مجزرة الطحين.. دقيق معجون بدمِ الشهداء

خاص- مصدر الإخبارية

اضطر الآلاف من الشبان وكبار السن الخروج من محافظتي غزة والشمال من منازلهم بسبب المجاعة منذ فترة طويلة، متوجهين إلى شارع الرشيد على شاطئ بحر غزة، مساء يوم الأربعاء الماضي آملين بالعودة إلى أهاليهم وأطفالهم بأكياس الطحين لسد جوعهم.

“للأسف نتيجة المجاعة اضطررت للذهب مثل بقية الفلسطينيين المتواجدين في شمال القطاع إلى دوار النابلسي الواقع على شارع الرشيد من أجل الحصول على المساعدات التي تدخل بدون ترتيب لعدم قبول الاحتلال التعامل مع شرطة غزة كي تؤمن دخولها”، هكذا سرد الكاتب الفلسطيني يسري الغول النازح في مخيم الشاطئ غرب غزة رواية ما حدث ل”شبكة مصدر الإخبارية”.

مخاطرة بالحياة مقابل كيس الطحين

كان الغول من الذين خاطروا بحياتهم من أجل الحصول على كيس من الطحين، ووصل إلى دوار النابلسي الواقع بشارع الرشيد، وباتوا ينتظروا في الظلام الدامس دخول المساعدات إلا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قام بالخروج لهم بالدبابات وطائرات المسيّرة “كواد كابتر”.

يقول يسري: “نذهب كل يوم إلى دوار النابلسي بعد أن بات لدينا أمل بالحصول على مساعدات كغيرنا، لكن الاحتلال يقوم بتهديدنا بعبارة انتظرونا غدًا على ما يبدو كان تهديدهم بتنفيذ مجزرة الطحين، ويشتموننا لكن نضطر على التحمل بسبب الجوع”.

 ويتابع بصوتٍ مرهق أنّ ما جرى على الدوار النابلسي هو أمام منطقة شحيبر معرض السيارات قام جيش الاحتلال بإطلاق النار بشكل كثيف، بالإضافة إلى دخول الدبابات إلى مكان يقف فيه الآلاف من الشبان والنساء وكبار السن.

 قام الجيش بدهسم وقتلهم بدمٍ بارد هناك الكثير من الجثث وأتوقع أن يرتفع عدد إلى 200 شهيد نتيجة هذا الاستهتار بحياة الإنسان الفلسطيني الباحث عن حريته وكرامته، وفق حديث الغول.

نجاة من رصاص الاحتلال

“مولود جديد للي برجع حي حتى لو ما جاب طحين، هاي كانت أول مرة وآخر مرة”، هذه الكلمات الأولى التي وصفها الشاب العشريني محمد عويص بعد نجاته من رصاص الاحتلال أثناء تواجده على دوار النابلسي من أجل الحصول على كيس طحين لعائلته.

يقول عويص ل”شبكة مصدر الإخبارية” إنّ جيش الاحتلال يُطلق الرصاص الحي، ومن ثم تقوم الدبابات بتمشيط الشارع وتُطلق النار على كل شيئ متحرك، وتتراجع ومن ثم تتدخل شاحنات المساعدات.

ويتابع: “فجأة بتلاقي نص مليون إنسان طلعوا على كم شاحنة، وإنت وحظك ممكن تاخد أو تنفعص بين الزحمة أو تندهس تحت الشاحنة”.

ويُضيف “طلعنا على الساعة 2 بالليل من مخيم جباليا مشي لدوار النابلسي، مسافة تزيد من 9 كيلو متر، قعدنا نستنى بين ركام المنازل ولقينا ناس مولعين نار من البرد لحد الفجر،  وفجأة دخلت دبابتين مسافة كيلو متر وصاروا يطلقوا نار بشكل عشوائي”.

ويردف: “هربنا لحد دوار  17 قبل الشاليهات، وأطلقوا قذيفتين على المباني اللي كنا فيهم، بعدها رجعوا انسحبوا للنابلسي”.

ويُؤكّد أنّ فرص النجاة من الزحمة وتدفق الناس وحتى إنه حد يضربك ويقوم برميك تحت الشاحنات معجزة.

قرار مصيري كأنّه النهاية

“حملني الجوع الغير مسبوق لأتخذ قرارًا مصيريًا كما عشرات الآلاف من المواطنين على مختلف الأعمار والصفات بالتوجه إلى بوابة الموت المسماة كذبًا بوابة دخول المساعدات” بهذه الكلمات استهل أحمد المقيد عن مجزرة الطحين.

يُوضح المقيد ل”شبكة مصدر الإخبارية” أنّ الحقيقة القرار كان أُسرياً بامتياز حيث حصل على تأييد الجميع فهم لم يتذوقوا طعمًا للخبز منذ 2 يناير الماضي، وهذا ما جعلنا جميعًا نتناسى الخطر المحدق من الخروج ليلًا ثم السير مسافة 30 كيلو مترًا ذهابًا وعودة عوضًا عن خطر الموت على تخوم بوابة النابلسي.

ويكمل قوله: “بكثير من الدعاء والنظرات المترددة بين الخوف والأمل تم توديعي لدرجة أشعرتني أنها النهاية”.

ويتابع أنّه دقت القلوب ومع دقات التاسعة مساء مضيت إلى البحث عن لقيمات لأطفالي الجوعى، في الطريق كانت سيول جارفة من الناس تتدفق إلى ناحية بوابة الموت يتجهزون بزجاجة مياه وغطاء خشية البرد لا يعيرون انتباهًا لأزيز الطائرات وفوهات المدافع.

ويسرد المقيد أنّ عند الوصول كان الناس ينتشرون على الشريط الساحلي وعلى مسافة 3 كم من دوار الميناء حتى النابلسي ويُشعلون النيران ويتبادلون أطراف الحديث وعلت أصوات بعض الباعة المتجولين على أزيز المُسَيرات.

ويشير إلى أنّه عند الرابعة فجرًا انطلقت صلية رصاص من الدبابة فسرها الناس أن الشاحنات قد اقتربت فعليكم الابتعاد عن البوابة ولكن الغريب أنها خلفت إصابات في المحيط الذي أقف به، هذه الإصابات جعلتنا نتراجع للوراء، ثم تقدمت الدبابة وبدأت المقتلة.

ويُؤكّد أن هذه اللحظة لم يعد الطحين هدفًا لي بل النجاة، لكن المُبهر أن الآلاف تقدموا نحو الشاحنات وسط هذا الخطر غير آبهين بالنتيجة.

ويضيف أحمد: “أقبل الصباح وعُدت أدراجي دون تحقيق هدفي بجلب الطحين وخلال الطريق كان مئات الأهالي بنتظرون عودة أولادهم على المفترقات لا ينتظرون الطحين بل يأملون بعودتهم سالمين”.