مسؤولين من حماس يكشفون ما الذي يفكر فيه السنوار بعد عام من الـ7 من اكتوبر
ووفق المصادر التي تحدثت لوكالة "رويترز"، فإن "يحيى السنوار ما زال يرى أن الكفاح المسلح يظل السبيل الوحيد لإنشاء الدولة الفلسطينية".

يقول أشخاص خالطوا يحيى السنوار إن زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) غير نادم على هجمات السابع من أكتوبر تشرين الأول قبل عام، على الرغم من أنها تسببت في غزو إسرائيلي، أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتحويل قطاع غزة إلى أطلال وحطام، وألحقت الدمار بحليفته جماعة حزب الله اللبنانية.
وقال أربعة مسؤولين فلسطينيين ومصدران من حكومات في الشرق الأوسط إن السنوار، العقل المدبر للهجمات التي شنتها حماس على جنوب إسرائيل والبالغ من العمر 62 عاما، لا يرى إلا الكفاح المسلح سبيلا لفرض قيام دولة فلسطينية.
وأسفرت هجمات السابع من أكتوبر تشرين الأول عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وأسر 250 رهينة، وفقا لإحصاءات إسرائيلية، في أشد الأيام دموية منذ إعلان قيام دولة إسرائيل.
وردت إسرائيل بشن هجوم واسع النطاق أسفر عن مقتل 41600 شخص ونزوح 1.9 مليون فلسطيني، بحسب السلطات الصحية الفلسطينية وإحصاءات الأمم المتحدة.
وامتد الصراع الآن إلى لبنان، حيث أضعفت إسرائيل بشدة قدرات جماعة حزب الله المسلحة المدعومة من إيران، بما في ذلك قتل معظم قاداتها. وتواجه طهران، راعية حركة حماس، احتمالية دخول حرب مفتوحة مع إسرائيل.
وقال حسن حسن، المؤلف والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، إن السنوار جر إيران و”محور المقاومة” بأكمله الذي يضم حزب الله والحوثيين في اليمن وجماعات مسلحة عراقية إلى صراع مع إسرائيل.
وأضاف حسن “ما نشهده الآن هو تبعات السابع من أكتوبر تشرين الأول. مقامرة السنوار لم تنجح”، مشيرا إلى أن محور المقاومة قد لا يتعافى أبدا.
وأضاف حسن “ما فعلته إسرائيل بحزب الله خلال أسبوعين يعادل تقريبا عاما كاملا من إضعاف حماس في غزة. ففي جماعة حزب الله، تم القضاء على ثلاثة مستويات من القيادة، وتقليص قيادتها العسكرية، واغتيال زعيمها المهم حسن نصر الله”.
لكن قبضة السنوار على حماس ما زالت محكمة، على الرغم من بعض العلامات على المعارضة بين سكان غزة.
واختير السنوار زعيما للحركة بعد مقتل سلفه إسماعيل هنية في يوليو تموز الماضي في ضربة يشتبه في أن إسرائيل هي التي نفذتها أثناء زيارة كان يقوم بها إلى طهران. ولم تؤكد إسرائيل ضلوعها في الضربة.
وقال مصدران إسرائيليان إن السنوار وشقيقه، وهو أيضا قيادي كبير، يعملان في متاهة من الأنفاق تحت غزة، نجيا فيما يبدو حتى الآن من الغارات الجوية الإسرائيلية التي أوردت تقارير أنها قتلت نائبه محمد الضيف وغيره من كبار القادة.
ويعمل السنوار الذي أطلقت عليه إسرائيل وصف “وجه الشر”، في سرية تامة، ويغير أماكنه باستمرار ويستخدم رسلا موثوقا بهم للتواصل غير الرقمي، وفقا لثلاثة مسؤولين من حماس ومسؤول إقليمي. ولم يظهر السنوار علانية منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وعلى مدى أشهر من المحادثات التي لم يحالفها النجاح لوقف إطلاق النار بقيادة قطر ومصر والتي ركزت على مبادلة سجناء فلسطينيين بالرهائن الإسرائيليين، كان السنوار هو صانع القرار الوحيد، حسبما ذكرت ثلاثة مصادر من حماس. وكان المفاوضون ينتظرون أياما للحصول على ردود تمر عبر سلسلة سرية من الرسل.
وبدا استعداد السنوار لتحمل المعاناة، سواء لنفسه أو للشعب الفلسطيني، في سبيل القضية حين ساعد في التفاوض على تبادل 1027 سجينا فلسطينيا من بينهم هو نفسه مقابل جندي إسرائيلي مخطوف في غزة عام 2011. وأدت عملية الخطف التي قامت بها حماس إلى هجوم إسرائيلي على الجيب الساحلي ومقتل آلاف الفلسطينيين.
وقال ستة أشخاص يعرفون السنوار لرويترز إن عزيمته تشكلت بفعل سنوات طفولة فقيرة قضاها في مخيمات اللاجئين بغزة و22 سنة في سجون إسرائيل، من بينها فترة قضاها في عسقلان، المدينة التي يصفها والداه بأنها موطنهما الذي فرا منه بعد حرب 1948.
وأجمعت كل المصادر الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم كي يتحدثوا بحرية عن الأمور الحساسة إن مسألة مبادلة السجناء بالرهائن مسألة شخصية جدا للسنوار. فقد قطع على نفسه عهدا بإطلاق سراح جميع المحتجزين الفلسطينيين في إسرائيل.
وانضم السنوار إلى حركة حماس بعد فترة وجيزة من تأسيسها في الثمانينيات متبنيا الأيديولوجية الإسلامية الأصولية للجماعة التي تسعى إلى إقامة دولة إسلامية في فلسطين التاريخية وتعارض وجود إسرائيل.
ولا ترى هذه الأيديولوجية في إسرائيل مجرد منافس سياسي بل تنظر إليها على أنها قوة احتلال على أرض إسلامية. ويقول خبراء في الحركات الإسلامية إنه من هذا المنظور، كثيرا ما يفسر السنوار وأتباعه المشاق والمعاناة باعتبارها جزءا من معتقد إسلامي أوسع نطاقا يقوم على التضحية.
وقال مسؤول كبير في حماس طلب عدم الكشف عن هويته إن قوة العقيدة والإصرار على الهدف هما الأساس في تكوين عزيمته وإنه متقشف وزاهد يرضى بالقليل.
من الملابس الخشنة إلى مراتب الزعامة
قبل الحرب، كان السنوار يروي أحيانا عن حياته المبكرة في غزة خلال عقود من الاحتلال الإسرائيلي، وقال ذات مرة إن والدته كانت تحيك الملابس من الجوالق، وهي الأجولة المتبقية بعد تفريغ المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة، بحسب ما ذكره وسام إبراهيم، وهو أحد سكان غزة ممن التقوا بالسنوار.
وفي ما يشبه سيرة ذاتية كتبها في السجن، وصف السنوار مشاهد للقوات الإسرائيلية وهي تدمر المنازل الفلسطينية كوحش يسحق عظام فريسته، قبل انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005.
كان السنوار شديد الحدة والصرامة عندما عُهد إليه بمهمة معاقبة الفلسطينيين المشتبه في تجسسهم لصالح إسرائيل.
واكتسب شهرة كبيرة كزعيم في السجن. وبرز كبطل في الشارع بعد أن قضى 22 عاما في السجون الإسرائيلية لاتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين وأربعة فلسطينيين.
ثم ارتقى سريعا إلى قمة صفوف قيادة حماس.
وقال أربعة صحفيين وثلاثة مسؤولين من حماس إن تفهمه للصعوبات اليومية والواقع المضني في غزة أكسبه شعبية لدى سكان القطاع وجعل الناس يشعرون بالارتياح، على الرغم من سمعته كشخص مهيب الجانب وغضبه القابل للانفجار.
ويعتبر مسؤولون عرب وفلسطينيون أن السنوار هو مهندس استراتيجية حماس وقدراتها العسكرية التي تعززت عبر علاقاته القوية مع إيران التي زارها في عام 2012.
وقبل إشرافه على تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول، لم يخف السنوار رغبته في ضرب عدوه بقوة.
ففي خطاب ألقاه في العام السابق للهجوم، تعهد السنوار بإرسال طوفان من المقاتلين والصواريخ إلى إسرائيل، ملمحا إلى حرب قد توحد العالم لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، أو ترك إسرائيل معزولة على الساحة العالمية.
وبحلول وقت إلقاء الخطاب، كان السنوار والضيف قد أعدا بالفعل خططا سرية للهجوم. بل كانا يجريان تدريبات علنية تحاكي مثل هذا الهجوم.
لكن أهدافه لم تتحقق. صحيح أن القضية عادت إلى صدارة قائمة الأولويات العالمية، لكن احتمالات إقامة دولة فلسطينية أصبحت بعيدة المنال كما كانت دوما. ويرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصورة قطعية أي خطة لغزة بعد الحرب تتضمن جدولا زمنيا محددا لإقامة دولة فلسطينية.
رأسه مثل الحجر
اعتُقل السنوار عام 1988 وصدرت ضده أربعة أحكام بالسجن المؤبد لاتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين وأربعة فلسطينيين يشتبه في تجسسهم لصالح إسرائيل.
وقال نبيه عوادة، وهو ناشط شيوعي لبناني سابق سُجن مع السنوار في عسقلان بين عامي 1991 و1995، إن زعيم حماس “كان يعتبر معاهدة أوسلو هي دمار”، في إشارة لاتفاقات السلام عام 1993 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وأنها خديعة من إسرائيل التي قال إنها لن تتخلى عن الأراضي الفلسطينية إلا بالقوة، وليس عن طريق المفاوضات.
وأوضح عوادة “كان يقول إن المواجهات هي إللي ممكن تحقق إنجازات وهو أعند من نتنياهو. ورأسه مثل الحجر”.
ووصف عوادة السنوار بأنه صلب العقيدة وقوي العزيمة. وقال إن وجه زعيم حماس كان يتلألأ فرحا كلما سمع عن هجمات ضد الإسرائيليين من حماس أو جماعة حزب الله اللبنانية، فبالنسبة للسنوار “الطريق الوحيد لتحرير فلسطين هو طريق المقاومة”.
وأضاف عوادة أن السنوار كان “كتير ديناميكي وكاريزماتي” وكان له تأثير على كل الأسرى حتى على الذين لم يكونوا إسلاميين أو متدينين.
وقال مايكل كوبي، المسؤول السابق في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) الذي استجوب السنوار لمدة 180 ساعة في السجن، إنه كان ذا حضور واضح بسبب قدرته على الترهيب والقيادة.
وسأل كوبي ذات مرة السنوار الذي كان يبلغ من العمر حينذاك 28 أو 29 عاما، لماذا لم يتزوج. وقال كوبي إن السنوار “قال لي إن حماس هي زوجتي، وحماس هي ولدي. وحماس بالنسبة لي هي كل شيء”. وتزوج السنوار بعد إطلاق سراحه من السجن في 2011 وأنجب ثلاثة أطفال.
وقال عوادة إنه واصل في السجن مهمة ملاحقة الجواسيس الفلسطينيين، وهو ما يتطابق مع تقارير محققي جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت).
وقال عوادة إنه كان يتمتع بدرجة عالية من الحذر وحدة الوعي مما مكنه من كشف عملاء الشين بيت المندسين في السجن.
وأضاف أن قيادة السنوار لعبت دورا محوريا في إضراب عن الطعام عام 1992 تزعم فيه أكثر من 1000 سجين للعيش على الماء والملح فقط. وتفاوض السنوار مع سلطات السجن ورفض التسوية مقابل تنازلات جزئية.
واستغل فترة سجنه لتعلم اللغة العبرية بطلاقة.
وقال عوادة إن السنوار كان يتذكر من حين إلى آخر أن عسقلان التي سجنا فيها سويا، هي مسقط الرأس والبلد الأم لعائلته.
وحين كان يلعب تنس الطاولة في باحة سجن عسقلان، التي أصبحت جزءا من إسرائيل اليوم، كان السنوار يلعب في كثير من الأحيان حافي القدمين.
يقول عوادة “كان عندما يلعب البينج بونج يكون حافيا من دون حذاء.. أسأله لماذا أنت حافي يقول ‘إني ألمس أرضي.. أرض فلسطين‘”.
ويضيف عوادة “كان يقول لنا أنا لست بالسجن، أنا في أرضي… هنا أنا في بلدي”.