بدأها بشكل عفوي.. مبادرة سامح تؤجر تمتد من الشمال إلى الجنوب

رداً على فيديو إهانة شابين

سعاد صائب سكيك – مصدر الإخبارية

بشكل عفوي إنساني، وبحماسة مجتمعية تكافلية، أقدم بعض الأشخاص على حرق وتمزيق أوراق ذمم مالية، والعفو عن أصحابها، وإسقاط الديون، وتوالت المواقف حتى وصلت لمراكز وشركات، حتى أُطلق عليها حملة “سامح تؤجر”.

وأتت هذه الحملة رداً على إهانة أحد التجار لعامليّن لديه بشكل غير أخلاقي، ولا إنساني، بسبب مبلغ 120 شيكلاً فقط، وأخذ بصفعهما ودفعهما إلى أفعال تحط من كرامتهما، ولقي الفيديو الذي تداوله النشطاء عبر التواصل الإجتماعي سخط وغضب شعبي واسع.

المبادر الأول

لم يتخيل بائع الفاكهة رجب نصير من بيت حانون شمال قطاع غزة أن تثير عفويته تفاعلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتنتشر على مستوى القطاع ليحذو حذوه كثير من الأشخاص ويمزقون كمبيالات مالية، وأوراق تفيد بمديونيات بلغت آلاف الشواكل والدولارات.

قام نصير بهذه الخطوة تأثراً بفيديو الشابين، وقال: “لقد ضايقني، وأثار غضبي، فما وجدتني إلا وأحرق دفتر الديون”، وتابع: “شعرت بأني أحرق مالي معه إلأ أنني ارتحت بعدها”.

والملفت في القصة، أن نصير تعرض لموقف قبل يومين من مبادرته، دعاه للتصرف بهذا الشكل، حيث أخبرنا في شبكة مصدر الإخبارية أنه صدر بحقه أمر حبس ومنع من السفر لمتراكمات مالية بقدر 500 شيكل لأحد تجار الفاكهة، ويقول: “تضايقت، كيف لمبلغ كهذا يحبسني صاحبه ويمنعني من السفر”.

وأضاف: “لما شاهدت فيديو الشابين، تذكرت وقررت التخلص من دفتر الديون رداً عليه ورداً على كل من يحبس شخصاً بسبب المال”.

وتابع: “جميعنا في ضائقة، وأنا مثل الجميع، كُسرت في بضاعتي مرات عديدة، وبحاجة للمال، إلا أن الأجر عند الله”.

وخلال حديثه، لفت نصير إلى أنه يخجل من طلب المال من الناس رغم أنه حقه، ويتعامل معهم بشكل يراعي الظروف”، مستعوضاً الله في مبلغ 7000 شيكل تراكمت من الزبائن آخر 4 أشهر.

رجب نصير

وعن المبادرة، تفاجئ نصير بما حدث وكيف حذا الجميع حذوه، ولم يتخيل أن يتعاطى الكثيرون مع ما فعله، وأن تتوسع الفكرة، وقال: “شعرت بالفرح عندما شاهدت أشخاصاً كثر يمزقون الأوراق ويعفون عن المديونين كما فعلت، وأيقنت أني على الطريق الصحيح”.

وأوصى جميع أصحاب المحال والتجار بعدم إهانة العمال، وقال: “لا تهن عاملاً، ولا غير قادر”، ودعا المحامين بعدم التعاطي مع القضايا التي تُحصل مبلغاً بسيطاً لا يسحتق مقابل أتعاب تصل إلى أكثر من 1000 شيكل لهم.

كما ناشد الشرطة بعدم التحامل والتماشي مع أوامر الحبس المتعلقة بمبالغ مالية بسيطة لا تذكر، معتبراً أن الجميع إخوة والجميع في ضائقة، والأمر لا يستحق أن يُقابل بهذه الطريقة.

مشاهد إنسانية

وعلى نهجه سار الأهالي في بيت حانون التي بدأت منها حملة التسامح، ومن بينهم أستاذ طلاب التوجيهي أحمد الطلالقة مدير أكاديمية سنا الفلسطينية، والذي أخبرنا في شبكة مصدر أنه عفا عما يقرب من 2500 شيكل مستحقات السنة للدروس الخصوصية المتراكمة على عدد من الطلاب في المركز.

وبيّن أنه تشّجع بعد مبادرة رجب نصير، وفضل أن يكون من المسامحين رغم حاجته، وأكد أنه فعل ذلك عن طيب خاطر، معتبراً أنها صدقة جارية، وقال: “عفوت عن الكل بغض النظر عن اختلاف القدرات المالية، وأرغب بالبدء من الصفر”.

وأضاف الطلالقة: “لا أستطيع احتكار العلم على أحد، ولا ربطه بالمال”، ولفت أنه اشترك مع الباقيين من أهالي بيت حانون رفضاً لإهانة الإنسان، ورداً على فيديو إهانة الشابين.

وفي ردة الفعل، تفاجئ أحد المديونين برسالة من المدرس أحمد الساعة 2 فجراً بالعفو والمسامحة، وأثنى عليه وشكره بحرارة، وقال: “سامحني لأن الظروف كانت أقوى منا، شكرا لك”.

ويتجلى هذا المشهد حسب الطلالقة في بيت حانون الجزء الصغير الذي يقع في شمال قطاع غزة بشكل كبير، حيث لا تعتبر مشاهد التكافل شيئاً حديثاً على أهل هذه البلدة، التي اعتاد أهلها التشارك في الأفراح والأحزان.

أحمد الطلالقة

“يا ريت الك علينا 5000 شيكل”، ينادي الجيران والناس في الشارع المستشار القانوني المتقاعد مفيد عاشور الكفارنة “أبا قاسم” مازحين، وهو من ضمن الأشخاص المشاركين في حملة “سامح تؤجر”، وعفا عن المبلغ المذكور مستحقات بدل إيجار.

وفي اتصالنا معه، قال العم أبو قاسم: “تأثرت بالحدث جداً، وأحبب أن أسير على نفس الطريق”، وأوضح أنه خرج من نابع إنساني أخلاقي، يرفض فيه إهانة الناس بسبب المال.

وعبّر عن فرحته التي بدت من نبرته وكلماته المتحمسة خلال الاتصال، للمشهد الإنساني الذي يستمر يوماً بعد يوم، ويتوسع أكثر، وقال: “مش ندمان، ومبسوط كل ما كبرت الحملة”.

ولفت أنه شعر بالفرحة لما لمس فرحة وسعادة المعفي عنه من بدل الإيجار والمستحقات المالية المتراكمة، وفضّل أن يكون قدوة لغيره.

ونصح أبو قاسم جميع التجار بمسامحة الناس، لأن الأزمة المالية تطال كل البيوت.

مفيد الكفارنة

“سامح تؤجر” تتوسع في غزة

وخرجت الحملة من نطاق هذه البلدة، وتوسعت لتصل محافظات غزة، ففي النصيرات أعلن خليل ياسر (25 عاماً) وهو جريح ورب أسرة، أب لطفلة، وفي انتظار طفل آخر على موعد من الحياة، وقال عبر شبكة مصدر: “تأثرت بمشهد الإهانة مثل الجميع، وكردة فعل عفوت عن مبلغ مالي رغم أنني بحاجته”، لافتاً أنه تراجع عن أمر حبس بحق الشخص المديون وسامحه لوجه الله تعالى.

وأضاف: “أحببت أن أكون سبباً لمشاركة الآخرين من بعدي، كما شاركت من بعد عدة أشخاص”، وتابع: “نرفض الطريقة الهمجية في التعامل بين الناس من أجل المال”.

واختتم قوله: “لن يغنيني المبلغ بكل الأحوال، ولعل الله يعوضني”، وتمنى أن تتوسع الحملة أكثر فأكثر ليعم الخير ولفك كرب الغارمين.

خليل ياسر

وبدأت حملة التسامح “سامح تؤجر”من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، رداً على فيديو انتشر لصاحب شركة، يهين فيه عامليّن من عماله بطريقة لا أخلاقية، يطلب من أحدهم فيه التجرد من ملابسه بقصد الإهانة، وتخطى الحدود بحثه ابنه القاصر بالقيام بأفعال مشينة تجاههما، والتلفظ بألفاظ نابية، ما ينم عن تربية غير سوية أيضاً.

نائل رامز

وحتى الأمس، وصل المبلغ المعفو عنه من المستحقات المالية بين الناس إلى ما يزيد عن 77 ألف شيكل، ناهيك عن المسامحات الشخصية التي لم يُعلن عنها أصحابها، علماً أن الحملة مستمرة ولم تنتهي، ما يعني أن الرقم في تصاعد.

وزاد الرقم أم لا فإن الفكرة لاقت تأثيراً إيجابياً على النفوس، وكسرت الحدود بين الأشخاص والقلوب، وجبرت خاطر كثيرين كانوا يحملون هم جبال فوق أكتفاهم لا يسمح لهم بالنوم ليلاً.

اقرأ أيضاً:الشرطة بغزة توقف شخصًا ظهر بفيديو يعتدي على شابين