شادية الغول: خطة لبيد لغزة ..”إعادة تعريف الاحتلال بواجهة عربية والموقف المصري الحاسم”

شادية الغول – مصدر الإخبارية

في سياق التحولات الإقليمية ومحاولات إسرائيل إعادة تعريف مسؤولياتها تجاه قطاع غزة، قدم زعيم المعارضة الإسرائيلي، يائير لبيد، عرضًا خلال ندوة بحثية في واشنطن نظمتها “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، وهو مركز أبحاث غير حزبي يركز على قضايا الأمن الوطني والسياسات الخارجية، ويتبنى نهجًا يؤكد على أهمية القوة العسكرية، الردع، والتدخل الاستباقي لحماية الدولة. خلال العرض، كشف لبيد عن خطته التي تنص على إسناد مسؤولية إدارة غزة إلى مصر لمدة 15 عامًا مقابل إسقاط ديونها الخارجية، مشيرًا إلى أنه أبلغ دول الخليج بالمقترح، والتي بدورها نقلته إلى مصر حيث يجري تقييمه.

أبعاد الخطة ومحدداتها

تعتمد الخطة على مقاربة مزدوجة، فمن جهة تهدف إلى معالجة “المشكلة الأمنية” الإسرائيلية في غزة، ومن جهة أخرى تقدم لمصر حلاً لمعضلتها الاقتصادية عبر إلغاء ديونها الخارجية. وفقًا للبيد، سيتم تنفيذ الخطة عبر مراحل تبدأ بفترة أولى تمتد لثماني سنوات، يتم خلالها التعامل مع التهديدات الأمنية المباشرة في غزة عبر آلية مشتركة تضم إسرائيل، مصر، والولايات المتحدة، بالتوازي مع إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية تشمل مكافحة الفساد، تعديل المناهج التعليمية، ومحاربة ما تصفه إسرائيل بـ”الإرهاب”، بهدف تحضير السلطة لاحتمال توليها زمام الأمور مستقبلاً.

تشمل مسؤوليات مصر وفق الخطة الإشراف على نزع السلاح في غزة، منع تهريب الأسلحة، وإدارة إعادة الإعمار عبر آلية مركزية مصرية، إضافة إلى توفير ممر بحري لسكان القطاع. كما ينص المقترح على إصدار قرار من مجلس الأمن يمنح مصر شرعية قانونية دولية للإشراف على القطاع، في محاولة لإضفاء طابع رسمي على الخطة.

لبيد يرى أن هذه الاستراتيجية تقدم إجابات على ثلاث قضايا رئيسية: من سيدير غزة؟ كيف نضمن ألا تعرقل التطورات في القطاع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية؟ وكيفية ضمان استقرار مصر كشريك أمني استراتيجي، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية التي قد تؤدي، وفق رؤيته، إلى اضطرابات سياسية تهدد استقرار النظام الحاكم.

الأهداف الحقيقية للخطة

على الرغم من الإطار الاقتصادي الذي تحاول الخطة تسويقه، إلا أنها تعكس أهدافًا استراتيجية إسرائيلية تتجاوز البعد الأمني والاقتصادي. إذ تسعى إسرائيل إلى التخلص من أعباء غزة، ليس فقط عسكريًا ولكن أيضًا على مستوى الإغاثة والإعمار، عبر تحويل القطاع إلى مسؤولية عربية. هذا الطرح يهدف إلى إعادة صياغة الاحتلال الإسرائيلي بواجهة جديدة، حيث تُنقل مسؤوليات تل أبيب إلى دولة أخرى، ما يعني فعليًا إنهاء التزامات إسرائيل كقوة احتلال وفق القانون الدولي، دون الحاجة إلى الانسحاب الرسمي أو تقديم أي تنازلات سياسية.

إضافة إلى ذلك، فإن فصل غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية يدعم مسار التطبيع العربي-الإسرائيلي، إذ أن وجود فصائل مسلحة في القطاع يعد عقبة رئيسية أمام توسيع العلاقات الإسرائيلية مع دول المنطقة. وعبر منح مصر السيطرة على غزة، تأمل إسرائيل في تحييد أي تهديدات قد تؤثر على الاتفاقيات الإبراهيمية أو تعرقل تطبيع العلاقات مع دول أخرى مستقبلًا. أما على المستوى الإقليمي، فتعتقد إسرائيل أن ضمان استقرار مصر أمر حيوي لأمنها، ولذلك تطرح حلاً اقتصاديًا لمعضلة الديون المصرية كحافز لقبول الخطة، في محاولة لضمان استمرار القاهرة كشريك أمني دون اضطرابات داخلية.

الموقف الرسمي المصري من المقترح جاء واضحًا وصريحًا، حيث أعلن المتحدث باسم الحكومة في 27 فبراير أن “العرض مرفوض”. هذا الرفض لم يكن مجرد تصريح حكومي، بل دعمه مسؤولون سابقون، أبرزهم اللواء سمير فرج، الذي وصف الخطة بأنها “مرفوضة جملةً وتفصيلًا”.

الرفض المصري يستند إلى عدة اعتبارات استراتيجية، أبرزها أن القبول بمثل هذا الطرح يعني تورط القاهرة المباشر في ملف شديد التعقيد، حيث ستجد مصر نفسها في مواجهة مع الفصائل المسلحة، وهو ما قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على أمنها القومي، فضلًا عن المخاطر السياسية والاقتصادية التي قد تنجم عن تحمل مسؤولية إدارة غزة بالكامل. كما أن هذه الخطوة ستمنح إسرائيل انتصارًا سياسيًا، حيث ستتمكن من تحقيق أهدافها في غزة دون الحاجة إلى خوض حرب أو تقديم تنازلات، مما يجعل مصر شريكًا غير مباشر في تنفيذ الأجندة الإسرائيلية.

اقتصاديًا، رغم أن فكرة إسقاط الديون الخارجية قد تبدو جذابة، إلا أن تكلفة إدارة غزة قد تكون أكبر بكثير، حيث ستحتاج مصر إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية والخدمات، إضافة إلى تحمل عبء التعامل مع الأوضاع الإنسانية المتدهورة في القطاع. كما أن وضع القطاع تحت إشراف مصري وفق قرار أممي قد يؤدي إلى تقييد السيادة المصرية، ويجعل أي تحرك مصري في غزة مرهونًا بموافقات دولية، مما قد يحدّ من استقلالية القرار المصري ويضع القاهرة في معادلة سياسية حساسة.

الأبعاد الاستراتيجية للرفض المصري

يتضح أن رفض مصر لهذا العرض ليس مجرد رد فعل سياسي، بل يعكس إدراكًا استراتيجيًا لمخاطر تحويل ملف غزة إلى مسؤولية مصرية بدلاً من أن يبقى ضمن إطار الاحتلال الإسرائيلي. القاهرة تدرك أن أي تدخل مباشر في غزة سيجعلها طرفًا في صراع طويل الأمد، دون أي ضمانات لنجاح الخطة، بل على العكس، قد يؤدي إلى تصعيد عسكري وأمني يهدد استقرار سيناء والمنطقة الحدودية.

كذلك، فإن قبول الخطة يعني ضمنيًا الاعتراف بأن غزة لم تعد جزءًا من القضية الفلسطينية، مما يتعارض مع الموقف المصري الثابت الداعم لحل الدولتين. وفي حال تنفيذ الخطة، ستصبح مصر مسؤولة عن قطاع يضم أكثر من مليوني فلسطيني، دون أن تكون لديها أي سيطرة سياسية فعلية، مما قد يؤدي إلى تكرار تجربة لبنان في الثمانينيات، حينما اضطرت القوات السورية للتعامل مع تعقيدات الفصائل الفلسطينية المسلحة.

خطة لبيد ليست مجرد مقترح إداري، بل إعادة صياغة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بآليات جديدة، حيث تحاول إسرائيل التخلص من التزاماتها عبر إشراك دولة عربية في إدارة غزة. مصر، من جهتها، تدرك أن قبول هذا العرض يحمل مخاطر أمنية وسياسية واقتصادية هائلة، قد تؤثر على استقرارها الإقليمي، فضلًا عن أنه يمنح إسرائيل فرصة للتنصل من مسؤولياتها الدولية. لذلك، جاء الرفض المصري واضحًا، في تأكيد على أن غزة ستبقى قضية فلسطينية، وأن الحل الحقيقي لا يكمن في نقل الأعباء إلى دول أخرى، بل في إنهاء الاحتلال ومعالجة جذور الصراع.