ثلثا الفلسطينيين يعانون منه.. ما السبيل للنجاة من الاكتئاب؟

سعاد صائب سكيك – مصدر الإخبارية

“أنا مكتئب” أصبحنا نسمعها كثيراً على المستوى المجتمعي، وباتت أعراض الاكتئاب تظهر على أفراد المجتمع ما خلق طاقة سلبية كبيرة، انتشرت بسرعة كبيرة بين أوساط الشباب، ليعلنوا عبر صفحاتهم الشخصية بأنهم يعانون لدرجة توصلهم إلى التفكير بإنهاء حياتهم.

وهذا ما يثير التساؤلات حول ماهية هذا الاكتئاب، وما علاماته المبكرة، وكيف نصل إلى بر الأمان في ظل حالة كهذه؟ فضلاً عن التوعية والتي تعتبر العنصر الأهم لإنقاذ الشباب من أفكارهم السوداء التي تتعارض مع الدين والإيمان بالله بقضائه وقدره مهما عظم البلاء.

ما هو الاكتئاب؟

تواصلنا في شبكة مصدر الإخبارية مع أ/د. فضل أبو هين أستاذ علم النفس وخبير الاستشارات النفسية والتنمية البشرية الذي عرّف الاكتئاب بأنه هبوط حاد يباغت وظائف الإنسان النفسية، والفكرية، والاجتماعية، والعضوية، والسلوكية كافة، ما يتسبب بضعف مريض الاكتئاب نفسياً.

وبيّن أنه أنواع منه البسيط الذي يزول بزوال المؤثر، مثل الظروف الصعبة التي يمر بها البعض إثر فقدان عزيز، أو تجارب شخصية كالانفصال، حيث يكون موقفي يزول بزوال الموقف.

ومنه الحاد، وهو خطير على العقل، بسبب التغيرات العميقة التي تطرأ على فكر الإنسان وقدراته وحياته بتفاصيلها.

وذكر أبو هين أن العوامل المسببة للاكتئاب عضوية، وتحدث نتيجة اختلال بعض الانزيمات والإفرازات والأوضاع البيولوجية في الإنسان، إلا أنه فصّل أكثر بالتغيرات النفسية التي تتسارع في حياة المريض.

وعن حالات الاكتئاب، أوضح أبو هين أن لها أسباباً تتمثل في فقدان عزيز، أو فقدان مال، وربما فقدان وظيفة، بمعنى أن الشخص الذي يعاني منه قد يكون تعرض لصدمة نفسية أثرت عليه، وغيرت منه داخياً وبيولوجياً، لافتاً أن الحالات تختلف نسبتها حسب اختلاف القصة والصدمة المسببة لها.

وعامة، يقول أستاذ علم النفس إن “ظروف المعيشة في غزة، والحياة فيها ترفع حالات الاكتئاب”، وساق لنا دراسة أجراها البنك الدولي تؤكد أن 61% من سكان فلسطين ظهر عليهم الاكتئاب بصورة واضحة نتيجة ما يعانوه من ضغوطات كثيرة، وعيش مكدر.

أعراض الاكتئاب

ولفت أن من أعراض الاكتئاب الجسدية، هبوط حاد في النشاط الجسدي بشكل ملحوظ، حيث لا يقوى على العمل ولا رغبة له بمواصلة النشاط الاجتماعي، ما يعني حسب أبو هين أن النشاطات الحركية والاجتماعية والحياتية والفكرية ستصبح ضعيفة، وبالتالي الوصول لمرحلة متقدمة من الاكتئاب، قد تكون من ضمنها فكرة “الانتحار”.

وأوضح أن أهم علاج لهذا المرض هو الدعم النفسي والجلسات الأسرية التي تتمثل بالأنشطة الحركية والبرامج الترفيهية والبرامج الاجتماعية المختلفة، إلى جانب العقاقير التي تُوصف من المُعالج فقط.

وقال: “لا يتم وصف العقاقير والأدوية إلا لظرف معين، ونتيجة معينة، ومن قبل الطبيب فقط”، مؤكداً أنها لا تؤدي إلى الإدمان رداً على تساؤلاتنا حول ما إذا كان اعتيادها يسبب الإدمان، وأوضح أنه باللحظة التي تنتهي فيها أعراض الاكتئاب، نُوقف تناول الأدوية حتى لا يتعود عليها الجسم.

وأضاف: “تناول أدوية الاكتئاب دون حاجة ودون وصف الطبيب قد يؤدي إلى الإدمان في هذه الحالة”.

ولأن بعض الدراسات تفيد بأن بعض عقاقير الاكتئاب قد تترك آثاراً سلبية تثير أفكار الانتحار لدى الشباب، سألنا د. فضل أبو هين عن مدى دقة المعلومات، وما الحقيقة؟ ورد قائلاً: “لا تؤدي العلاجات إلى الانتحار عند البعض”، وفسّر أكثر :”بل أحد أعراض الاكتئاب وكراهية الحياة هو السبب”.

ولم ينصح أبو هين باستخدام الصدمة الكهربائية كعلاج، وقال “أصبحت من العلاجات المحرمة قانونياً”، وزاد: “لا تؤخذ إلا بأوضاع نادرة جداً تبعاً للخطر الذي وصلت إليه الحالة”.

سبيل النجاة

واعتبر أبو هين أن أفضل وسيلة لإنقاذ الشخص من الاكتئاب هي رفع روحهم المعنوية من خلال الأهل، وقال: “علينا كأهل تقديم أعز ما نملك لأبنائنا، لرفع روحهم المعنوية”، وأضاف: “يجب أن نكون الحضن الآمن والصدر والحنون لهم”.

ونصح الأهل بالاستماع لمشاكل أبنائهم، وتحسسها، وعدم تركهم وحدهم، وإفراد مساحة واسعة لهم من الوقت والفكر، حتى لا تتفاقم الأمور وتتطور ليغوص أحدهم بالاكتئاب وأفكاره، مشدداً على عدم استخدام أساليب النقد والتجريح والذم للأطفال.

وأكد على أهمية التقدير، وقال: “أبناؤنا بحاجة إلى التقدير والاحترام”، مشدداً على أهمية تعليم الأسرة وتوعيتها بكيفية التعامل مع مريض الاكتئاب، حتى يتمكنوا من إخراج الطاقة السلبية من حياته، ولا يكونوا عبئاً آخر فيها.

وشدد أيضاً على أن أي دعم نفسي بإمكانه إتاحة المجال للحديث والتعبير عن الذات بصورة آمنة، يعد من الأساليب المقوية التي يعتمدها المختصون النفسيون، وأشار إلى أن الدعم النفسي يكون بإفساح المجال للفضفضة، وإخراج مكنونات الذات، ومناقشة الأفكار السلبية، والتعديل عليها، فضلاً عن التفريغ الانفعالي الحركي الذي يؤدي إلى تنفيس الطاقة السلبية الموجودة داخل الإنسان.

وشهدت غزة قبل نحو أسبوعين، خلال شهر أغسطس (آب) الماضي 2023، انتحار شاب يعتبر من المثقفين وهو شاعر وله الكثير من الأصدقاء، ما سبب صدمة كبيرة لمن حوله، بعد أن ترك منشوراً على صفحته بعد منتصف الليل يودع فيه أهله وأصدقائه ويطلب منه مسامحته.

ولم يتوانى أو ينتظر حتى التعليقات التي تهافتت وانكبت عليه من كل مكان تمنعه، وتؤازه وتدعوه بالصبر، حيث سارع بإنهاء حياته بتفجير نفسه، ما أدى إلى وفاته، بعد معاناته من الاكتئاب، حيث قال إنه “تعب من العلاج لمدة 8 سنوات منه، كان آخره جلسات كهربائية منذ عام”.

ولا يمكن بكل الأحوال تبرير “الانتحار” الواضح والجلي حكمه في الشرع الإسلامي والمحرم إطلاقاً، وبذات الوقت لا يمكن التقزيم أبداً من معاناة الشخص في حالة الاكتئاب، لذا طوق النجاة يكمن في الدعم النفسي، والاحتواء الدائم من الأسرة والمحيطين.

ونذكر في هذا التقرير قول الكاتب عادل صادق الذي صدق في كلماته: “ارتفاع الوعي يزيد الآلام، وأغلب المصابين بالاكتئاب النفسي من المثقفين”.

اقرأ أيضاً:المكسرات.. أفضل وجبة لمكافحة الاكتئاب