فورين افريز: السلطة الفلسطينية لا تتحمل اللوم إلا على نفسها
رداً على “انهيار السلطة الفلسطينية”

لقد خاب أملنا في التحليل الوارد في المقال “السلطة الفلسطينية تنهار” (17 يوليو/تموز 2024)، بقلم شيرا إيفرون ومايكل كوبلو. ورغم أن المؤلفين محقان في إثارة القضية الحاسمة المتمثلة في خلل السلطة الفلسطينية وعدم فعاليتها، إلا أنهما مخطئان في عزو إخفاقات السلطة الفلسطينية إلى إسرائيل. ومن أجل معالجة الفوضى التي تعيشها السلطة الفلسطينية على النحو اللائق وإنقاذ أي أمل في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فقد حان الوقت لإجراء تقييم صادق لأفعال السلطة.
ويستشهد المؤلفان بالمشاكل المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية باعتبارها السبب الرئيسي لاختلالها ويلقيان باللوم على إسرائيل. ولكن ما يهملان ذكره هو أنه في عام 2018، وهو آخر عام أعلنت فيه السلطة الفلسطينية عن ميزانيتها، تم تخصيص 350 مليون دولار ــ سبعة في المائة من الإجمالي ــ لدفع رواتب الإرهابيين الذين قتلوا أو جرحوا مدنيين في إسرائيل أو جنود في الجيش الإسرائيلي، ودفع رواتب أسر هؤلاء الإرهابيين. وهذه الممارسة المتمثلة في “دفع رواتب مقابل القتل” مفروضة بموجب قوانين السلطة الفلسطينية رقم 14 ورقم 19 لعام 2004، والتي تلزم السلطة الفلسطينية بدفع راتب شهري لأي شخص مسجون في السجون الإسرائيلية “لمشاركته في النضال ضد الاحتلال”، وكذلك لأسر أولئك الذين يموتون في سياق هذا النضال ــ وهو التعريف الذي تطبقه السلطة الفلسطينية على العديد من الفلسطينيين الذين نفذوا هجمات إرهابية. ولا يمكن لأي تقييم عادل لأزمة السلطة الفلسطينية النقدية أن يتجاهل هذه الحقيقة.
ويشير المؤلفان إلى العجز المالي الكبير الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية، والذي أجبرها على تنفيذ تخفيضات كبيرة في الرواتب. ورغم معاناة موظفي الخدمة المدنية من تخفيضات في الرواتب بنسبة 50%، تواصل السلطة دفع رواتب الإرهابيين وأسرهم بنسبة 100%. ووفقاً لمنظمة مراقبة الإعلام الفلسطيني الإسرائيلية غير الربحية، وصف محمد حميدة، وهو مسؤول في وزارة الاقتصاد في السلطة الفلسطينية، في يونيو/حزيران مثل هذه المدفوعات بأنها “أولوية”. ولابد وأن ندرك من خلال النظر بصدق في الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية أن الأولوية الصارخة لمدفوعات الإرهابيين على حساب رواتب الخدمة المدنية.
ويشير المؤلفان إلى أن الفساد الهائل الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية يساهم في عجزها. ولكن إخفاقاتها تعكس أكثر من فساد القادة الأفراد. فوفقاً للمادة 5 من قانون السلطة الفلسطينية رقم 1 لسنة 2013، يتعين على السلطة الفلسطينية توظيف أي ذكور أمضوا عشر سنوات على الأقل وإناث أمضين خمس سنوات على الأقل في السجون الإسرائيلية بسبب “نضالهم ضد الاحتلال” ــ وبرواتب لا تقل عن راتب “أجر القتل” الشهري الذي تلقوه في السجن. وكلما طال الوقت الذي قضوه في السجن ــ أي كلما كانت أفعالهم الإرهابية أشد خطورة ــ كلما ارتفع ترتيبهم الوظيفي وكلما زادت أقدميتهم. لقد خلقت السلطة الفلسطينية نظاماً منحرفاً يحفز العنف والكراهية، ويولد بيروقراطية من سوء التصرف والفساد ويقوض أي أمل في الدبلوماسية المثمرة.
قبل إدانة إسرائيل بسبب “إذلالها” للسلطة الفلسطينية، كما يفعل إيفرون وكوبلو، يتعين علينا أن نعترف بأن السلطة الفلسطينية أذلت نفسها. وقبل أن ندعو البلدان والمؤسسات الدولية والمنظمات المانحة إلى الالتفاف حول السلطة الفقيرة، كما يفعل إيفرون وكوبلو، يتعين علينا أن ندرك أن السلطة الفلسطينية تستخدم مواردها لإعطاء الأولوية لقتل الإسرائيليين على الحكم الأساسي. والواقع أن الوضع المالي للسلطة الفلسطينية نتاج لنظام غير أخلاقي أنشأته السلطة الفلسطينية ـ وهي وحدها.
رد إيفرون وكوبلو
إن إليوت أبرامز وساندر جيربر يشعران بالقلق إزاء اختلال السلطة الفلسطينية وفسادها، وكما يعترفان، فإننا نشعر بالقلق أيضاً. ولكنهما يتجاهلان الحجة الأساسية لمقالنا. فنحن لا نبرئ السلطة الفلسطينية أو ننكر قدرتها على تحمل المسؤولية عن مجموعة من الجروح التي ألحقتها بنفسها. بل إننا نزعم أن الاعتراف الأحادي الجانب بدولة فلسطينية، كما فعلت العديد من البلدان، قد يؤدي إلى ضرر أكبر من نفعه في غياب التدابير الكفيلة بإصلاح السلطة الفلسطينية وتعزيزها وتزويدها بمسار نحو النجاح المحتمل. والواقع أننا نفصل في العديد من الطرق التي تخذل بها السلطة الفلسطينية الشعب الفلسطيني وتتصرف بشكل معادٍ للتوصل إلى حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما نؤكد صراحة على أن المساعدات الدولية المقدمة للسلطة الفلسطينية لا ينبغي أن تكون مفتوحة: “يتعين على المانحين أن يجعلوا هذا الدعم مشروطاً بتنفيذ السلطة الفلسطينية لإصلاحات محددة ــ والالتزام بمساعدتها على تنفيذها”. ونحن نتفق مع أبرامز وجيربر في أن إلغاء ما تسميه السلطة الفلسطينية “قانون دفع الأسرى” – الذي يعوض الفلسطينيين المسجونين لقتلهم إسرائيليين وأسر أولئك الذين يموتون أثناء تنفيذ مثل هذه الهجمات – ينبغي أن يكون على رأس قائمة تلك الإصلاحات، وكذلك التحول إلى نظام الضمان الاجتماعي القائم على الاحتياجات فقط.
ورغم أن أوجه القصور التي تعيب السلطة الفلسطينية لا يمكن إنكارها، فإن دور الحكومة الإسرائيلية في ضمان تقليص شرعية السلطة الفلسطينية وقدرتها على الحكم لا يمكن إنكاره أيضاً. والحقيقة أن إطلاق السلطة الفلسطينية النار على قدمها مراراً وتكراراً لا يتغلب على حقيقة مفادها أن وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش أعلن صراحة عن نيته إفلاس السلطة وانهيارها في نهاية المطاف، وهو ما يزعم أنه يشكل تهديداً أكبر لإسرائيل من حماس، لأن السلطة الفلسطينية تدعم حل الدولتين الذي يكرهه سموتريتش وحماس على حد سواء. وتتحمل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مسؤولية اتباع القانون الإسرائيلي، الذي يتطلب حجب عائدات الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية بمبلغ يعادل ما تخصصه السلطة للتعويضات بموجب “قانون دفع الأسرى” الذي أقرته السلطة الفلسطينية. ولكن القانون الإسرائيلي لا يفسر أو يبرر الإجراءات العقابية الإسرائيلية غير ذات الصلة، بما في ذلك قرارات سموتريتش بحجب جميع عائدات الضرائب لعدة أشهر والسماح للبنوك الفلسطينية بالتفاعل مع البنوك الإسرائيلية فقط إذا قامت الحكومة الإسرائيلية بإضفاء الشرعية بأثر رجعي على المستوطنات اليهودية غير القانونية في الضفة الغربية – وهي القرارات التي عارضها المسؤولون العسكريون والدفاعيون الإسرائيليون لأسباب أمنية.
إننا نستطيع أن ندين السلطة الفلسطينية لأنها أذلت نفسها، بل وينبغي لنا أن ندينها، ولكن يتعين علينا أيضاً أن نعترف بالدور الصريح الذي لعبته إسرائيل في دفع السلطة الفلسطينية عمداً إلى حافة الانهيار لأسباب سياسية لا علاقة لها بنظام التعويضات المذموم الذي أنشأه “قانون دفع مستحقات الأسرى”. وقبل أن نرحب بانفجار محتمل للسلطة الفلسطينية، يجدر بنا أن نفكر في ما قد يملأ الفراغ الحتمي وكيف قد تتأثر المصالح الإسرائيلية والفلسطينية والأميركية سلباً.