حول حماية الأخلاق العامة والأسرة الفلسطينية

أقلام – مصدر الإخبارية
حول حماية الأخلاق العامة والأسرة الفلسطينية، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى إبراهيم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:
من حق الناس التعبير عن رأيهم كما يشاؤون، وأنا كغيري مع التوسع في حرية التعبير عن الرأي، وليس مع الشعارات التي يتم ترديدها من أن الحرية في فلسطين سقفها السماء، مع أنها لم تصل لبناية من دور أرضي في مخيمات اللاجئين.
وليس مع الرأي الذي يردده البعض وأن الدول العربية ومنها طبعا فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص أننا لسنا أوروبا، وأن قضايا حقوق الإنسان والحريات السياسية والعامة عليها مراعاة الخصوصية الثقافية، بوجود الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولاته اختراق جبهتنا الداخلية والحاضنة الشعبية للمقاومة.
وذريعة أن تراعي الخصوصيات هي فكرة الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية لتبرير شرعيتها، وما تقوم به من سلوك وممارسة انتهاك مجمل حقوق الناس، وصياغة قوانين وقرارات ولوائح وأنظمة خدمة لتوجهات تلك الأنظمة تشبه أدوات السيطرة التي تمارسها دولة الاحتلال لإخضاع الفلسطينيين وسلب حقوقهم وحريتهم، وبناء عليه تصبح قيم الكرامة والحرية غريبة عن شعب يسعى للحرية.
وعندما يتماهى النظام السياسي والسلطة التنفيذية وعدد من الوزارات ويقف أحد ممثلي الوزارة للدفاع عن لجنة العمل الحكومي في غزة والقول إن الجمعيات والمؤسسات مرخصة وفقا للشريعة الإسلامية والقانون الفلسطيني وذلك أمام المؤتمر الذي عقد نهاية الشهر الماضي تحت عنوان ( المكائد الدولية لهدم الأسرة المسلمة… سيداو نموذج)، الذي نظمه كل من رابطة علماء فلسطين بالشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وكليتي الشريعة الإسلامية والشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية، ومجلس القضاء الشرعي، وحزب التحرير.
وتناولت جلسات المؤتمر أوراق عمل، تضمنت عرض مواقف ورؤى واجتهادات للتحريض على اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وتشويه عمل المؤسسات النسوية التي تعمل على تطبيقها واحترام الالتزامات القانونية المترتبة على الانضمام لتلك الاتفاقية، باعتبارها المظلة القانونية لتمكين المرأة وحماية حقوقها وواجباتها المكفولة في التشريعات والقوانين الوطنية والدولية.
لست بصدد الدفاع عن سيداو، لكن ما تناولته أوراق العمل المقدمة في المؤتمر، وما تضمنته من مواقف صريحة وإشارات مباشرة، المؤسسات النسوية العاملة على المطالبة باحترام نصوصها وتطبيقها، قد تجاوزت ألحق في حرية الرأي والتعبير، وحرية العقيدة المكفولة في القانون الأساسي الفلسطيني، وتجاوزت الحق والعلاقات الوطنية، واحترام مؤسسات المجتمع المدني خاصة المؤسسات النسوية لتشكل تحريض وتشويه مباشر على أدوارها ونشاطاتها. وتأثير ذلك على عمل المؤسسات، والخطير في ذلك أن خطاب التحريض والكراهية والعنصرية يؤسس لتشكيل قاعدة مجتمعية لرفض المؤسسات، وتشكيل رأي داخل الحكومة والمجلس التشريعي لتقيد نشاطاتها وإعمالها، في مخالفة المعايير والضوابط القانونية.
إضافة إلى ذلك وما خرج من توصيات وخطاب التحريض ضد المؤسسات النسوية في قطاع غزة، يشكل تهديدا لأمن المسؤولات والعاملات والعاملين فيها وسلامتهن/ م الشخصية، وخاصة أنه تمت الإشارة المباشرة لأسماء عدد منهم.
والخشية من الضغط على صناع القرار استخدام تلك التوصيات لزيادة التقييد على حرية عمل المنظمات الأهلية.
هذه الانتهاكات التي تتعرض لها المؤسسات النسوية والتحريض والتشويه ضدها تأتي أيضا في سياق فرض مزيد من القيود على المنظمات الأهلية والجمعيات العاملة في القطاع والحق في التجمع السلمي والاجتماعات العامة، والقيود المفروضة منذ فترة وتعمل وزارة الداخلية على تصديرها وتقويض عمل المؤسسات بذريعة تنظم الاجتماعات العامة ووضع لوائح جديدة لقانون الاجتماعات العامة المعمول به في فلسطين.
بحجة حماية المجتمع والأسرة الفلسطينية من التفكك، يتم التحريض ضد النساء واستباحة حقهن والتحريض عليهن وعدم النظر لذلك على أنه انتهاك للحقوق والحريات المكفولة والمصانة بالقانون، ودورهن في المجتمع الفلسطيني والنضال ضد الاحتلال في حماية الفلسطينيين وتعزيز صمودهم في مواجهة الاحتلال والحصار والجرائم اليومية التي يرتكبها الاحتلال.
أصبحت حياتنا مواجهات يومية في انتظار مزيد من القرارات والقيود، والجباية، وانتظار عدوان إجرامي إسرائيلي. وسنوات الحصار المستمر وآثاره على جلود الناس الصابرين، سرق أعمارهم، وقضى على آمالهم وأحلامهم وحياتهم.
والانقسام المستمر والحرمان من الحق في المشاركة السياسية، وشباب أصبحوا شيوخا قبل أوانهم ولم يمارسوا أي حق من حقوقهم الأساسية سوى الصمت والانتظار. ونساء يتعرضن للعنف والظلم، والخوض في أعراضهم في برامج ليس لها أولوية سوى عدم الإحساس بحال الناس وأزماتهم، والتحريض والتشويه.
والتحكم في مصير الناس وقوتهم اليومي، وإجبار البعض على الرضوخ والرضى بما يمنحه السلطان من قرارات خدمة لمصالحه وأهدافه.
كل ذلك لم يشفع للناس وصمودهم وصبرهم وتكيفهم مع الظلم والقهر وقلة الحيلة، وبحجة الارتقاء بالمجتمع وحمايته أخلاقه، يعقد مؤتمر التحريض والتشويه، والمجتمع الفلسطيني خاصة في القطاع غارق في أزمات وتحديات عميقة، من زيادة نسب ومعدلات الفقر والبطالة، والعنف والمخدرات والتسول، وشركات النصب والاحتيال، وأزمة الانتحار التي تحصد الشباب الفلسطيني لأسباب اقتصادية وسياسية وغيرها من الأسباب، وأزمة الكهرباء المستفحلة، ولم يعقد مؤتمر علمي لوضع حلول مستدامة لها، وتوصيات لإقامة مشاريع استراتيجية وبدائل للمشاريع الخاصة التي تجنى أرباح من قوت الفقراء.
ولم نسمع عن مؤتمر لحلول لأزمة المياه غير الصالحة للاستخدام الآدمي، وتتم خصخصة مشاريع وشركات لمجتمع يعاني الاحتلال وغياب فرص العمل.
إضافة إلى الهجرة وتشرد الشباب وأسر بأكملها في الغربة، وقوارب الموت التي تحصد الشباب والأطفال والنساء، وآثارها على النسيج المجتمعي هروبا من الأزمة السياسية، وانتهاكات لا تعد ولا تحصى. وبدل من عقد مؤتمرات تحاكي الواقع المأساوي وأزمات لا تتوقف، ويتم البحث في هذه القضايا الشائكة ولا حلول لها في الأفق القريب، وبدلا من ذلك يتم الهروب منها وصرف الأنظار عن مواجهتها، وتمييع الاهتمام بالقضايا والأزمات الأساسية لصالح رواية حماية الأخلاق العامة والأسرة الفلسطينية.
أقرأ أيضًا: حول كفاءة الجيش الإسرائيلي والعدوان على الفلسطينيين.. بقلم مصطفى ابراهيم