عريب زعيتر بعد فوز “يلا باركور” في برلين: العالم متعطش لمشاهدة معاناة غزة

القاهرة – مصدر الإخبارية

وسط أنقاض المدينة وتحت سماء غزة، يولد الإبداع من قلب المعاناة هذا ما أكده فيلم “يلا باركور” الذي كان شهادة حية على إرادة الشباب الغزي الذين حولوا الرياضة إلى وسيلة للتحرر والتعبير عن الذات من خلال عدسة المخرجة عريب زعيتر، إذ يأخذنا الفيلم الوثائقي في رحلة مع أحمد مطر وفريقه، الذين يتحدون الجدران ليس فقط بحركاتهم الجريئة، بل بأحلامهم التي تتخطى الحدود.

تؤكد المخرجة الفلسطينية عريب زعيتر لـ موقع “القاهرة الإخبارية”، أن فكرة الفيلم نشأت في لحظة مُعتمة في عام 2024، إذ تقول: “أثناء الحرب القاسية على غزة، كنت أتابع الأحداث بكل أسى، ولكن وسط المشاهد العنيفة التي كنت أتابعها عبر موقع “يوتيوب”، ظهرت لقطة لشباب يقفزون بمرح وتحدٍ أمام انفجار هائل في غزة، ابتسامة أحدهم عبرت الشاشة، وأثرت في بشكل عميق”.

وأضافت: “ابتسامته أعادتني إلى الأيام التي كنت أقضيها في نابلس، مسقط رأسي، حيث كانت جلسات الشرفة رغم صعوبة الأوضاع مليئة بالفرح، هذه اللحظة أخذتني إلى أبعد من ذلك، إلى رحلتي الوحيدة إلى غزة في سن الرابعة، حين رأيت البحر لأول مرة، والتقت أمواجه بابتسامة أمي، تلك اللحظة بقيت عالقة في ذهني طوال السنين”.

كواليس الفيلم

تشير مخرجة “يلا باركور”، إلى أنها استغرقت مجهودًا كبيرًا للتواصل مع أبطال الفيلم في غزة، إذ تقول: “الفيديو الذي شاهدته دفعني للبحث عن هؤلاء الشباب على منصة فيسبوك، وتواصلت معهم، وكان أحمد مطر المسؤول عن إدارة الصفحة هو من رد على رسالتي، وسمح لي أن أتعرف على عالمهم”.

وتضيف: “بدأنا التصوير في عام 2015، وقام أحمد بتزويدي بالمواد التي صورها وفريقه، ومن خلال هذه المواد، استطعت رؤية غزة التي حُرمت من زيارتها لفترة طويلة، فكانت غنية بحركات الباركور، لكن ما اكتشفته هو أن هذه المواد بمثابة استعراض لمهاراتهم، وكانوا يأملون أن تساعدهم في الحصول على تأشيرات للمشاركة في بطولات عالمية، ولكنني أردت التعرف على حياتهم اليومية”.

وتابعت: “عندما قال لي أحمد “أنت واحدة منا”، طلبت منه أن أعيش غزة من خلال تعاوننا مع المصور المحترف إبراهيم العطلة لتبادل الأفكار حول الشكل السينمائي للفيلم، ومن ثم بدأنا عملية المونتاج، حيث كنا نبحث في الكم الهائل من المواد التي أرسلها أحمد، والتي صورناها في غزة، واستغرقنا حوالي 5 سنوات من العمل، وفي النهاية تمكنّا من رسم هيكل الفيلم وتطويره إلى ما هو عليه اليوم، بينما العمل كله استغرق عشر سنوات”.

حنين للأرض

وحول السبب وراء اختيار قصة أحمد مطر لتقديمها في عمل فني، تقول: “قصة أحمد تشبه قصص عائلتي التي عاشت طفولتها وشبابها في فلسطين، وما جذبني لعالمه هو ما رأيته في عائلتي وما أراه في نفسي وأولادي من حنين للجذور والانتماء للأرض”.

وتضيف: “هناك أيضًا رياضة الباركور التي يمارسها أحمد مع فريقه في غزة، وتعكس العديد من الجوانب عن المدينة وحياة الشباب هناك، وبالرغم من القيود التي فُرضت عليهم، يمارسون حريتهم عبر هذه الرياضة ويتحدون العوائق، إنهم يقفزون فوق الركام والمباني المُهدّمة، في تحدٍ واضح يُظهر أنهم لا يزالون يملكون هذا المكان رغم الدمار الذي يحيط بهم”.

وعن الرسالة التي سعت المخرجة الفلسطينية لإيصالها للعالم، تقول: “لا أُفضل التفكير في العمل كرسالة مباشرة، بل هو قصة تروي حالة إنسانية وصداقة لم تكن لتنشأ بين شخصيات العمل لولا الظروف الاستثنائية التي يعيشها الفلسطيني داخل وخارج بلده، وأود أن يذهب الناس لمشاهدة الفيلم بانفتاح كامل، لفهم هذين العالمين، ولعيش القصص واكتشاف الطبقات التي يحملها الفيلم، ليأخذ كل منهم ما يلمسه”.

توثيق المعاناة

وحول أهمية السينما في دعم القضية الفلسطينية، تقول: “السينما لها دور كبير في توثيق معاناة الفلسطينيين، فهي من أبرز أدوات الفن التي تظل حية لقدرتها على الجمع بين الصورة والصوت بأسلوب فني راقٍ يجعلها وسيلة قوية، فالعمل السينمائي الجيد يمتلك خصائص مشابهة للموسيقى، قادر على تخطي حواجز اللغة والمكان والزمان، والوصول إلى أكبر شريحة من الناس بغض النظر عن خلفياتهم”.

تضيف: “فيلم “يلا باركور” استطاع في وقت قصير أن ينتشر إلى جمهور واسع عبر قارات مختلفة، ليحكي جانبًا من سردية شعبنا، وهذا يعد من أدوار السينما الفعالة في التوثيق”.

مهرجان برلين

شارك الفيلم في النسخة الأخيرة لمهرجان برلين السينمائي، وعن هذه المشاركة قالت: “مشاركة الفيلم في مهرجان برلين، وهو مهرجان ذو جماهيرية عالية، تمثل خطوة مهمة، نظرًا لأنه يستقطب جمهورًا واسعًا داخل وخارج أوروبا، بالإضافة إلى الإعلاميين المختصين في السينما، إنه مكان مثالي لعرض فيلمنا وطرح قضايانا أمام جمهور عالمي”.

وتضيف: “تجربة الفيلم في مهرجان برلين سلطت الضوء على أهمية العمل، وبفوزه بجائزة الجمهور المركز الثاني، أثبت أن الجمهور متعطش لسماع القصة الفلسطينية وتجربتها، هذه المشاركة كانت دفعة قوية نحو وصول الفيلم للعالمية”.