المسنّة نايفة النواتي.. منحها الاحتلال الأمان ثم قتلها حرقًا

سماح شاهين- مصدر الإخبارية
من المهام الصعبة بعد انسحاب جنود الاحتلال الإسرائيلي من مجمع الشفاء الطبي هو أن تبحث عن ضريح أحبائك ويروادك الخوف والقلق أن لا تجده.
مشاعر مختلطة من الخوف وأحيانًا الجمود وكأن الأمر أصبح عاديًا وجود الجثث في الشوارع ينتظرون ذويهم لينتشلوهم، نعم الشهيد المتحلل ينتظر أقاربه ليأتوا حتى يواروه الثرى، وما أن تمشي في الشارع فلن تجد سوى الركام وحتى عندما ترى الناس جميعهم يحدثوك عن عدد شهدائهم.
ينتظر الناس الجرافة وقلوبهم ترتجف، نساء مع أزواجهن، أبناء لوحدهم، كلهم، يصطفون عند البوابة الشرقية، للمستشفى، يرمقون بأعينهم، كيف تتحرك الجرافة، يبحثون كل كفة رمل تنزل من الجرافة، بعد تجريفها، لأماكن، متوقع أن يكون بها، جثامين لشهداء، كان الاحتلال، قتلهم ودفنهم، يد هنا، وقدم هناك، جسد متحلل، في زاوية المستشفى، يتسابق الموظفون، ومعهم أكياس بيضاء، يكتبون عليها، جثة مجهولة، بالإضافة لرقمها، مشاهد تحبس الأنفاس.
جرائم وهجوم مفاجئ
في جريمة جديدة واحدة من آلاف الجرائم التي ارتكبها جنود الاحتلال، فهي بحق الحاجة المُسنة نايفة رزق النواتي (94 عامًا) إذ قام بحرقها، خلال هجومه المفاجئ على مجمع الشفاء ومحيطه في شهر آذار (مارس) الماضي.
المسنة الشهيدة نايفة النواتي كانت لا تقوى على الكلام أو السير وحدها بالإضافة إلى أنها تعاني من مرض الزهايمر، ونزحت أكثر من مرة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية بحق المدنيين بغزة، وبعد عودتها مع عائلتها إلى منزلهم محيط المستشفى، عاد الاحتلال مهاجمته في يوم 18 مارس، وبعد مرور 10 أيام انتهى بعد أن قتل مئات المراطنين وبعضهم مفقودين وتدمير المجمع بشكل لا يُوصف.
يقص حفيدها إسلام النواتي لـ”شبكة مصدر الإخبارية” ما حدث مع جدته، قائلًا إن جنود الاحتلال ارتكبوا أفظع الجرائم بقصف وحرق وحصار المستشفى بحق النازحين داخله ومحيطه، من بينهم منزل عائلته الذي يقع في بناية سكنية مكونة من 24 شقة بداخلها قرابة 70 مدنيًا.
وبعد أربعة أيام من اقتحام المستشفى هاجم الاحتلال البناية، واعتقل الرجال واستجوبهم وتحت تهديد السلاح أرغم النساء والأطفال على مغادرة المنطقة تجاه جنوب قطاع، ورفض خروج الحاجة نايفة وطلب منهم تركها وحدها في الشقة، زاعمًا أنها ستبقى في أمان وسيتم العناية بها جيدًا، يقول إسلام.
ويضيف: “رفضت زوجة عمي التي كانت ترافقها منذ أول يوم في الحرب، وقالت لهم إنها مسنة بحاجة إلى عناية خاصة، ورد عليها الجيش مدعيًا إنها حتكون في مكان آمن معهم، وعليكم المغادرة إلى الجنوب”.
تُركت وحيدة
ويردف النواتي أنّ جدته تركت على سريرها كما كانت في الشقة وحيدة، بحالة من الرعب خوفًا من الاحتلال، وأصوات القصف مستمرة، مردفًا أنهم كانوا قلقين حول مصيرها وما سيفعله الاحتلال عندما تركوها معهم.
ويشير إلى أنّ اختفت آثار جدته، وخشي أعمامه من استخدامها كدروع بشرية، وتواصلوا مع الصليب الأحمر لمعرفة مصيرها، لكن الصليب أجابهم بأنه ليس لديه تواصل مع الاحتلال في شمال غزة”.
لكن في الواقع، تركوا الحاجة نايفة بعيدًا عن أبنائها وأحفادها على سريرها كما كانت وأشعلوا النار في جميع أنحاء المبنى،
ويتابع أنّه منذ 21 مارس (آذار)، بحثت العائلة بأكملها عن أخبار لها صلة بجدته، وخلال فترة الاختفاء بأكملها، لم تعرف العائلة شيئًا.
ويكمل قوله: “وفي اليوم الذي غادر فيه الجيش قلب مدينة غزة، ذهب عمي لتفقد أين توجد جدتي لم يجد شيئًا ويوم بعد يوم جاء اتصال إلى عمي يقول له إن والدتك موجودة بالشقة والجيش ما طلعها خارج الشقة ومن هنا ذهب عمي لتفقد كل شبر في الشقة وللأسف تمكن من التعرف على بقايا عظامها في الأجزاء المحروقة من الشقة التي تركت فيها وحيدة وحسب قولهم بأمان”.
وتساءل حفيد نايفة النواتي: “فهل هذا يسمى أمناً كما قال الجنود للعائلة عندما أرغموهم على مغادرة منزلهم؟”.
ويُلفت إلى أنّ جدته كانت تملك ذكريات كثيرة لا زلنا بحاجة لسماعها، مطالبًا المجتمع الدولي بحماية المدنيين في قطاع غزة ووقف الحرب الإسرائيلية بشكل فوري.