شبح ترامب يهيمن على انتخابات غرينلاند ومقترعون: لا نريده
وعدهم بالأمن والازدهار إذا صاروا "جزءاً من أعظم أمة في العالم" ومحللون يستبعدون تأثيره في النتائج

بدأ سكان غرينلاند الثلاثاء التصويت في انتخابات تشريعية من الممكن أن تفرز جدولاً زمنياً لاستقلال يطمح إليه سكان المنطقة الدنماركية بغالبيتهم العظمى، وحفزهم إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب على المطالبة بنبرة متوعدة أحياناً بضمها.
وحاول ترمب الواثق من أنه سيتمكن من وضع يده على الجزيرة الإستراتيجية “بطريقة أو بأخرى” حتى اللحظة الأخيرة التأثير في المسار الانتخابي، مثيراً الدهشة والرفض، وفي حالات نادرة الحماسة بين سكانها الـ57 ألفاً.
وقال هانس كالي دافيدسن، أحد سكان العاصمة نوك إنه “يعيد وضع غرينلاند في قلب العلاقات الدولية والكل يبدي اهتماماً بها. ومن هذه الناحية إنه أمر جيد”.
لكنه أضاف أن “ترمب نفسه، على ضوء أسلوبه في ممارسة سياسته والتعامل مع بلاده نفسها والمنحى الذي تتخذه الأمور في الولايات المتحدة، لا، نحن لا نريده”.
وبدأ التصويت عند الساعة 11:00 بتوقيت غرينيتش في 72 مركز اقتراع بأنحاء الجزيرة القطبية الشمالية حيث يملك 40500 شخص حق التصويت.
وتغلق صناديق الاقتراع عند الساعة 22:00 بتوقيت غرينيتش ومن المتوقع أن تعلن النتيجة النهائية غداً الأربعاء بين الساعة 01:00 و03:00 بتوقيت غرينيتش.
استقلاليون متحمسون
وتركزت الحملة الانتخابية على مسائل الصحة والتعليم ومستقبل العلاقات مع الدنمارك التي لا تزال على رغم الحكم الذاتي الممنوح للمستعمرة السابقة منذ عام 1979 تمسك بالقرار في المسائل السيادية مثل الخارجية والدفاع.
ويشكو سكان غرينلاند الذين يشكل الـ”إنويت” نحو 90 في المئة منهم من أن السلطة المركزية الدنماركية، المتهمة بقمع ثقافتهم وإجراء عمليات تعقيم قسرية وانتزاع أطفال من عائلاتهم، تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
وقد تعزز هذا الشعور بعد أن بث التلفزيون الدنماركي العام أخيراً فيلماً وثائقياً تعرّض لانتقادات دفعت إلى سحبه في نهاية المطاف، يزعم أن الدنمارك حققت أرباحاً هائلة من استغلال منجم للكريوليت في الجزيرة، على رغم أنه يُصوَّر في كثير من الأحيان على أنه عبء مالي.
وتنادي كل الأحزاب الرئيسة بالاستقلال، لكن مواقفها تتباين حيال الجدول الزمني اللازم اعتماده لبلوغ هذا المطلب.
وعلى ضوء النتائج المرتقبة لصناديق الاقتراع، سيظهر توزع موازين القوى بين الجهات الراغبة في الاستقلال عن الدنمارك بأسرع وقت، بينهم حزب “ناليراك” المعارض الرئيس وأولئك الذين يربطون ذلك بالتقدم الاقتصادي في غرينلاند، مثل المكونين في الائتلاف المنتهية ولايته “إنويت أتاكاتيجيت” (يسار بيئي) وسيوموت (ديمقراطيون اشتراكيون).
وتعتمد غرينلاند التي يغطي الجليد 80 في المئة من أراضيها حالياً في اقتصادها على الصيد الذي تمثل المنتجات المرتبطة به القسم الأكبر من صادراتها، وعلى المساعدات السنوية التي تناهز 580 مليون دولار من كوبنهاغن، أي ما نسبته 20 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.
ويرى أنصار الاستقلال الأكثر حماسة أن غرينلاند قادرة على التقدم ذاتياً بفضل مواردها المعدنية، خصوصاً المعادن النادرة التي تشكل ضرورة أساسية للتحول البيئي.
لكن قطاع التعدين لا يزال في مراحل مبكرة للغاية في الوقت الراهن ويعاني ارتفاع الكلف، خصوصاً بسبب المناخ غير المواتي وغياب البنية الأساسية.
بالقوة إذا لزم ذلك
وبعدما طرح شراء غرينلاند خلال ولايته الأولى في فكرة قوبلت برفض شديد من سلطات الدنمارك وغرينلاند، عاود ترمب خلال الأشهر الأخيرة تأكيد رغبته في وضع اليد، وبالقوة إن لزم ذلك، على المنطقة التي يعتبرها مهمة للأمن الأميركي في مواجهة روسيا والصين.
وقبل ساعات قليلة من انطلاق الانتخابات التشريعية، وعد ترمب مجدداً ليل أمس الإثنين – الثلاثاء عبر شبكته الاجتماعية “تروث سوشيال” بالأمن والازدهار لمواطني غرينلاند الذين يرغبون في “أن يكونوا جزءاً من أعظم أمة في العالم”.
وبحسب استطلاع للرأي نشر في يناير (كانون الثاني) الماضي يرفض نحو 85 في المئة من سكان غرينلاند هذا الاحتمال.
وعلق رينيه أولسن (58 سنة)، وهو عامل إصلاح سفن، أمس “اللعنة على ترمب. لا نريد أن نكون أميركيين. إنه مغرور للغاية”.
وأثارت تصريحات الرئيس الأميركي التي وصفها رئيس وزراء غرينلاند المنتهية ولايته ميوت إيغده بأنها “غير متوقعة، حالاً من الارتباك خلال الحملة الانتخابية.
وقال إيغده، زعيم حزب “إنويت أتاكاتيجيت” اليساري البيئي، الإثنين، إن “بلادنا في عين العاصفة”.
وأوضح في مقطع فيديو على “فيسبوك”، “العالم الخارجي يراقبنا عن كثب، وقد رأينا أخيراً إلى أي مدى يحاولون التأثير على بلدنا”.
ويرى قوميو حزب “ناليراك” في هذه تصريحات ترمب سلاحاً لتعزيز موقف سكان غرينلاند قبل فتح المفاوضات مع الدنمارك.
وقال المسؤول في الحزب جونو بيرثيلسن لوكالة الصحافة الفرنسية إن “رسالة ترمب إيجابية لأنها توفر إطاراً أكثر أماناً واستقراراً لحركة الاستقلال”، مؤكداً أننا “نحتاج إلى الولايات المتحدة من أجل أمننا القومي والعكس صحيح”.
سيستولي علينا فوراً
وتسهم هذه المواقف في بعض الأحيان أيضاً في تهدئة حماسة الساعين إلى استقلال الإقليم وتشجيع الحفاظ على الروابط مع كوبنهاغن.
وقالت كورنيليا آني رونغولم، وهي موظفة بلدية في قرية كاكورتوك (جنوب) إنها لا تريد “الاستقلال اليوم لأن ترمب سيستولي علينا على الفور”.
ويرى المحللون أن تدخل ترمب في الحملة الانتخابية يسهم في زيادة حال الاستقطاب العمودي في النقاشات وتعزيز قناعات كل طرف، لكن من غير المتوقع أن يؤثر في نتيجة التصويت.
وقال أستاذ العلوم السياسية الدنماركي أولريك برام غاد لوكالة الصحافة الفرنسية إن رسالة الرئيس الأميركي الأخيرة “توضح كيفية إصرار إدارة ترمب على التدخل في انتخابات دول أخرى، ولكن بعد ألمانيا (حيث دعم إيلون ماسك المقرب من ترمب اليمين المتطرف)، لا بد لهم من أن يعرفوا أن هذا يضر بهم”.
في السباق الجيوسياسي
ووقعت الجزيرة الشاسعة التي يبلغ عدد سكانها 57 ألف نسمة فقط في سباق جيوسياسي من أجل الهيمنة على القطب الشمالي حيث يجعل ذوبان القمم الجليدية الوصول إلى مواردها أكثر سهولة ويفتح طرق شحن جديدة. كما تكثف روسيا والصين نشاطهما العسكري في المنطقة.
وغرينلاند هي مستعمرة دنماركية سابقة وجزء من أراضي الدنمارك منذ عام 1953، وحصلت على قدر من الحكم الذاتي عام 1979 عندما تشكّل أول برلمان فيها، لكن كوبنهاغن لا تزال تسيطر على الشؤون الخارجية والدفاع والسياسة النقدية وتوفر ما يقارب مليار دولار سنوياً للاقتصاد.
وعام 2009 حصلت على الحق في إعلان الاستقلال الكامل من خلال استفتاء على رغم أنها لم تفعل ذلك بسبب المخاوف من انخفاض مستويات المعيشة في غياب الدعم الاقتصادي من الدنمارك.