إعادة إعمار قطاع غزة: التحدي الأصعب والمتطلبات المفقودة
وتشير التقديرات الأولية إلى وجود أكثر من 50 مليون طن من الركام الناتج عن تدمير الوحدات السكنية والمنشآت المختلفة

حربٌ مُدمِرة طويلة الأمد، خلفت جراحاً غائرة وخراباً هائلاً طال البشر والشجر والحجر، ونسفت ما كان من بنية تحتية فقيرة تهالكت بفعل الحصار والضغط السكاني الكبير، ليتحول بعدها قطاع غزة إلى منطقة منكوبة، تركتها آلة الدمار الإسرائيلية أثراً على عين، تخلو من جميع مظاهر الحياة الآدمية، وتصبح معها الحاجة إلى إعادة الإعمار ضرورة إنسانية، يبث من خلالها الأمل في نفوسٍ مكتوية بالويلات، ولا تتطلع إلا إلى عيشٍ كريمٍ على أرضها بسلامٍ واستقرار.
وعن هذا الحلم المنشود، أشار المسؤول عن ملف الإعمار بقطاع غزة، محمد عبود لـ شبكة مصدر الإخبارية، على أن عملية الإعمار بقطاع غزة تمر بعدة مراحل، أبرزها مرحلة الإنعاش المبكر. التي تتضمن حصر الأضرار الأولية للوحدات السكنية المتضررة بشكل كلي، ونظيرتها غير الصالحة للسكن، والتي تم حصر نحو 25 ألف حالة منها، حتى أواخر شهر فبراير، من أصل 180 ألف وحدة سكنية متضررة، بحسب التقديرات الأولية.
وأوضح عبود أن مرحلة الإنعاش المبكر تخضع لثلاث خيارات وسيناريوهات للتنفيذ، يعتمد السيناريو الأول على سياسة الإيواء، وتوفير بدل إيجار لمدة سنة لكل أسرة فقدت بيتها، أو تعرض لأضرارٍ بليغةٍ جعلته غير صالح للسكن، بينما يتراوح متوسط إيجار الوحدة السكنية حول 500 دولار في الشهر، أي ما يقارب 6 آلاف دولار لكل أسرة، وذلك مع ارتفاع الأسعار وشح الوحدات السكنية المتبقية.
ويتعلق الخيار الثاني بوحدات الإيواء شبه الدائمة (الكرفانات) لأنها توفر بيئة مناسبة نوعاً ما للعيش مقارنةً بالخيام البلاستيكية والقماشية، ويبلغ حجم الاحتياج منها بشكل أولي نحو 60 ألف كرفان، لكن الاحتلال الإسرائيلي يمنع دخولها إلى القطاع بعكس ما ورد في البروتوكول الإنساني الملحق باتفاق وقف إطلاق النار، ولم يصل منها إلى قطاع غزة حتى اللحظة سوى 15 كرفان فقط.
أما الخيار الثالث فيتمثل في إنشاء مخيمات الخيام في مناطق مخصصة منتشرة في مختلف أنحاء قطاع غزة، وتعتبر الخيمة محطة إيواء مؤقتة وظروفها مأساوية، لا تتحمل فيها الأسرة برد الشتاء، ولا حر الصيف، علاوةً على مدة صلاحيتها التي لا تتجاوز ستة أشهر. على أن يتم نقل هذه الأسر إلى كرفانات أو توفير بدل إيجار لهم بعد مدة معينة، وقد دخل قطاع غزة 90 ألف خيمة من أصل 200 ألف خيمة نُص عليها في البروتوكول الإنساني للصفقة.
وعن تمويل عملية إعادة الإعمار صرح عبود “إن مصادر التمويل غير موجودة إلى الآن، وأناشد كل الجهات للوقوف معنا ونأمل أن يوضع هذا الجانب في المراحل المتقدمة من الاتفاق، وأن يتم تقديم تعهدات، سواء من دول عربية أو غربية، لتمويل إعادة إعمار قطاع غزة، فالتقديرات تتحدث عن 30 مليار دولار لإعادة الإعمار فقط في قطاع الإسكان أما قطاعات الأخرى كالتعليم والصحة والاقتصاد تحتاج إلى 50 مليار دولار، ليصبح إجماليها 80 مليار دولار”.
وأكد أن عملية إعادة الإعمار قد تستغرق من 3 إلى 4 سنوات، بشرط توفر عدة أمور أساسية لنجاحها، أهمها دخول الأموال وتخصيصها لإعادة الإعمار، وتوفر مواد ومستلزمات البناء، والعمل إما بنظام البناء الذاتي الذي يتم فيه تحديد تكلفة الوحدة السكنية للمواطن، والدفع له على مراحل حسب نسبة الإنجاز أو بناء مدن سكنية على غرار المدن المصرية و القطرية واستيعاب الناس بها مقابل الوحدات المدمرة.
ونوه عبود إلى وضع خطط تركز على كيفية الاستفادة من ركام المباني قياساً بالتجارب التي تركتها الحروب السابقة على قطاع غزة، واستغلاله من خلال عمليات إعادة التدوير في الكسارات ومصانع البلوك وإنتاج المواد اللازمة في رصف الطرق أو الأعمال الإنشائية وإنتاج الحصمة التي تدخل في صناعة الخرسانة والباطون المستخدم في صب الأسقف وأعمدة البنايات، أو حتى استغلاله في تدعيم الشواطئ وبناء موانئ جديدة للصيد.
وتشير التقديرات الأولية إلى وجود أكثر من 50 مليون طن من الركام الناتج عن تدمير الوحدات السكنية والمنشآت المختلفة، الأمر الذي يشكل خطراً بيئياً كبيراً يتطلب تدخلات عاجلة لرفع الركام ومعالجته، ويحتاج مشاركة أعداد كبيرة من الآليات والمعدات بأنواعها المختلفة، ورغم التنسيق مع عدد من الجهات لإرسالها إلى قطاع غزة، إلا أن الاحتلال لا زال يمنعها من الدخول.
وتحتاج عملية رفع الركام إزالة الكتلة الخرسانية الخطرة والمباني التي تشكل خطورة على المواطنين، وفتح الشوارع الرئيسية والفرعية حتى يستطيع الناس الوصول إلى بيوتهم، ومن ثم انتشال الشهداء والجثث التي ما زالت عالقة تحت الأنقاض.