تعاطي المضادات الحيوية.. إفراط يُهدد حياة المرضى

موروث مجتمعي خطِر دون وعي طبي

سماح شاهين- مصدر الإخبارية

يُبالغ بعض الناس في قطاع غزة، على سبيل المثال، ولأسباب تتعلق بالفقر وضعف الوعي، في استخدام المضادات الحيوية، واللجوء إلى الصيدليات من أجل صرف هذه الأدوية لعلاج مشكلة صحية ما، دون كشف طبي أو وصفه من طبيب مختص، مما قد يشكل تهديدًا على سلامتهم الصحية وظهور بعض الأعراض الجانبية الخطيرة.

في عام 2017، أصدرت وزارة الصحة الفلسطينية، قرارًا يقضي بالالتزام بالوصفة الطبية لصرف المضادات الحيوية للمرضى من الصيدليات، إضافة إلى إلزام الأطباء بالوصفة الطبية حسب البروتوكولات والنظام، وذلك ضمن الأسس والمعايير الدولية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية.

تناول الشاب محمد سالم “اسم مستعار” أقراص من المضادات الحيوية بعدما تضررت معدته من المسكنات التي كان يتناولها لسنوات، وصفها له أحد أصدقاءه يعمل في صيدلية بمحيط منزل في رفح جنوب قطاع غزة.

“عندي أموت ولا أروح الدكتور، كنت أذهب إلى صديق لي من أجل صرف مسكنات بسبب الصداع المزمن”، هذه كانت بداية مشكلة محمد مع المضادات الحيوية.

يقول الشاب الثلاثيني لـ”شبكة مصدر الإخبارية” إنّه مع كثرة تناول المسكنات بدأ يشتكي من آلام في معدته، وذهب إلى الصيدلية ووصف له أدوية مضادات حيوية لها من أجل أن تخفف عنه.

استمر حال يونس هكذا يوميًا دون أن يذهب لطبيب للكشف عن مرضه، ومساعدته في التخلص منه، إذ كان يفضل الموت عن الطبيب، مضيفًا أنّ “والدته كانت بحاجة لمتبرع من زراعة كبد في مصر، فقام هو وأشقائه بعمل تحاليل طبية من أجل معرفة من تطابق معه فكان هو الوحيد المتطابقة معه الأنسجة”.

سافر محمد مع والدته إلى مصر، وعند إجراءات تحاليل طبية أخرى، تفاجأ في تحليل له بوجود سيولة كبيرة في الدم ورفض الأطباء أن يتبرع لوالدته، إلا أنه أصر على التبرع ودخول العملية وتحمل نتائجها على عاتقه الشخصي.

وقرر يونس الامتناع عن تناول المسكنات والمضادات الحيوية عقب ما حصل معه مؤخرًا، موجهًا نصيحة للآخرين على عدم تناول أي نوع من الأدوية تناول استشارة الطبيب وصرف له الدواء المناسب لحالته المرضية.

في قصة أخرى، تسببت أدوية المضاد الحيوي في تعرض نجل الأم الثلاثينية هدى سعيد، حين توجهت في منتصف الليل إلى إحدى الصيدليات بالقرب من منزلها لتخفيف آلام طفلها وصرف لها الصيدلي بعض الأدوية له.

تقول العشرينية لـ”شبكة مصدر الإخبارية” إنّ طفلها تفاقم وضعه سوءً بعد ذلك، فقررت الذهاب إلى مستشفى النصر للأطفال، وبعد تشخيصه من قبل الأطباء والتعرف على الأدوية، قالوا لها: “هذه الأدوية غير مناسبة لحالة وعمر طفلك بتاتًا”.

وتتساءل والحزن يعتريها: “كيف يصف الصيدلي لي المضادات الحيوية غير مناسبة، لماذا لم ينصحني بالتوجه إلى طبيب لفحصه بشكل أفضل”، منوهًة إلى أنّها اضطرت التوجه للصيدلية لأنها كانت قريبة منها ولم تستطع الذهاب إلى المستشفى في منتصف الليل.

وتشير إلى، أنّ طفلها يتواجد في المستشفى قرابة الأسبوعين، بعد الكشف بأنه مصاب بالتهابات صدرية.

هذه التجربة المريرة، دفعت هدى إلى التوجه للمشفى فورًا في حال ظهور بعض الأعراض أو المشكلات الصحية على أحد أطفالها، خوفًا من التعرض للموقف السابق مرة أخرى، وتوصي الأمهات بعدم التوجه إلى الصيدليات قبل الطبيب قبل الوقع في مشاكل صحية في غنى عنها.

المضادات الحيوية موروث اجتماعي

الناطق باسم نقابة الصيادلة د. سميح أبو حبل يوضح أنّ صرف المضادات الحيوية موروث اجتماعي، والتوعية الصحية لم تأخُذ نصيبها على مستوى القطاع الصحي والنقابات بشكلٍ عام.

ويشير أبو حبل لـ”شبكة مصدر الإخبارية” إن البعض يستسهل الوصول إلى الصيدليات، والصيدلي يكون بين خيارين إما الاستجابة للمريض واعطاءه المضادات الحيوية مع إدراك خطورة الأمر، أو يقوم بإرشاده إلى أهمية مراجعة طبيب مختص لحالته.

ويبيّن أنّه في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها المواطنين في غزة، يرفض الذهاب إلى الطبيب لعدم دفع كشفية ويريد الحصول على نتائج فورية تخفف عنه الألم.

ويلفت إلى أنّ بعد انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، شرعت وزارة الصحة الممثلة الإدارة العامة للصيدلة بإدراج بعض المضادات من الجيل الرابع والخامس بعدم استهلاكها كباقي غيرها داخل المستشفيات والأقسام الداخلية فقط.

وينوه إلى، أنّ حتى اللحظة لم نصل إلى فرض الأمر على المجتمع الصيدلي الخاص، مؤكدًا أنّه قريبًا سيتم الإعلان للصيادلة عن مجموعة من المضادات التي سيتم صرفها من خلال طبيب مختص.

ويتابع: أنّه سيصبح هناك تقييد بصرفها في سبيل عدم استهلاكها كما استهلكت المضادات الحيوية الأخرى، موضحًا أنّ النقابة نظرًا لعدم قدرتها الفرض الإجباري على الصيدلية تعمل الآن في مرحلة التوعية للصيادلة.

ويردف أبو حبل أنّ النقابة لديها مشروع تثقيفي بالتنسيق مع أطباء بلا حدود بلجيكا، لتثقيف الصيادلة ونشر الثقافة للمواطنين، لافتًا إلى أنّ التوعية لم تكفي ولكن وزارة لصحة ومؤسسات المجتمع المدني يجب أن تشارك لأن خسارة أي مضاد حيوي فهي خسارة أرواح كثيرة.

أعراض جانبية وبرامج توعية

مدير دائرة التثقيف وتعزيز الصحة في وزارة الصحة بغزة د. معين الكريري يؤكد لـ”شبكة مصدر الإخبارية” أنّ تناول المضادات الحيوية دون استشارة طبيب مختص، تتسبب بأعراض جانبية التي قد تسببها نتيجة استخدامها بشكل خاطئ.

ويشير الكريري إلى أنّه يوجد برنامج منذ أكثر منذ سبع سنوات مع أكثر من مؤسسة دولية خاص مع أطباء بلا حدود بلجيكا، عملنا من خلال على مبادرة الحد من تسويق المضادات الحيوية والأدوية بشكل عام.

ويردف أنّ في الفترة زادت البكتيريا المقاومة للمضادات، التي كانت من المفترض أن تكون بسبب أدوية بسيطة، منوهًا إلى أنّ تخوف البكتيريا هو عالمي.

ويلفت إلى برنامج توعية يختلف عن وجود سياسات لأن قضية الصيدليات مرتبطة بوجود سياسة دوائية وطنية للحد من الصرف.

ويكمل الكريري قوله إنّ “معظم الأشخاص يسارعون لشراء المضادات الحيوية ليجنبوا أنفسهم من قضية سعر الكشفية عند الطبيب، وشراكة الناس بين البعض بنصائح تناول بعض الأدوية”.

ويبيّن أنّ يكون صرف المضادات عشوائية، وهي ظاهرة واسعة لا يكاد يخلو منزل من تناول المضاد بدون وصفة طبية.

ويضيف دائرة التثقيف وتعزيز الصحة في وزارة الصحة بغزة، أنّ إجراءاتنا متجهة نحو التوعية بشكل أساسي، مستدركًا: “لكن القضايا المتعلقة بوضع السياسيات والاستراتيجيات يجب أن تشارك فيها الوزارة ودائرة الصيدلة بحيث وضع ضوابط رقابة على الأدوية التي تُصرف”.