ترامب يتجه نحو فرض “الصمت” على إذاعة “صوت أمريكا” في مبادرة قد تخدم الصين وروسيا
يريح هذا القرار الذي يستهدف وسائل الإعلامية يعتبرها معسكر ترامب معقلا لليساريين الراديكاليين، للأنظمة الاستبدادية.

قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قطع التمويل عن الوكالة الإعلامية الحكومية “صوت أمريكا” وراديو أوروبا الحرة/راديو الحرية. وهو قرار قد يعود بالنفع على الأنظمة الاستبدادية مثل روسيا والصين باعتبار أن هذه الشبكة الإعلامية الواسعة جزء أساسي من القوة الناعمة الأمريكية لنشر “القيم الديمقراطية”.
أدخلت المبادرة التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمعة 14 مارس/آذار والمتعلقة بقطع التمويل عن الإذاعات الدولية الأمريكية “صوت أمريكا” (VOA) و “راديو أوروبا الحرة” /راديو الحرية (RFE/RL) مع وضع آلاف الصحافيين العاملين في هذه الوسائل الإعلامية في “إجازة غير محددة” ارتياحا كبيرا في بكين وموسكو وطهران.
يريح هذا القرار الذي يستهدف وسائل الإعلامية يعتبرها معسكر ترامب معقلا لليساريين الراديكاليين، للأنظمة الاستبدادية.
وذكرت “موسكو تايمز”، الصحيفة الروسية المستقلة الناطقة بالإنجليزية في 18 مارس/آذار أن “الكرملين نشر بيانا يقلل فيه من أهمية هذا القرار، لكن في الكواليس تشير مصادر اتصلنا بها إلى أنه أدخل الراحة على السلطات الروسية”.
من جهتها، لم تُخفِ وسائل الإعلام الحكومية الصينية رضاها. ففي مقال نُشر في جريدة “غلوبال تايمز” في 17 مارس/آذار، وصفت صوت أمريكا بأنها “مصنع أكاذيب”، وأشارت إلى “سجلها المزري في تغطية الأخبار المتعلقة بالصين”.
أما في إيران، فقد رحبت بعض وسائل الإعلام بـ “نهاية إهدار الأموال” التي تنفق على رواتب صحافيين “متورطين في الفساد” ومتهمين بالسعي لزعزعة استقرار النظام في هذه البلاد.
وسائل إعلامية تعكس الالتزام الأمريكي بالقيم الديمقراطية
ويرى مارتن سكوت، المتخصص في مجال الإعلام بجامعة إيست أنغليا ببريطانيا، أن تعليق صوت أمريكا وراديو أوروبا الحرة/راديو الحرية “لا يمثل فقط إسكات صوت واحد في المشهد الإعلامي. فهذه الإذاعات وسائل كانت تعكس طريقة التزام الولايات المتحدة بالقيم الديمقراطية وحرية التعبير على الساحة الدولية”.
من جهته، يذكر جاك تومسون، الباحث في تاريخ السياسة الخارجية بالشمال الأمريكي في جامعة أمستردام، بأن “صوت أمريكا كانت جزءا من القوة الناعمة الأمريكية ومن الأدوات الدبلوماسية التي استخدمتها الولايات المتحدة دون انقطاع منذ الحرب العالمية الثانية”.
حوالي 420 مليون مستمع في أكثر من 100 دولة
ومع تعليق عمل صوت أمريكا وراديو أوروبا الحرة/راديو الحرية، سيُحرم حوالي 420 مليون مستمع في أكثر من 100 دولة من مصدر إعلامي مستقل ومتعدد اللغات. بينما ستستفيد الأنظمة الاستبدادية في روسيا والصين من تراجع هذه المنصات، إذ سيتجه سكان هذه البلدان نحو وسائل الإعلام غير محايدة.
بحسب موسكو تايمز، برامج صوت أمريكا كانت قد تسببت في إحراج السلطات الروسية عبر توفير تغطية مستقلة عن القضايا في أوكرانيا.
وفي الصين، كانت تقارير وسائل الإعلام الأمريكية عن الأقليات العرقية مثل الأويغور في غرب البلاد، بالإضافة إلى المواضيع الحساسة على غرار تلك المتعلقة ببحر الصين الجنوبي، من أكثر الأمور التي تزعج الحكومة الصينية.
نحو توسع تأثير الأنظمة الاستبدادية في المشهد الإعلامي الدولي
القرار يفتح المجال أمام وسائل الإعلام الروسية والصينية لتوسيع نفوذها الإعلامي في العديد من الدول إذ كانت إذاعة صوت أمريكا تعتبر من المصادر الأكثر مصداقية.
وبحسب معهد لووي، وهو مركز فكر مستقل فإن صوت أمريكا كانت تعتبر في العديد من دول آسيا أكثر مصداقية من سبوتنيك الروسية والموالية لبوتين، وهو ما سيجعل الكثير من المستمعين الذين لا يعرفون خلفيات هذه الأمور ينتقلون دون تساءلات من صوت أمريكا إلى سبوتنيك.
ما الذي يخبئه ترامب لهذه الوسائل؟
في نهاية المطاف، يبقى السؤال حول ما ستفعله إدارة ترامب بمستقبل صوت أمريكا وراديو أوروبا الحرة/راديو الحرية.. فهل ستقوم بتصفيتهما بشكل نهائي، أم ستبحث عن طرق أخرى لإعادة تشكيلهما بما يتماشى مع أجندتها السياسية؟
هذا، ويعود تأسيس إذاعة صوت أمريكا إلى عام 1942. تم التوقيع على ميثاقها النهائي عام 1976 من قبل الرئيس الأمريكي جيرالد فورد.
ويُلخِّص هذا الميثاق مهمَّة الإذاعة ألا وهي: “بث أخبار ومعلومات دقيقة ومتوازنة وشاملة للعموم داخل وخارج أمريكا”.
يقع مقر صوت أمريكا في العاصمة واشنطن وتشرف عليها الوكالة الأمريكية لوسائل الإعلام العالمية. وهي هيئة مستقلة تابعة للحكومة الأمريكية وممولة من قبل الكونغرس في سياق ميزانية السفارات والقنصليات.
فيما يعتبر بعض الناقدين لهذه الإذاعة أنها تمارس شكلا من أشكال الدعاية السياسية. الأمر الذي أدى إلى أن تصنفها وزارة العدل الروسيَة في 2017 كوكالة أجنبية ردا على تصرف مماثل من قبل وزارة العدل الأمريكية بحق تلفزيون روسيا اليوم.