إغلاق الأونروا .. خطوة نحو تصفيه قضية اللاجئين الفلسطينيين وطمس حق العودة

في ظل الحرب المستمرة والحصار المفروض على قطاع غزة، يمثل قرار إسرائيل بوقف عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تهديدًا مباشرًا لقضية اللاجئين الفلسطينيين ولحقهم في العودة، كما نص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. الأونروا ليست مجرد مزود خدمات، بل هي شاهد دولي على قضية اللاجئين، ودورها الأساسي يشمل الدفاع عن حق العودة، التعويض، وإعادة التأهيل. وقف عملها يمثل محاولة واضحة لإلغاء هذا الدور وتحميل الفلسطينيين أعباء مضاعفة. إن إغلاق الأونروا لا يشكل تهديدًا فقط للخدمات الإنسانية، بل هو خطوة ضمن خطة أكبر تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وطمس حقهم في العودة.
إن تداعيات هذا القرار تتجلى بشكل خاص في القطاعات الحيوية مثل الصحة، والتعليم، والإغاثة. في قطاع الصحة، وفق تقرير الأونروا السنوي لعام 2023، قدمت الوكالة في قطاع غزة أكثر من 4.3 مليون استشارة طبية من خلال 22 مركزًا صحيًا. شملت هذه الخدمات تطعيم أكثر من 120,000 طفل، ورعاية صحية للأمهات بما في ذلك متابعة الحمل والصحة الإنجابية. ومع تصاعد الحرب، تشير تقارير منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى انهيار 60% من المرافق الصحية في غزة بسبب القصف، مما يجعل خدمات الأونروا الصحية الملاذ الوحيد لآلاف النساء والأطفال. النساء الحوامل على وجه الخصوص أصبحن يواجهن خطر الولادة دون رعاية طبية، مما يزيد من معدلات الوفيات بين الأمهات والمواليد.
أما في مجال التعليم، تدير الأونروا 278 مدرسة في غزة تقدم التعليم لأكثر من 300,000 طالب. الحرب الجارية أدت إلى تحويل معظم هذه المدارس إلى ملاجئ للنازحين، مما يعني حرمان الأطفال من حقهم الأساسي في التعليم. تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) يشير إلى أن أكثر من 53% من سكان غزة هم أطفال دون سن 18 عامًا، ما يجعلهم الفئة الأكثر تضررًا من انقطاع التعليم. بالإضافة إلى ذلك، توقفت برامج الدعم النفسي والاجتماعي التي تقدمها الأونروا، والتي كانت أساسية للأطفال للتعامل مع الصدمات الناجمة عن الحرب.
من ناحية أخرى، وفيما يتعلق بالإغاثة، وفق تقرير الأونروا عن الوضع الطارئ لعام 2023، يعتمد حوالي 80% من سكان غزة على المساعدات الغذائية التي تقدمها الوكالة. هذه المساعدات تشمل توزيع الطرود الغذائية والمساعدات النقدية للعائلات الأكثر ضعفًا، بما في ذلك الأرامل وذوات الاحتياجات الخاصة. الحرب أدت إلى نقص حاد في الإمدادات الغذائية، مما يجعل وقف برامج الأونروا كارثة إنسانية. تقرير برنامج الأغذية العالمي (WFP) لعام 2024 يشير إلى أن انعدام الأمن الغذائي ارتفع إلى 68% بين سكان القطاع، مما يهدد حياة مئات الآلاف.
إغلاق الأونروا لا يمثل تهديدًا فقط للخدمات الإنسانية، بل يعزز أيضًا من محاولة إسرائيل لطمس حق العودة للاجئين الفلسطينيين. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، الذي يضمن للفلسطينيين الحق في العودة إلى ديارهم، يعد جزءًا أساسيًا من قضية اللاجئين الفلسطينيين. إيقاف الأونروا، التي هي الجهة الرئيسية التي تقدم الدعم للاجئين، هو بمثابة خطوة لتقليص هذا الحق التاريخي، ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال الضغط على الفلسطينيين وطمس مطالبهم العادلة. هذه الخطوة لا تهدد فقط بقاء الأونروا، بل تهدد أيضًا الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني وحقه في العودة إلى وطن.
في هذا السياق، يتعين على الفلسطينيين في الداخل والخارج تعزيز جهودهم لمواجهة هذا القرار عبر تحركات قانونية وسياسية. على القيادة الفلسطينية أن تضغط على المجتمع الدولي، باستخدام المحكمة الدولية أو المجلس الدولي لحقوق الإنسان، لتقديم دعاوى ضد إسرائيل بسبب انتهاكها لحقوق اللاجئين. يجب أن تشمل الاستجابة الفلسطينية تعزيز التحركات الدبلوماسية في الأمم المتحدة ومطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة ضد إسرائيل للحفاظ على حق العودة وحقوق اللاجئين.
من جانب الدول العربية، يتطلب الموقف العربي أن تتحمل كل دولة مسؤولياتها في الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين. يجب على الدول العربية التي تتمتع بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل أن تستخدم هذه القنوات للضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل التراجع عن هذا القرار. في الوقت نفسه، يمكن للجامعة العربية أن تشارك في إصدار بيانات سياسية تدعو إلى موقف موحد من الدول العربية لدعم استمرار عمل الأونروا. من جانب آخر، على الدول العربية أن تقوم بتوفير تمويل بديل للأونروا، خاصة في ظل تزايد احتياجات اللاجئين الفلسطينيين في المناطق المختلفة. قد يتطلب هذا التوسع في حملات التبرع والتعاون مع المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية لمواجهة الأزمات المتفاقمة.
المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة في الحفاظ على عمل الأونروا وضمان استمراريتها. يجب على الدول المانحة، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والنرويج وكندا، مضاعفة مساهماتها المالية لتغطية الفجوات الناتجة عن وقف العمل بالأونروا. كما أن الموقف الدولي يتطلب الضغط على إسرائيل عبر قنوات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية لوقف هذه الخطوة التي تهدد الأمن الإنساني في غزة. الدول التي تدعم حق العودة يجب أن تواصل دعم الأونروا والضغط على إسرائيل للامتثال للقرارات الدولية التي تدين هذا الإجراء.
من جهة أخرى، يمكن للمجتمع الدولي استخدام محكمة العدل الدولية للحصول على رأي قانوني يؤكد ضرورة استمرار الأونروا كجزء من التزامات إسرائيل تجاه حقوق اللاجئين الفلسطينيين. كما يجب على الأمم المتحدة العمل على إيجاد آلية جديدة لضمان استمرار الخدمات الإنسانية، سواء من خلال الأونروا أو عبر قنوات أخرى.
مؤسسات المجتمع المدني على المستوى المحلي والدولي تلعب دورًا حيويًا في هذه الأزمة. يمكن لهذه المؤسسات أن تنظم حملات إعلامية لضغط الرأي العام العالمي ضد القرار الإسرائيلي. من خلال هذه الحملات، يمكن تسليط الضوء على الأثر الكارثي لوقف عمل الأونروا على اللاجئين الفلسطينيين، خاصة النساء والأطفال الذين يعتمدون على خدماتها الصحية والتعليمية والغذائية. كما أن مؤسسات المجتمع المدني يمكنها تنظيم تظاهرات في مختلف أنحاء العالم لدعم الأونروا وحق العودة، وتوجيه دعوات إلى الحكومات والمنظمات الدولية للتحرك بشكل عاجل. في هذا الإطار، يجب أن تتعاون هذه المؤسسات مع الهيئات الحقوقية الدولية لمراقبة تنفيذ هذا القرار من قبل إسرائيل وتوثيق انتهاكات حقوق اللاجئين.
يجب أن يتوسع دور مؤسسات المجتمع المدني ليشمل التفاعل مع الشباب والنساء، من خلال تنظيم ورش عمل تدريبية تهدف إلى توعية اللاجئين بأهمية دور الأونروا وكيف يؤثر وقف عملها عليهم. كما يجب رفع مستوى الوعي حول حقوق اللاجئين، خاصة في ظل الوضع الراهن الذي يعزز من ضرورة الحفاظ على وجود الأونروا كحامية للحقوق الفلسطينية في العودة والتعويض.
إغلاق الأونروا يعني إغلاق نافذة أمل رئيسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين في غزة، وهو ما يستدعي تحركًا جماعيًا من كافة الأطراف المعنية لضمان استمرارية عمل الوكالة وتوفير الدعم الضروري للاجئين الفلسطينيين. إن هذه الأزمة تضع العالم أمام مسؤولية كبيرة للحفاظ على الحقوق الإنسانية الأساسية للاجئين الفلسطينيين، وخاصة حق العودة الذي لا يمكن التنازل عنه.