر والأرداف والذراع الأيسر والفخذ والجانب الأيمن من الرأس والرقبة”.
وفي حالة أخرى، كان رجل يبلغ من العمر 45 عامًا، استشهد في كانون الأول/ديسمبر 2024 أثناء احتجازه في سجن كيشون في شمال إسرائيل، يحمل “علامات متعددة على الاعتداء الجسدي والاستخدام المفرط للقيود، مما تسبب على الأرجح في نزيف مؤلم داخل الجمجمة”. وذكر التقرير أن ساقه اليمنى كانت متورمة، وأن معصميه وكاحليه كانا يحملان علامات قيود مشددة.
وقال أحد الأطباء الإسرائيليين الذي أشرف على تشريح العديد من جثث المعتقلين نيابة عن عائلاتهم: “إن حقيقة أننا نرى بعض علامات الإساءة تعني أن هذا ربما يكون مجرد غيض من فيض”.
ورفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، لكنه وصف حضوره تشريح جثة رجل في الثلاثينيات من عمره استشهاد أثناء اعتقاله في الضفة الغربية في تشرين الأول/أكتوبر 2023. مشيرًا إلى أنه “كان يعاني من كسر في الأضلاع وتمزق في الطحال”، قائلًا: “مما يشير إلى تعرضه لصدمة قوية”.
في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، أشرف الطبيب نفسه على تشريح جثة شاب آخر، من طولكرم بالضفة الغربية، استشهد بعد ستة أيام من التحقيق. وظهرت على جثته، مجددًا، آثار عنف وإصابات متعددة، وفقًا للتقرير.
وتركز معظم الانتهاكات في مركزين للاحتجاز: منشأة عسكرية جديدة داخل سجن عوفر في الضفة الغربية المحتلة، وقاعدة سديه تيمان العسكرية.
وأدلى حارس إسرائيلي في سديه تيمان بشهادة مجهولة تم تسريبها إلى صحيفة “الإندبندنت” البريطانية حول الضغوط لاستخدام العنف تجاه الفلسطينيين.
وفي وصفه لأول مرة التقى فيها هو والعديد من الجنود الآخرين بشخص من غزة، يقول إن ذلك تجلى في “موقف مفاده نعم، إنهم بحاجة إلى الضرب، ويجب أن يتم ذلك'”. وأضاف “بدأنا نبحث عن فرص للقيام بذلك”.
يقول الحارس إنه عندما تحدث ضد ضرب سجين فلسطيني أثناء التحقيق، قال له جندي زميل: “اصمت أيها اليساري، هؤلاء غزيون، هؤلاء إرهابيون، ما بك؟”، وفق تعبيره. ويقول: “كبّلنا أيديهم بالسياج فوق رؤوسهم حتى لا يتمكنوا من فكّها. كان من الواضح أن الجنود كانوا يتطلعون بشدة إلى القيام بهذه الأفعال. عاقبناهم، نعم. صرخنا عليهم أيضًا”.
وفي سديه تيمان، يصف المعتقلون الفلسطينيون جنود الاحتلال الإسرائيلي وهم يعزفون موسيقى صاخبة لا تنتهي في غرفة احتجاز خاصة يطلق عليها اسم “الديسكو”.
ويقول محمد ر، 38 عامًا، الذي اعتقل عند نقطة تفتيش في شمال غزة بينما كانت عائلته تفر جنوبًا في تشرين الأول/أكتوبر، وتم نقله إلى سديه تيمان قبل أن يقضي 40 يومًا في عوفر: “الموسيقى الترانس تهدف إلى إضعافك نفسيًا قبل التحقيق”.
وأحمد أ. (59 عامًا)، وهو مهندس اعتقل في خانيونس في شباط/فبراير، واقتيد إلى سديه تيمان وأُفرج عنه بعد شهر، ويؤكد أنه ترك في غرفة بها موسيقى صاخبة لمدة ليلتين ونصف. ويقول: “كان عليك الاستلقاء على الأرض. لم يكن يُسمح لك بالوقوف أو الذهاب إلى الحمام، وكان بعض الأشخاص يتبولون على أنفسهم”.
ويقول مصطفى ح، 41 عامًا، الذي احتُجز في سديه تيمان بعد اعتقاله عند حاجز في تشرين الأول/أكتوبر أثناء فراره جنوبًا: “كل متر تتحركه، يضربونك ويهينونك ويستخدمون الكلاب والغاز المسيل للدموع والصدمات الكهربائية”.
وأخيرًا تم إطلاق سراحه، لكنه لا يعلم شيئًا عن مصير أحد إخوته المعتقلين أيضًا: “فقد بعض الأشخاص سمعهم بسبب خروج الدم من آذانهم بسبب الصدمات الكهربائية”.
وومن بين مجالات الانتهاكات المخاوف بشأن حجب الرعاية الطبية عن المعتقلين.
وأظهر تقرير الطب الشرعي لعائلة الشهيد محمد الصبار، الذي توفي في سجن عوفر في شباط/فبراير من العام الماضي، أن أمعاءه كادت أن تنفجر.
وكان الشاب البالغ من العمر عشرين عامًا مصابًا بمرض هيرشسبرونغ، وهو خلل في وظيفة الأمعاء الغليظة بسبب خلل في وظائف الأعصاب. ويتطلب هذا المرض نظامًا غذائيًا محددًا للغاية، وحقنًا شرجية، وأدوية.
وقد تم رفض طلبه، بحسب التقرير، وفي النهاية، تضخمت الأمعاء إلى درجة أنها ضغطت على أعضاء المعدة الأخرى، مما أدى إلى إتلاف وظائف الكلى والرئتين وتوقف تدفق الدم. و”أظهر التصوير المقطعي المحوسب للمعدة بوضوح وجود أمعاء كبيرة ضخمة (15 سم) مليئة بالبراز … مع علامات نخر”، كما جاء في الوثيقة.
وخلصت اللجنة إلى أن استشهاده كان من الممكن “منعه لو تم إيلاء اهتمام خاص لاحتياجاته الطبية، ولو حصل على مساعدة طبية عاجلة عند ظهور الأعراض المبكرة”.
ومن بين الأسرى عدد كبير من العاملين في مجال الرعاية الصحية في غزة، بما في ذلك الأطباء والممرضات والمسعفون.
وتقول منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل إن 250 من العاملين في مجال الرعاية الصحية اعتقلوا، فيما لا يزال أكثر من 180 طبيبًا خلف القضبان.
ومن أبرز الشهداء الدكتور عدنان البرش (50 عامًا)، وهو جراح فلسطيني مشهور، استشهد في سجن عوفر في نيسان/أبريل الماضي.
وهناك أيضًا الدكتور إياد الرنتيسي، رئيس قسم النساء والتوليد في مستشفى كمال عدوان شمال غزة، الذي استشهد في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ولم يعلن عن استشهاده إلّا في صحيفة “هآرتس” إسرائيلية، في حزيران/يونيو 2024.
وقال ناجي عباس، مدير قسم الأسرى في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، إن نحو 70 معتقلًا لقوا حتفهم في مراكز الاحتجاز منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ويقول: “منذ عام 1967، توفي ما يقرب من 200 شخص أثناء الاحتجاز. في عام واحد، نتحدث عن أكثر من 70 حالة وفاة نعرفها”. من بينهم، وفقًا لمنظمات حقوقية فلسطينية، طفل يبلغ من العمر 17 عامًا استشهد في سجن مجدو هذا الأسبوع.
وبشكل غير معتاد، أكدت السلطات الإسرائيلية استشهاد الدكتور البرش، وقالت إنه كان معتقلًا في عوفر لأسباب تتعلق بـ”الأمن القومي”، وأن التحقيق جارٍ.
وتقول أرملته ياسمين إنها جمعت معلومات عن زوجها من المعتقلين المفرج عنهم الذين كانوا معه في الزنزانة: “قبل اعتقال [عدنان]، كان وزنه 90 كيلوغرامًا، لكن وزنه انخفض بشكل كبير إلى حوالي 55 كيلوغرامًا. ولم يتلقَّ سوى القليل من الطعام، بالكاد يكفيه للبقاء على قيد الحياة. وورد أنه كان مقيد اليدين، جالسًا في وضعية القرفصاء ورأسه على ركبتيه.
وتقول جيسيكا مونتيل، من مؤسسة هموكيد الإسرائيلية، التي تقدم المساعدة القانونية المجانية للفلسطينيين، إن ما لا يقل عن 5000 فلسطيني محتجزون رهن الاعتقال الإداري أو بموجب “قانون المقاتلين غير الشرعيين”. وهذا يعني أنه يمكن احتجازهم إلى أجل غير مسمى، دون توجيه تهمة إليهم أو محاكمة أو حتى الوصول إلى التهم أو الأدلة الموجهة إليهم.
وقالت جنى أبو حسنة، من مؤسسة الضمير الفلسطينية لحقوق الإنسان التي تراقب معاملة المعتقلين، إن السجناء الفلسطينيين وجدوا أنفسهم يمثلون أمام المحكمة عبر مكالمة فيديو، مع قاضٍ وبدون تمثيل قانوني.
وقالت: “وصف أطفال تصل أعمارهم إلى 15 عامًا مشاركتهم في مكالمات الفيديو هذه دون وجود محامٍ”، وهو ما يعكس الشهادات التي جمعتها صحيفة “ذا إندبندنت ” لثلاثة معتقلين في سجن سديه تيمان وعوفر والذين وصفوا المحاكمة عبر مكالمة زووم.
وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها لم تحصل على حق الوصول إلى المعتقلين الفلسطينيين منذ بداية الحرب، وهو أمر غير مسبوق. وأضاف المتحدث باسم المنظمة: “هذه هي أطول فترة نبقى فيها بدون إمكانية الوصول إلى مراكز الاحتجاز الإسرائيلية منذ عقود”.