هآرتس: بايدن يضع نتنياهو في اختبارات لا يُمكنه اجتيازها

بقلــم: الون بنكاس

بنيامين نتنياهو يضحك من الفرح؛ فقد تحسنت مكانته لدى الرئيس الأمريكي، الامور على ما يرام، مَن يعارضونه وحركة الاحتجاج غاضبون “لماذا قام بايدن بدعوته مرة أخرى؟!”. سواء هو أو هم، فإنهم مخطئون؛ فمن أجل عقد لقاء، يجب على نتنياهو تلبية طلبات ومعايير هو لا يريدها ولا يُمكنه تلبيتها.

بعد 265 يومًا، تسعة أشهر تقريبًا، التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نتنياهو في نيويورك، لقاء تمت المصادقة عليه وتقرر في اللحظة الأخيرة؛ رغم الحديث عن احتمالية عقد اللقاء قبل بضعة أسابيع، ليس في واشنطن، بل في الجمعية العامة، من خلال إعداد بايدن لزيارة الرئيس الأوكراني فلودمير زيلينسكي في البيت الأبيض، وقبل الزيارة المتوقعة لرئيس الحكومة العراقية محمد السوداني. وللمفارقة، الولايات المتحدة أثنت على السوداني بسبب الالتزام بـ “تقوية جهاز القضاء في العراق”.

هذا ليس اللقاء الذي يريده بايدن، الذي يعلن بأنه “الرئيس الصهيوني الأول”، فقد تجاهل نتنياهو ووجّه الانتقاد إليه، وقال بشكل علني بأنه لا يريد، لكن الظروف السياسية والجغرافية هي التي حسمت الأمر وفرضت الزيارة. نتنياهو لا يُعتبر حليفًا للولايات المتحدة، لكن اسرائيل نعم، وإسرائيل يحبها بايدن.

في الـ 50 سنة الأخيرة، تحولت زيارة رؤساء الحكومة الاسرائيلية في واشنطن، على الفور بعد تولي المنصب، إلى رحلة تتويج غير رسمية. رؤساء حكومة سابقين اكتفوا بصور متواضعة عكست عمق العلاقات ونوعها، وأيضًا أهمية اللقاء، لكن في حالة نتنياهو هذه، أصبح احتفالًا عكس – حسب رأيه – قدرته السياسية وكونه لاعبًا مهمًا في الساحة الأمريكية. في هذه المرة، كانت قصة مختلفة كليًا، فنيويورك ليست البيت الأبيض، وليس تبادل متوقع للشعارات حول “الحلف الذي لا ينفصم” أو “الالتزام الأمريكي”، وبالتأكيد ليس بـ “القيم المشتركة”؛ بل تقديم ردود جدية وملموسة كان يجب على نتنياهو تقديمها، سواء حول الانقلاب النظامي أو ما يسمى “الصفقة السعودية”.

على مدى سنوات، قام نتنياهو بتصنيف زيارته في الأمم المتحدة كأحد الأعياد المهمة، وقد أضيف للشهر الأول في السنة العبرية – كما يتضح – “خطاب رئيس الحكومة”، وهو الحدث المضخم وعديم التوازن، والذي تم وضعه في التقويم السنوي بشكل وبأسلوب لا يوجدان في أيّ دولة، فمَن في بريطانيا يهمه خطاب رئيس الحكومة ريشي سوناك؟ كم من الأمريكيين يتأثرون من خطاب للرئيس بايدن في اجتماع عادي وروتيني؟ قلائل جدًا. نتنياهو منح أهمية للجمعية العامة للأمم المتحدة وشعر بالراحة في تأطير “كل العالم ضدنا، وأنا فقط أستطيع الدفاع عن إسرائيل”، وعشق الإعجاب الاسرائيلي والدعاية لـ “خطابه المهم” الذي يتم بثه دائمًا، الخطاب كعمل سياسي، والخطيب كبديل للسياسة. خلال السنين، كان هناك خطباء جيدون وكان خطباء متوسطون وكان خطباء ليست لهم أهمية، وكانت هناك خطابات شعارات وتهديدات وتخويف مع رسم بياني وكاريكاتور، لكن ليس في هذه السنة.

في هذه السنة، بعد تسعة أشهر على محاولة الانقلاب النظامي والمظاهرات الضخمة في كل أسبوع، واقتصاد في أزمة، والجيش الاسرائيلي تم التخلي عنه، ودولة مُمزقة في كل جوانبها؛ فإن الخطاب يوجد في أجندة مختلفة كليًا. وبدلًا منه، وقفت مسألة إجراء لقاء مع الرئيس الأمريكي بمركز الزيارة في الأمم المتحدة. بالنسبة لبايدن، يوجد لهذا اللقاء ثلاثة أهداف: سياسي أمريكي، سياسي إسرائيلي، وجيوسياسي حول نفس الفكرة الغامضة التي تسمى “الصفقة الثلاثية” بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل. من ناحية سياسية أمريكية داخلية، لا توجد لهذا اللقاء أيّ أهمية.

75% من يهود أمريكا سيصوتون لبايدن أو أيّ ديمقراطي آخر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بعد سنة وشهريْن. ولكن استمرار رفضه بخصوص الجمعية العامة للأمم المتحدة كان سيُعتبر إهانة كبيرة جدًا، هذه الإهانة إذا تم انتخابه، يوجد ما يكفي من الوقت لحين الالتقاء مرة أخرى قبل نهاية السنة. على المستوى السياسي – الإسرائيلي، كان من المهم لبايدن توضيح تحفظه من الانقلاب النظامي غير الديمقراطي لنتنياهو، ولكن من المشكوك فيه إذا كان شخص لديه تجربة مثل بايدن قد وقع في خداع نتنياهو المُتوقع، الذي قال بأنه عمل على الدفع قدمًا بمصالحة وتفاهمات.

هو لا، وبايدن ووزير خارجيته انطوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان يعرفون ذلك جيدًا. أهمية وعود نتنياهو وتلاعبه بالحقائق يعرفونها بشكل جيد، وهذا يوصلنا الى البعد الجيوسياسي وإلى نفس “الصفقة السعودية”. عمليًا، الحديث يدور عن مفاوضات وفحص إمكانية عقد صفقة ثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية. إسرائيل قامت بإدخال الأمريكيين إلى محاولةٍ لجعل نتنياهو يفحص إجراء تغييرات في تركيبة الائتلاف في إسرائيل. ربما الأمريكيون ليسوا ساذجين، لكن بالتأكيد هذه ليست المرة الأولى، منذ ولايته الأولى في الأعوام (1996-1999) التي يخطئون فيها بفهم نتنياهو، فما يعرضونه عليه لا يُمكنه القيام به. كذلك، مطالبة السعودية بحلف دفاع مُلزم، فيه بند تلقائي للدفاع المتبادل الذي يشبه (البند 5) في حلف الناتو، وكذلك المطالبة بمشروع نووي؛ بايدن سيجد صعوبة في تمرير ذلك في مجلس الشيوخ، الذي فيه تختلف الآراء حول الأهمية الاستراتيجية أو مستوى صلاحية صفقة معينة مع محمد بن سلمان، الذي يدير حسب أحد السيناريوهات “سياسة خارجية تتوجه إلى دول كثيرة، منها الصين وروسيا، ويحاول الخروج من مجال نفوذ الولايات المتحدة”.

هنا دخل العنصر الفلسطيني. فبالنسبة لنتنياهو، لا يوجد أيّ سبب لوقف البناء في المستوطنات أو تجنب إضعاف السلطة الفلسطينية أو الامتناع عن ضم فعلي للمناطق. وبالنسبة للسعودية، فإن ضخ الأموال وتعهد إسرائيل بالامتناع عن الضم الرسمي، ربما ستكون كافية. ولكن بالنسبة لبايدن وكثيرين في مجلس الشيوخ (الجهة التي يجب عليها المصادقة على اتفاق دفاعي مع السعودية، ذي أهمية مشكوك فيها بالنسبة للولايات المتحدة)، فإن القضية الفلسطينية والسياسة العملية لـ “دولة واحدة” لحكومة اليمين المتطرفة هي بالتأكيد إشكالية.

حتى لو عرض نتنياهو اللقاء والبيان عن لقاء آخر كإنجاز سياسي لامع، وهذا ما سيفعله بالضبط؛ فإن هذا خطأ نظري. بايدن وضع نتنياهو على المحك من أجل اختباره في موضوع الاعتراض على تشريع قوانين غير ديمقراطية واختبار جديته فيما يتعلق بالفلسطينيين. نتنياهو لا يريد، ولا يُمكنه اجتياز هذه الاختبارات.

اقرأ أيضاً: ماذا حدث بعد أوسلو؟ أين تايوان.. أو سنغافورة.. أو هونغ كونغ فلسطين؟