عزيز حمدي المصري: تهديد ترامب ومستقبل غزة ونتنياهو والمنطقة

عزيز حمدي المصري – مصدر الإخبارية

تستدعي تصريحات ترامب الأخيرة، وخاصة قوله “سأحرق الشرق الأوسط”، تحليلًا عميقًا حول السياق الذي قد يكشف عن دوافعه الاستراتيجية في هذه المرحلة الحرجة. يبدو أن ترامب، من خلال هذه التصريحات، يسعى إلى استغلال الوضع القائم في المنطقة لإيجاد مساحة ضغط تؤدي إلى إنهاء الفوضى السياسية، مستفيدًا من شعور المنطقة بالعجز والتقلبات التي تسود الساحة السياسية. هذا التصريح يمكن أن يعكس أسلوبًا يتسم بالتهديد والتصعيد، الذي يهدف إلى خلق توترات متزايدة في الشرق الأوسط، مما يسمح له بتحقيق مكاسب خاصة به أو إعادة فرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة.

وراء هذه التصريحات، هناك توجه اقتصادي واضح يتمثل في رغبة ترامب في استغلال موارد الشرق الأوسط، لا سيما الخليج، في مواجهة المنافسة الاقتصادية العالمية، خاصة في المجال التكنولوجي مع الصين. ترامب يسعى إلى جعل الشرق الأوسط جزءًا أساسيًا من مشاريعه الاقتصادية، حيث يعتقد أن الأموال والمصادر المتوفرة في هذه المنطقة يمكن أن تكون مفتاحًا للتفوق على التحديات الاقتصادية التي تفرضها الصين وروسيا. وبالتالي، فإن ترامب في حاجة إلى استقرار المنطقة، لكي تظل هذه الأموال في حركة نشطة تدعم المشروعات الأمريكية، مثل تطوير التكنولوجيا والصناعات المحلية، التي تعاني من منافسة شديدة من الصين.

وفي هذا السياق، يشير تهديد ترامب إلى إيران بشكل واضح، حيث يطلب منها “الانصياع” والابتعاد عن تدخلاتها الإقليمية، وتحجيم دورها في المنطقة عبر أذرعها المختلفة، وهي رسالة تهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة. هذا التوجه يتماشى مع استراتيجية ترامب القائمة على الحد من قوة إيران ومنعها من التوسع في مجال النفوذ العسكري والسياسي.

وربط ترامب لهذا التهديد بما يحدث في فلسطين وقطاع غزة يمكن أن يُفهم في سياق محاولاته لإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. فمن خلال التلويح باستخدام القوة أو الضغط السياسي، يريد ترامب أن يضمن استقرار الوضع في غزة والضفة الغربية، بما يتماشى مع مصالحه الاقتصادية والجيوسياسية. في هذا الإطار، تحاول الولايات المتحدة توجيه رسالة إلى الأطراف المختلفة في المنطقة، مؤكدًا أن الحلول الاقتصادية والابتعاد عن الفوضى العسكرية ستكون هي الطريق الأفضل نحو تحقيق الاستقرار، الذي يصب في مصلحة الأجندة الأمريكية.

بالنسبة لنتنياهو، يبدو أن موقفه بات في طريقه نحو التراجع أو الانهيار. فقد أعلن عن اعتذاره عن الجلسة التي كان من المفترض أن يتخذ فيها قرارات حاسمة، متذرعًا بمرضه، وهو ما يفتح المجال لتحليل مكامن الضعف في قيادته. البعض يرى أن هذه الحجة قد تكون مجرد ستار للتخلي عن مسؤولياته أو لتفادي القرارات التي قد تأتي بتبعات خطيرة عليه شخصيًا وعلى حكومته. في هذا السياق، يبدو أن البديل جاهز: نفتالي بينيت، وغانتس، قد يكونان الخيارين الأوفر حظًا لقيادة المرحلة المقبلة. وهذا يفتح الباب أمام سيناريوهات قد تحمل تغييرات جذريّة في السياسة الإسرائيلية في المرحلة القادمة. أما بالنسبة لقطاع غزة، فمن الواضح أن التحليلات تنحصر في معالجة جوانب الهدنة والمفاوضات المتعلقة بالمساعدات، والضغوط الدولية التي يواجهها نتنياهو بسبب تصعيد الأوضاع هناك. الفكرة الأساسية تكمن في أن نتنياهو قد يكون في لحظة مفصلية، إذ يتعرض للضغط من عدة جبهات، ليس فقط على مستوى غزة، ولكن أيضًا بسبب التحديات الداخلية في حكومته والتي تفسح المجال للمعارضة للنهوض والظهور.

في جزئية الاقتصاد، يبدو أن هناك توجهًا واضحًا نحو إعادة هيكلة المنطقة في إطار استثمارات مستقبلية، خاصة في قطاع الإعمار في غزة. من خلال حديثي مع أحد موظفي المكتب النرويجي التمثيلي في فلسطين، تم التطرق إلى خطة لإعادة إعمار ساحل غزة وتحويله إلى منطقة استثمار دولي تمتد من رفح إلى زكيم. هذه الخطة تشير إلى رؤية استراتيجية لإعادة تفعيل المنطقة اقتصاديًا وجذب الاستثمارات العالمية، خاصة في السياق المتعلق بالبنية التحتية والموارد الطبيعية التي يمتلكها الساحل الغزي.

هذه الخطط تتماشى مع تصريحات سابقة من قبل الرئيس الأمريكي ترامب الذي أشار إلى أن غزة تمتلك “شاطئًا جميلًا جدًا ومغريًا”، وهو ما يتفق مع رؤية جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي السابق، الذي صرح في وقت سابق بأن “شاطئ غزة هو مكان ممتاز للاستثمار”. هذا التوجه يعكس اهتمامًا متزايدًا من قبل الإدارة الأمريكية بفتح قنوات استثمارية في منطقة غزة، مع الاعتقاد أن هذه الاستثمارات قد تكون فرصة اقتصادية استراتيجية على المدى الطويل.

في هذا السياق، من الواضح أن ترامب، في محاولاته لتعزيز مصالحه الاقتصادية، يسعى لاستغلال موارد الشرق الأوسط، بما في ذلك غزة، للحد من التحديات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي في مواجهة المنافسة العالمية، خاصة من الصين. يشهد العالم اليوم سباقًا تكنولوجيًا متزايدًا، حيث تُعتبر الصين المنافس الرئيسي لأمريكا في هذا المجال، خصوصًا مع تفوق الشركات الصينية مثل “هواوي” في قطاع التكنولوجيا والاتصالات، إضافة إلى هيمنتها على قطاع الطاقة البديلة، مثل الطاقة الشمسية، التي أصبحت الصين المنتج الأول لها في العالم.

إضافة إلى ذلك، تزايدت حصة الصين في السوق الأوروبية بشكل ملحوظ، حيث تُسجل الشركات الصينية 30% من إجمالي التبادل التجاري التكنولوجي مع الاتحاد الأوروبي، ما يجعل الصين الشريك التجاري الأبرز في هذا المجال. في المقابل، يُلاحظ أن شركات أوروبية كبيرة تملك الآن فروعًا رئيسية في الصين، ما يعكس عمق العلاقة الاقتصادية بين القطبين. هذه التطورات تشير إلى أن المنافسة في المستقبل ستكون أكثر حدة بين الولايات المتحدة والصين في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، مع توقعات بأن العديد من القطاعات الأمريكية، في حال استمر الوضع على ما هو عليه، قد تجد نفسها في منافسة غير متكافئة.

من هنا، تتضح الرؤية الأمريكية في تحويل الشرق الأوسط إلى سوق استهلاكي لا يعتمد على شراء الأسلحة فقط، بل على استهلاك المنتجات التكنولوجية الأمريكية. يُتوقع أن يتجه الشرق الأوسط في المستقبل إلى شراء السيارات الكهربائية التي تعمل بالطاقة الشمسية من تسلا، والهواتف الذكية المتطورة، بدلاً من الأسلحة، بما يتماشى مع التحولات الاقتصادية العالمية. هذا التحول يمكن أن يغير من ملامح الصراع في المنطقة، بحيث يصبح المنافسة التكنولوجية هي المحور الرئيسي بدلًا من الصراعات العسكرية التقليدية.

في النهاية، يشير هذا التوجه إلى أن المرحلة القادمة ستكون حاسمة في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، حيث سيصبح الصراع على التكنولوجيا هو المركز، وستتجه الأنظار نحو الشرق الأوسط كمنطقة ذات إمكانات اقتصادية ضخمة يمكن استثمارها من قبل القوى العالمية الكبرى، مع التركيز على التحولات في سلوك الأسواق، بما يشمل زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة والابتكارات التكنولوجية.