الانقلاب القضائي فتح أعينهم.. الشباب الإسرائيلي يرفض التجنيد علنا

كتبت ليندا ديان- مصدر الإخبارية:

يشير المقال المهم لليندا ديان في صحيفة هآرتس الإسرائيلية الصادرة في 4/9/2023 إلى توسع ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في المستعمرة الصهيونية. لتشمل مجموعة من الفتية الإسرائيليين من طلبة المدارس الثانوية، الذين أعلنوا رفضهم للخدمة العسكرية “بسبب الدكتاتورية المستمرة في الأراضي المحتلة، والديكتاتورية النامية داخل إسرائيل” كما أشاروا في رسالتهم التي تم القاؤها ضمن فعالية عامة نظموها في مدرسة ثانوية بتل أبيب يوم الأحد/ 2/9/2023. متفوقين بوعيهم السياسي على المخضرمين من قادة الاحتجاجات واليسار الإسرائيلي، بتبينهم الترابط الوثيق بين الاحتلال والاستيطان والعنصرية وبين الانقلاب القضائي.

من المهم فلسطينيا وعربيا إدراك دور تطور النضال العالمي ضد الظلم والعدوان والتمييز العنصري وتنامي الحركات الحقوقية المناهضة لانتهاك القوانين الدولية والإنسانية، والمدافعة عن تساوي حقوق جميع البشر في الحياة والحرية والكرامة وتقرير المصير. ومن المهم أيضا الوعي بأهمية تصاعد النضال الوطني التحرري ضد الاحتلال والاستيطان والعنصرية في كامل فلسطين الانتدابية في السنوات الأخيرة، وخصوصا منذ هبة القدس عام 2021. وإسهامه الكبير في تنمية الوعي العام بترابط قضايا الحربة والعدالة، وخصوصا لدى الأجيال الشابة. ودور الهبة المحوري في كشف زيف الرواية الصهيونية – التي تبناها النظام الدولي الذي شكلته القوى الدولية المنتصرة في حربين كونيتين- وأسهم في ترسيخها النظام العربي الرسمي المهزوم واتفاقات الإذعان التي وقعها بعض أطرافه. وكرسها لاحقا الانخراط الفلسطيني بإبرام اتفاقات أوسلو عام 1993، والتي أشاعت الوهم بإمكانية تسوية الصراع الوجودي مع النظام الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري قبل تفكيك. ومكنه من توظيفها لمواصلة التوسع واستكمال مشروعه الهادف إلى استبدال فلسطين بإسرائيل، واستبدال شعبها العربي الفلسطيني الأصيل بالمستوطنين اليهود الأجانب. والانطلاق منها للسيطرة على عموم المنطقة وفرض تسيده الإقليمي.

ومن المهم أكثر، أن يدرك الفلسطينيون أهمية المسارعة في بلورة مشروعهم النهضوي التحرري الإنساني النقيض للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري التوسعي. ( سبق تناوله بإسهاب في مقالات متاحة على الموقع الالكتروني ( ghaniamalhees. Com)، والتمييز بوضوح بين اليهودية كديانة سماوية . وبين الصهيونية كحركة استعمارية استيطانية رجعية عنصرية معاكسة لاتجاه تطور حركة التاريخ الإنساني، والتي تجسدها “دولة إسرائيل” (التي تم التخطيط المشترك لاستحداثها / بين الإمبريالية اليهودية والإمبرياليات الأوروبية/ بفعل تقاطع مصالحهما : بتلبية حاجة القيادات الإمبريالية اليهودية لمركز جغرافي وديموغرافي يمكنها من توظيف الدين والأساطير اليهودية لاحتكار شرعية تمثيل يهود العالم . والتأهل ،بذلك، للشراكة مع الإمبرياليات الأوروبية الساعية للاستحواذ على إرث الإمبراطورية العثمانية المتهاوية,والسيطرة على عموم المنطقة العربية- الإسلامية الممتدة، التي تقع في مركز العالم وتشرف على خطوط المواصلات والاتصالات والتجارة الدولية، وتمتلك ثروات طبيعية ومعدنية وفيرة، ما تزال تشكل عصب الاقتصاد الدولي، وتمكن القوى التي تسيطر عليها من التربع على عرش القيادة العالمية. وتلبية حاجة الغرب لتنفيذ مشروعه الامبريالي لقاعدة استعمارية استيطانية غربية متقدمة، في فلسطين التي تقع في مركز الوصل والفصل الجغرافي والديموغرافي والحضاري بين مشرق الأمة العربية – الإسلامية ومغربها / المستهدفة بالسيطرة على أراضيها وثرواتها وإخضاع شعوبها/.

فتعاونا سويا في حل المسألة اليهودية المتفاقمة في أوروبا بفعل تنامي العنصرية عبر تصديرها خارج أوروبا، وتحقيق الهدف الصهيوني الخاص بإنشاء دولة لليهود في فلسطين من جهة .

وتوظيف الدولة المستحدثة من جهة أخرى لإنجاز الهدف الإمبريالي العام ، في الاضطلاع بدور القاعدة الاستعمارية الاستيطانية الغربية متقدمة، لحماية المصالح الاستعمارية في عموم المنطقة وإدامة السيطرة الغربية على مقدراتها.

فالمشروع النهضوي التحرري الإنساني النقيض للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري التوسعي، الذي ينهي التماهي بين اليهودية وبين الصهيونية واسرائيل ، هو القادر على توفير موجبات الانتصار وإحقاق الحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ومرتكزها الحرية والعودة وتقرير المصي. ويتسع لإشراك يهود إسرائيل الراغبين في مواصلة العيش الآمن المستقر في موطنهم الجديد ، بجانب شعبها العربي الفلسطيني الأصيل/ المقيم والعائد من مواطن اللجوء / في إطار دولة ديموقراطية متعددة الأعراق والإثنيات والعقائد، يتساوى فيها جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات – كما كانوا عبر قرون طويلة قبل أن يغزوها المستعمرون الغربيون . ويتساوون أمام القانون ، وينخرطون جميعا في نضال تحرري مشترك ضد القوى الاستعمارية الاستيطانية العنصرية المتطرفة المتنامية، التي تستهدف بالتصفية والإقصاء والإخضاع كل من يقف عثرة أمام هيمنتها : الشعب الفلسطيني الأصيل الذي ترى فيه نقيضا وجوديا ينبغي التخلص منه بالإبادة والتطهير العرقي. ومؤخرا يهود إسرائيل المعارضين لتأبيد الصراع الوجودي والعيش الدائم على حد السيف، بالاستمرار في تنفيذ مشروعها الاستعماري الاستيطاني التوسعي وفرض دولة الهالاكا .

وفيما يلي ترجمة للمقال المعنون: ” الانقلاب القضائي فتح أعينهم. / الشباب الإسرائيلي يرفض التجنيد علنا/ “

‎هآرتس 4/9/2023

‎أعلن أكثر من 200 طالب من طلاب المدارس الثانوية الإسرائيلية أنهم سيرفضون الخدمة في جيش الدفاع الإسرائيلي “بسبب الدكتاتورية المستمرة في الأراضي المحتلة، والديكتاتورية النامية داخل إسرائيل”. في حدث مثير للجدل في تل أبيب، قال الطلاب إنهم يأملون في ان الانقلاب القضائي سيقنع المزيد من أقرانهم بالانضمام إلى “خيار السلام والعدالة للجميع” فبالرغم من معارضة مجلس إدارة المدرسة، وتحذير وزارة التربية والتعليم واستقالة مدير المدرسة بسبب الحدث، استضافت صالة الألعاب الرياضية العبرية في هرتسليا، وهي مدرسة ثانوية تاريخية في تل أبيب، يوم الأحد في 2/9/2023، احتجاجا ضد الانقلاب القضائي الإسرائيلي. وهو ما يمثل خطوة للأمام في التظاهرات ضد الانقلاب القضائي الإسرائيلي. ووقف حشد من المتظاهرين الأكبر سنا يرتدون قبعات الشمس، يتخللهم مراهقين متحمسين، في مواجهة منصة تم فيها عرض رسالة موقعة من أكثر من 200 طالب إسرائيلي تقول : “نحن، المراهقين الذين هم على وشك التجنيد، نقول لا للديكتاتورية – سواء في إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة – ونعلن أننا لن نقوم بالتجنيد حتى يتم ضمان الديمقراطية للجميع، لكل من يعيش تحت الحكم الإسرائيلي”. .

‎تقول إيلا، وهي تلميذة في الصف الثاني عشر تبلغ من العمر 16 عاما وساعدت في قيادة المبادرة: “بدأ الأمر بالرسالة، التي بدأت بمحادثة بيني وبين عدد قليل من الأصدقاء”. إنها بمثابة الأساس لمنظمتهم الجديدة: “شباب ضد الدكتاتورية”. وتضيف : “نحن مجموعة من المراهقين، معظمنا في الصفين الحادي عشر والثاني عشر، وقد أنهى البعض منا للتو الصف الثاني عشر”. “نحن جميعا في مرحلة التجنيد، ونعلم أننا لسنا مستعدين للمشاركة في النظام العسكري بسبب استمرار الدكتاتورية في الأراضي المحتلة، وتناميها داخل إسرائيل”.

‎وللمساعدة في إقامة هذا الحدث، أقام المنظمون علاقات مع مجموعات أخرى – بانكي، مجموعة الشباب الشيوعي اليهودي العربي، مجموعة المناخ الواحد والتعايش البيئي، مجموعة العدالة الاجتماعية للمتحولين جنسيا، مشروع جيلا، منظمة كسر الصمت، وغيرها. قادت هذه المجموعات أيضا جلسات نقاش مع المشاركين، ولكن على الرغم من مشاركتهم في الفعالية ، فقد أدارها المراهقون. وكان المتظاهرون المناهضون للانقلاب القضائي من كبار السن مجرد ضيوف مرحب بهم في موطن الشباب. وأصبح هذا أكثر وضوحا عندما وصل المقتحمون من حركة يمينية تدعى “إم ترتسو”. ورغم أن حضورهم كان ضئيلا – مجرد حفنة من الرجال – إلا أنه كان صاخبا بشكل خاص. إذ أحضروا معهم مكبرات الصوت وهتفوا “لا شرعية لرفض مشروع القانون”. وعندها سارع المتظاهرون المناهضون للانقلاب القضائي الأكبر سنا إلى الاقتراب من المتطفلين قدر الإمكان، وبدأ جدالا حاميا . فصرخ أحد أعضاء منظمة إم ترتسو : “أنتم رافضون، وأنتم عنيفون! عار عليكم يا معادي السامية”، بينما تبعته إحدى أعضاء مجموعة الأمهات الاحتجاجية، وأبقت لافتتها قريبة من وجهه.

‎”خطوة أكثر جذرية”

‎بدا المراهقون غاضبين من العرض. “صعدوا إلى حيث المسرح،” وهم يدعون البالغين إلى التل العشبي لحضور الحدث الرئيسي، وقالوا بتأن عبر مكبرات الصوت الخاصة بهم، “ليست هناك حاجة لمنحهم أي اهتمام”.

على خشبة المسرح، تحدث المراهقون بصراحة وثقة عن قراراتهم بالامتناع عن الخدمة العسكرية ، مستخدمين مصطلحات من قاموس العدالة الاجتماعية والأوساط الأكاديمية، بما يتناقض بشكل كبير مع احتجاجات الانقلاب القضائي ليلة السبت.

لقد كان هدفهم أكثر من مجرد حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لقد انتقدوا بشدة الأجيال السابقة ــ بما في ذلك الحاضرين ــ التي كانت مرتاحة للوضع القائم، الذي أرسى الأساس للمواقف الحالية. وعندما ذكر أحد المتحدثين “الهيمنة الأشكنازية”، ضحكت امرأة مسنة بالقرب من المسرح بصوت مسموع.

لكن المراهقين لا يعارضون الاحتجاجات السائدة. وعلى حد تعبير تال ميتنيك، الذي أنهى الصف الثاني عشر في يونيو/حزيران/ الماضي، وساعد في صياغة الرسالة، وكانوا جزءا من نشأة مبادرة المراهقين – التي تهدف إلى المضي قدما بالمظاهرة.

قالت إيلا : “لقد كانت هناك طاعة عمياء لسنوات، والآن تمت إزالة نوع من العوائق، وآمل أن يقوم المزيد من الناس بإقامة هذا الارتباط الذي أراه واضحا بين الإصلاح القضائي والاحتلال”. وأضافت في الأشهر الستة الماضية، كنا نحتج في كابلان، في الاحتجاج الرئيسي المناهض للإصلاح القضائي، وأدركنا أنه يتعين علينا اتخاذ خطوة أكثر جذرية كشباب متقدمين للخدمة العسكرية – خطوة أكثر جذرية ضد الدكتاتورية في إسرائيل وفي الضفة الغربية المحتلة”. “لقد قررنا أنه لا يمكننا بحسن نية خدمة مجموعة من المستوطنين الفاشيين الذين يسيطرون على الحكومة الآن”. وتأمل المنظمة “أن تظهر للمراهقين الآخرين قبل خدمتهم أن هناك خيارا آخر – خيار السلام والعدالة لجميع المجتمعات المضطهدة في إسرائيل، بما في ذلك النساء، والمثليين، والمزراحيين، والفلسطينيين. فمن الضروري بشكل أساسي أن تكون الديمقراطية ممكنة، ويجب تحقيق العدالة لجميع المجتمعات”. “نريد أن نظهر أن هناك عددا كبيرا من الأشخاص الذين لن يخدموا في ظل هذه الديكتاتورية المستمرة منذ عشرات السنين في الضفة الغربية”.

‎وتشير صوفي – وهي خريجة أخرى تبلغ من العمر 18 عاما وعضوة في منظمة شباب ضد الدكتاتورية- إلى أن الانقلاب القضائي كان بمثابة صحوة من نوع ما للعديد من الإسرائيليين. ورغم أنها كانت قد قررت رفض الخدمة قبل فترة طويلة من الانقلاب. تقول : “كانت أسبابي الأولية لرفض الخدمة هي الاحتلال والديكتاتورية في الضفة الغربية، لكنني أعلم أن هناك الكثير من الأشخاص الذين وقعوا على الرسالة، والعديد منهم لم يخططوا لرفض الخدمة حتى الإنقلاب القضائي، وتضيف: “لقد فتح الانقلاب القضائي أعينهم حقا على رفض الخدمة بسببه – وفتح أعينهم سياسيا بشكل عام، مما جعلهم يفكرون في الاحتلال، وكيف أنهم لا يريدون الخدمة في جيش الاحتلال”.

‎ وتضيف ، لا عتقد أنه يمكنك الفصل بين الانقلاب القضائي والاحتلال. يمكنك أن ترى ذلك من خلال الأشخاص الذين قاموا بتفعيله: سموتريش، روثمان وبن جفير – جميعهم مستوطنون”.

‎”الرفض ما يزال كلمة قذرة”

‎بالنسبة لإيلا، كانت الاحتجاجات نقطة تحول أيضا. وعندما سُئلت عما إذا كانت تخطط دائمًا لرفض الخدمة، قالت لا، لم تفعل ذلك. وضحكت قائلة: “منذ صغري، كان من الواضح بالنسبة لي أنني لا أريد أن أحمل بندقية”. “إن ذلك يزعجني، أنا لا أحب ذلك. لكن معارضتي للخدمة تأتي من الديكتاتورية في إسرائيل والضفة الغربية… أعلم أنني لا أستطيع المشاركة فيها بأي شكل من الأشكال، حتى لو عرضوا علي أن أكون سكرتيرة في قاعدة ما. إنها تأتي من الأشهر الستة الماضية، من الحوار حول الاحتجاجات”.

‎ويأمل المراهقون في جذب المزيد من أقرانهم إلى هذه القضية، على الرغم من أن الثمن باهظ. وتقول صوفي أن خطوتها التالية هي البقاء في السجن العسكري بسبب رفضها الخدمة، والذي سيبدأ في نوفمبر. ومع ذلك، أشارت إلى أن الخطاب يتغير. وتضيف : أعتقد أن هناك بلا شك اتجاها- بفضل رفض جنود الاحتياط للخدمة أيضا- وآمل بسبب هذا الحدث، أن كلمة ’الرفض’ نفسها أصبحت أكثر شيوعا. وقالت: “ما تزال كلمة الرفض تُعامل على أنها كلمة قذرة، ولكن يتم التحدث بها”.

‎لقد كانت هناك طاعة عمياء لسنوات عديدة، والآن تمت إزالة نوع من العوائق، وآمل أن يتسبب ذلك في حدوث المزيد من الأشياء. ليس فقط وقف الانقلاب القضائي، ولكن لجعل هذه العلاقة التي أراها واضحة، بينه وبين الاحتلال، والانتقال بها إلى المرحلة التالية، والاحتجاج عليه أيضا. أن نفهم أن العودة إلى الوضع الراهن لن يجلب الأمن لأي منا، لا هنا ولا في الأراضي المحتلة”.

اقرأ أيضاً: أرباح نتنياهو مقابل الولايات المتحدة والسعودية في تسوية من غير المرجح أن تتحقق