“الجبهة الثامنة”! .. حرب إسرائيلية مفتوحة على فلسطينيي الـ48
في الأسابيع الأولى من بدء عدوانها، أعلنت الحكومة الإسرائيلية حالة الطوارئ العامة، التي شملت إقرار العديد من القوانين والتعديلات في تعليمات الاعتقال ومنع التظاهرات، لترهيب الفلسطينيين داخل أراضي الـ48، وتشديد القبضة عليهم.
منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي الشامل على الشعب الفلسطيني في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتفعت وتيرة تضييقاته على فلسطينيي الـ48 بالوسائل كافة من قمع حريات وتحريض وتهديد وملاحقة وتحقيق واعتقال وتنكيل.
في الأسابيع الأولى من بدء عدوانها، أعلنت الحكومة الإسرائيلية حالة الطوارئ العامة، التي شملت إقرار العديد من القوانين والتعديلات في تعليمات الاعتقال ومنع التظاهرات، لترهيب الفلسطينيين داخل أراضي الـ48، وتشديد القبضة عليهم.
وألغت “النيابة العامة” الإسرائيلية شرط موافقة النائب العام أو أحد نائبيه لتنفيذ اعتقال بتهم التحريض، وفقما كان متبعا قبل الحرب، إذ تتيح أنظمة الطوارئ اتخاذ إجراءات مشددة بحق المعتقلين، تشمل تمديد احتجاز المعتقلين لفترات طويلة، ومنعهم من الالتقاء بمحاميهم لمدة قد تصل إلى 90 يومًا، إضافة إلى أن الشرطة الإسرائيلية أعلنت تعليمات تنص على منع المصادقة على تنظيم تظاهرات في المدن والبلدات الفلسطينية داخل أراضي الـ48.
وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أقرت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلية، بالقراءة الأولى، أمرا موقتا ينص على تعديل مشروع “قانون مكافحة الإرهاب” الذي يجرّم استهلاك مضامين “إرهابية” مع عقوبة قد تصل إلى السجن.
ووثق تقرير أعده مركز عدالة، بالتعاون مع هيئة الطوارئ العربية خلال الأسابيع الخمسة الأولى من العدوان 251 حالة اعتقال وتحقيق، أو “محادثات تحذيرية” أغلبيتها في إطار حرية التعبير عن الرأي، وقدمت 76 لائحة اتهام على خلفية الأحداث.
وورد في تقرير نشرته الهيئة المشتركة للكتل الطلابية التي تعمل تحت مظلة اللجنة العربية للطوارئ، أن أكثر من 100 طالب وطالبة في المؤسسات الأكاديمية جرى تحويلهم إلى “لجان طاعة”، فضلا عن مئات المنشورات التحريضية على الطلبة، والاعتداء على مساكنهم.
واعتقلت الشرطة الإسرائيلية، الباحثة والأكاديمية، الفنانة دلال أبو آمنة، لأنها كتبت على إحدى منصات التواصل الاجتماعي “لا غالب إلا الله”، وكان المستعمرون ينتظرونها أمام منزلها عند عودتها وزوجها ويشتمونهما، وفي حالة مشابهة كتب بروفيسور في الجامعة العبرية بحثا علميا، فجرى التنكيل به واعتقاله، وهاجم المستعمرون لاعبا وشتموه وهو في الملعب، لأن زوجته تلت آية قرآنية، فضلا عن عشرات الطلبة الذين تم فصلهم من الجامعات بسبب كلمة أو منشور.
وبهذا الخصوص، قال مدير المناصرة في المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي – حملة، جلال أبو خاطر، إنه بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، زادت الملاحقات بشكل كبير لأي شخص يعبّر عن رأيه المساند لغزة، والمندد بحرب الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف، أن الفلسطينيين داخل أراضي الـ48 يتعرضون لهجمات من السلطات الإسرائيلية ومن المجتمع المحيط بهم، في أماكن عملهم وأماكن الدراسة من زملائهم.
وأوضح، أن الملاحقات تشمل التحقيق والاعتقال والتشهير في الإعلام، مثلما حدث مع كثير من الأشخاص، والهدف منها ترهيب الفلسطينيين في الداخل، وهذه السياسة تبناها ما يسمى “وزير الأمن القومي” في حكومة الاحتلال المتطرف إيتمار بن غفير.
ولفت إلى أن العديد من الإسرائيليين يشنون تحريضا عنيفا ضد الفلسطينيين، وأي فلسطيني يعبر عن رأيه يتم اعتقاله وملاحقة عائلته لترهيبه، وهناك مئات من الحالات تعرضوا للفصل من العمل ومن مكان الدراسة، وتعرضوا للتشهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأبرزت معطيات دراسة أصدرها مركز “حملة” أن الفلسطينيين داخل أراضي الـ48 يعيشون حالة من الخوف والقلق تظهر من خلال امتناعهم عن الأنشطة والمشاركة الرقمية، ويشعرون بفقدان الثقة الذي تُرجم إلى اللامبالاة والتجاهل التام لكل المخاطر المحدقة بهم.
وبينت دراسة أخرى للمركز أن الاحتلال طور نظاما “قانونيا” وتنفيذيا محكما لفرض السيطرة على الإنترنت، ما أدى إلى انتهاكات صارخة للحقوق الرقمية وخلق “رعب رقمي” دفع المستخدمين إلى تقليل التعبير عن آرائهم، إضافة إلى تضاعف الهجمات الرقمية خاصة الهجمات ذات الخلفية السياسية والوطنية بعد الحرب على غزة، مثل “انتحال الشخصية” و”التصيد الاحتيالي” و”التحرش والإساءة”، وهذا يعكس حالة من الرقابة الذاتية والامتناع عن النشاط الرقمي التي وصلت إلى 70% من الشباب داخل أراضي الـ48، ما يقلل استخدام شبكة الإنترنت كأداة للنشاط الجماهيري.
وطال استهداف الاحتلال قيادات داخل أراضي الـ48، حيث اعتقلت السلطات الإسرائيلية في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية بأراضي الـ48 محمد بركة، وأعضاء كنيست سابقين عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، كانوا في طريقهم إلى المشاركة في وقفة احتجاجية ضد الحرب على غزة في الناصرة، علما أنها لا تحتاج إلى ترخيص من الشرطة، وأبعدت لجنة في الكنيست النائبتين عايدة توما وإيمان خطيب ياسين، وتم حرمانهما من أجرهما لأسبوعين، جراء تصريحاتهما التي لا تتبنى بشكل كامل الخطاب الإسرائيلي بشأن الحرب على غزة.
وفي ظل حالة العداء والتحريض تجاه كل ما هو فلسطيني، اعتبرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن الفلسطينيين في أراضي الـ48 “جبهة ثامنة” تخوض ضدها حربا، بعد قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران.
وفي مقال له، يؤكد رئيس التجمع الوطني الديمقراطي سامي أبو شحادة، أهمية بناء لجان طوارئ في كل القرى والمدن والتجمعات السكانية الفلسطينية في الداخل.
ويقول أبو شحادة: “من الواضح أننا لا نستطيع أن نعوّل على إسرائيل ومؤسساتها من أجل حماية مجتمعنا في أي ظرف طارئ. إسرائيل هي جيش يمتلك دولة، وهذا الجيش يتعامل معنا في حالة الحرب كأعداء، ولو كانت هناك أي حالة طوارئ أخرى كهزة أرضية أو عاصفة، فلن نكون في سلّم أولوياته. لذلك، علينا العمل بشكل جدّي ومهني على تطوير لجان طوارئ تدرس بشكل مهني حالة تجمعاتنا السكنية المختلفة، وتعمل على تقديم حلول وبدائل لأي طارئ يمكن أن يضرب مجتمعنا”.
كما يدعو أبو شحادة إلى العمل على بناء وتنظيم نقابات عمالية ومهنية مستقلة “تعمل على حماية أعضائها بشكل خاص وعلى حماية مجتمعنا بشكل عام. نستطيع من خلالها رفع صوتنا بشكل أقوى أو الإعلان عن إضراب دون التخوف في الوقت الحالي من بطش المؤسسة أو استفرادها بالموظفين أو معلمي المدارس أو الأطباء أو غيرهم من أبناء مجتمعنا”.
كما يدعو إلى تمكين جمعيات العمل الأهلي والمجتمع المدني “بحيث تستطيع القيام بدورها في تقديم الخدمات وحماية مجتمعنا”، خاصة الجمعيات الحقوقية “التي يجب أن تطور دورها في حماية السجناء، والأسرى السياسيين، وحقوقنا كمواطنين”.
ويشدد على أهمية بناء منصات إعلامية “تمكّننا من التعبير عن رأينا وإيصال صوتنا وموقفنا السياسي إلى المجتمع الإسرائيلي والعالم”، مشيرا إلى أن “الإعلام العبري منذ بداية الحرب تحول إلى بوق إعلامي للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي.
ومنذ بداية الحرب تحولت الأستوديوهات في قنوات التلفزيون الإسرائيلية إلى جبهة تحريض مفتوحة ومسعورة تدعو إلى المزيد من القتل والدمار والانتقام بشكل يومي، وهمّشت وسائل الإعلام هذه أي صوت ينادي بوقف الحرب ولديه أي موقف إنساني أو يدعو إلى حل سياسي وليس إلى حل عسكري”.