وثائق السنوار تكشف: خطة مفصلة لتدمير إسرائيل، وموافقة من نصر الله

رسائل سرية من قادة حماس الذين تم العثور عليهم في قطاع غزة تكشف أن حماس قررت بعد عملية "حارس الأسوار" أن تدمير إسرائيل كان هدفًا يمكن تحقيقه في المستقبل القريب • طلب السنوار من إيران 500 مليون دولار "لاقتلاع الكيان الوهمي" • كان من المفترض أن ينضم مقاتلون من الأردن وسوريا إلى الهجوم • مركز معلومات الاستخبارات والإرهاب: الضربة التي تلقتها حماس أعاقت "خطة الإبادة"

متابعات – مصدر الإخبارية

تكشف دراسة جديدة أجراها مركز معلومات الاستخبارات والإرهاب، الذي يحمل اسم اللواء مائير عميت، عن التحول الذي حدث في التصور الاستراتيجي لحماس في السنوات التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. تستند الدراسة، التي أعدها الدكتور أوري روست، الباحث والمحاضر في كلية سابير، إلى وثائق عديدة صودرت في غزة خلال القتال، وتُظهر كيف انتقل مفهوم حركة حماس “لتدمير إسرائيل” من رؤية دينية بعيدة إلى خطة عمل عملية. تكشف الوثائق عن مراسلات داخلية ورسائل بين السنوار ومسؤولين كبار في إيران وحزب الله، تفيد بأن “إسرائيل أصبحت أكثر ضعفًا من ذي قبل” و”المقاومة أصبحت أقوى”.

فلسطين بعد التحرير: التحول المعرفي بعد عام ٢٠٢١

وبحسب الدراسة، فإن حماس كانت تدرك، حتى عملية “حارس الأسوار” (أيار/مايو 2021)، حدودها العسكرية والسياسية، ولذلك ظلت مسألة “تدمير إسرائيل” مجرد رؤية للمستقبل البعيد. كان المبدأ التوجيهي لحماس هو “لا خسارة تعني النصر” – التركيز على البقاء مع التسبب في أضرار محدودة لإسرائيل.

جاء في كتاب أصدره الجناح العسكري لحماس بعد العملية: “أصبح إخضاع العدو كالرماية أو ما يشبهها. وضعت المقاومة وقيادتها السياسية والعسكرية خطة شاملة لنظام “ضمان المرة الثانية”. في مؤتمر عُقد في سبتمبر/أيلول 2021 برعاية السنوار في غزة، بعنوان “وعد آخر الزمان – فلسطين بعد التحرير”، قال زعيم حماس: “نحن نتقدم نحو نصر استراتيجي هائل ستكون له تداعيات وتأثيرات استراتيجية على مستقبل المنطقة والأمة (الإسلامية) والعالم أجمع… نحن نرى التحرير بأم أعيننا، ولذلك نستعد لما بعده”.

قريبًا من تحقيق الوعد الإلهي”: الوثائق التي عُثر عليها في غزة

من أهم الوثائق، رسالةٌ بعث بها يحيى السنوار ومحمد ضيف ومروان عيسى في يونيو/حزيران 2021 إلى قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، تنص صراحةً على: “هذا الكيان الوهمي أضعف مما يظن الناس. بعون الله، وبعونكم، وبدعم شعبنا، قادرون على اقتلاعه وإزالته، وفي القريب العاجل… نحن على ثقة بالله أننا قريبون من تحقيق الوعد الإلهي”.

وفي هذه الوثيقة طلب قادة حماس من إيران مبلغ 500 مليون دولار على مدى عامين لتحقيق هدفهم. “ولكي نحقق هذه الأهداف العظيمة التي سنغير بها وجه الكون، بعون الله، فإننا في حاجة ماسة إلى مساعدة مالية بمبلغ 20 مليون دولار شهرياً لمدة عامين، أي ما يعادل 500 مليون دولار في عامين”، كما كتبوا.

وفي يناير/كانون الثاني 2019، أعد مكتب السنوار وثيقة تناولت العلاقات بين حماس وإيران، وحددت مصالح كل طرف والمصالح المشتركة. القسم الوحيد الذي تم تسليط الضوء عليه في الوثيقة، تحت بند “ماذا نريد منهم؟”، ينص على: “التوصل إلى اتفاقية دفاع مشترك تشمل فيلق القدس وحزب الله وحماس للتحضير لحرب تحرير القدس وتفعيل كل الجبهات ضد العدو المشترك إسرائيل، وإعداد خطة عملية يتم تنفيذها في الهجوم على العدو من كل الجبهات”.

ومن الوثائق المثيرة للاهتمام التي تم الكشف عنها رسالة أرسلها السنوار إلى سعيد إيزادي، رئيس فرع فلسطين في فيلق القدس، في يوليو/تموز 2021. وكتب زعيم حماس في غزة أن قوات “المقاومة” تواجه “نصرا استراتيجيا هائلا سيكون له تداعيات وتأثيرات استراتيجية على مستقبل المنطقة والأمة (الإسلامية) والعالم أجمع”. وأضاف أنهم على وشك تحقيق هذا النصر وتحقيق “وعد المرة الثانية”. وأشارت الدراسة إلى أن معنى هذا المصطلح يكمن في تفسير الآيات القرآنية التي تفيد أن جمع اليهود في الأرض للمرة الثانية وما سيسببونه من دمار سوف يؤدي إلى “تحقق وعد الله بالقضاء عليهم”.

خطة السنوار: ثلاثة سيناريوهات هجومية

في رسالة كتبها السنوار في يونيو/حزيران 2022 إلى إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ظهرت ثلاثة سيناريوهات لهجوم على إسرائيل:

السيناريو الأول (المفضل)

  • هجوم واسع النطاق تشارك فيه كل عناصر “محور المقاومة” (باستثناء إيران) بمهاجمة إسرائيل بهدف “إسقاط الدولة المحتلة وإنهاء وجودها”.
  • وبحسب السنوار، فإن حزب الله وافق على تخصيص ثلث قدراته لهذا الهجوم.
  • وبحسب الوثيقة، فإن توقيت الهجوم يجب أن يرتبط بأحد الأعياد اليهودية، ويفضل أن يكون عيد الفصح، لأنه خلال هذه الأعياد “يزيد اليهود من اقتحاماتهم للأقصى واعتداءاتهم وصلواتهم”.

 السيناريو الثاني (النظام الوسيط)

  • وتقود حماس الهجوم، ويشارك حزب الله بشكل جزئي إلى جانب قوى أخرى.
  • وبحسب هذا السيناريو فإن إسرائيل سوف تعاني من أضرار كبيرة، وسوف يرغب العديد من مواطنيها بالهجرة، وسوف يتحقق “تحرير الضفة الغربية والأسرى”.
  • وأشار السنوار إلى أن “هذا من شأنه أيضا أن يؤسس للقضاء النهائي على إسرائيل في المستقبل”.

السيناريو الثالث (الأدنى)

  • حزب الله ليس شريكا مباشرا، والعبء الرئيسي يقع على عاتق حماس.
  • وسوف تنضم إليها قوات من “محور المقاومة” والفدائيون من الأردن وسوريا.
  • وبحسب الوثيقة فإن “هذا هو السيناريو الأدنى الذي يمكن لحماس القبول به”، ولا يحتاج إلى موافقة الزعيم الإيراني، بل فقط موافقة نصر الله وحزب الله.
  • “هذا سيناريو الضرورة، حيث ندخل بكل قوتنا ونفجر الوضع في الضفة الغربية وداخلها (داخل حدود الخط الأخضر)”، كما كتب زعيم حماس.

وبالإضافة إلى ذلك، أشارت الوثيقة إلى الحاجة الملحة إلى إنشاء “قوة عسكرية من أعضاء حماس” في لبنان، تتألف من نحو 250 مقاتلاً، والتي يمكن أن تستخدم البنية التحتية العملياتية لحزب الله لشن غارة من لبنان إلى داخل الأراضي الإسرائيلية. والقوة مطلوبة في حال تحقق السيناريو الثالث، وربما أيضاً في حال تحقق السيناريو الثاني. وأكد السنوار أن القضية “لا تحتمل التأخير أو التردد أو التسويف”، وطلب من هنية سرعة التنسيق لزيارة طهران لأن “التعامل مع هذا الملف الكبير لا يمكن أن يتم في لبنان وحده نظراً لأهمية الموضوع”.

نصرالله وافق على الخطة

وبعد أسبوعين، في الأول من يوليو/تموز 2022، أبلغ هنية السنوار عن اجتماع سري نظمه سعيد إيزادي (رئيس فرع فلسطين في فيلق القدس) مع نصر الله، حيث تم عرض سيناريوهات الحملة ضد إسرائيل. وبحسب هنية، أعرب نصر الله عن دعمه الصريح للسيناريو الأول -وهو السيناريو الأكثر شمولاً- مشيراً إلى أنه خطة واقعية وقابلة للتنفيذ. وخلص هنية في رسالته إلى أن السيناريو الأول، الذي يقضي بمهاجمة إسرائيل من قبل كافة مكونات “محور المقاومة”، تم الاتفاق عليه من قبل اللاعبين الرئيسيين ـ إيران وحزب الله ـ وأن المسألة سوف تعرض على المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

الخطاب المتزايد حول “نهاية إسرائيل”

في يناير/كانون الثاني 2023، تحدث هنية أمام المكتب السياسي لحماس في الدوحة، حيث وصف الحكومة اليمينية في إسرائيل بأنها “خطيرة” وقدر أن الصراع يقترب من “نقطة الانفجار”. وفي إشارة إلى الأزمة الداخلية في إسرائيل، قال أن “هذه الحكومة بقدر ما تشكل تهديداً للشعب الفلسطيني، تحمل بذور الانفجار الداخلي للكيان، والتصريحات المتناقضة والمتناقضة التي نراها ونسمعها والمظاهرات تشير إلى أن الكيان في وضع داخلي غير مسبوق”.

وبعد أشهر قليلة، في إبريل/نيسان 2023، تفاخر السنوار في حديث مع محمد نصر (أبو عمر) بأن “الإخوة في غزة لديهم القدرة على تغيير وجه الشرق الأوسط”، مشيراً إلى أن نظام “حارس الأسوار” كان “نزهة” مقارنة بما هو مخطط له في المستقبل. وأضاف أن الهجوم المستقبلي سيكون “قويا لدرجة أنه سيمزق العدو إرباً”، وأن “نظام رمضان يعني انفجاراً شاملاً وسقوط الأنظمة وضربة للاحتلال”.

دعم إيران لـ”إزالة إسرائيل عن الخارطة

وخلال زيارة وفد حماس إلى إيران في يونيو/حزيران 2023، برئاسة هنية والعاروري، تم التعبير عن هذه الخطط بشكل أكبر. وبحسب وثيقة صادرة عن دائرة العلاقات العربية والإسلامية في حماس بتاريخ 6 يوليو/تموز 2023، أي قبل ثلاثة أشهر فقط من الهجوم المفاجئ، أكد هنية للمضيفين أن قطاع غزة هو “قاعدة المقاومة” وأن حماس مستعدة للمعركة الجديدة ضد إسرائيل.

وبحسب الوثيقة، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال الاجتماع أن “المقاومة أصبحت أقوى من أي وقت مضى، في حين أصبحت إسرائيل أضعف من أي وقت مضى”. وذهب قائد الحرس الثوري حسن سلامي إلى أبعد من ذلك وأشار إلى أن الإيرانيين يرون “مؤشرات وإمكانية إزالة إسرائيل من الخارطة”، وزعم أن قدرات المقاومة “تتزايد بشكل من شأنه أن يدفع إسرائيل تدريجيا إلى الزاوية”.

وتقدر الدراسة أن “الضربة القاسية التي تلقتها حماس ومعظم عناصر “محور المقاومة” من المتوقع أن تدفع “خطة الإبادة” الإسرائيلية إلى الوراء وتعيدها إلى مستوى الرؤية”. لكن التقرير يحذر من أنه “على المدى الطويل، إذا تمكنت حماس من التعافي وحصلت على مساعدة من إيران، فلا يمكن استبعاد أن تعود الحركة إلى فكرة “تدمير إسرائيل” كخطة قابلة للتنفيذ، من وجهة نظرها”.