ترجمة| دافعت لعقود عن إسرائيل ضد مزاعم الفصل العنصري، ولم أعد أستطيع

ترجمة _ مصدر الإخبارية

ترجمة مقال للخبير الاسرائيلي في الفصل العنصري بنيامين بوغروند.

يكشف فيه التطابق بين سلوكيات النظام الاسرائيلي ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

الكاتب يحاول قصر تهمة الفصل العنصري على الائتلاف اليميني الاسرائيلي الحاكم حاليا، ويصوره وكأنه تطورا مغايرا لطبيعة المستعمرة الصهيونية استجد منذ تولي الائتلاف اليميني الاسرائيلي الحكم في اواخر كانون الثاني 2023. وإن كان لا ينفي المعاملة التمييزية ضد مواطني إسرائيل الفلسطينيين الأصليين وحرمانهم من كثير من حقوق المواطنة بدعوى عدم أدائهم الخدمة العسكرية.

ويكشف عنصرية قانون القومية الذي تم إقراره في العام 2018، الذي يعلي اليهود على الجميع ، بما في ذلك الدروز الذين يخضعون للتجنيد الاجباري كاليهود. ويتجاهل الجوهر العنصري للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني الاجلائي- الإحلالي في فلسطين .

إلا أن المقال ينطوي على أهمية كبيرة. فكاتبه مهاجر يهودي من جنوب إفريقيا وشاهد حي على قوانين وسلوكيات نظام الفصل العنصري فيها.

ورغم انه يقفز عن حقيقة تمايز وخصوصية وفرادة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي في مواصلته اقتلاع وتهجير الشعب الفلسطيني خارج وطنهم للعقد الثامن على التوالي ، إلا أنه يستهل مقاله بالقول ” أشهد الآن في إسرائيل الفصل العنصري الذي نشأت معه في جنوب إفريقيا.

إن انتزاع السلطة الفاشية والعنصرية من قبل الحكومة الإسرائيلية هو الهدية التي طالما انتظرها أعداء إسرائيل ” ويتناول أوجه التشابه حد التطابق بين سلوكيات النظام الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.ما يؤشر إلى ذات المصير .

عنوان المقال : ” دافعت لعقود عن إسرائيل ضد مزاعم الفصل العنصري، ولم أعد أستطيع”

‎لقد مررت به من قبل: الاستيلاء على السلطة، والفاشية والعنصرية، وتدمير الديمقراطية. تتجه إسرائيل إلى حيث كانت جنوب إفريقيا قبل 75 عاما.

إنه مثل مشاهدة إعادة فيلم رعب. قي العام 1948 ، عندما كنت مراهقا في كيب تاون، تابعت نتائج انتخابات 26 مايو على لوحة عملاقة في مبنى إحدى الصحف. أنتج النظام الانتخابي / الفائز يحصل على كل شيء/ نتائج مشوهة: فاز الحزب الإفريقي القومي مع شريكه الأصغر بـ 79 مقعدا برلمانيا مقابل 74 للحزب المتحد وشريكه الأصغر.

‎لكن الناتس ، كما كان يطلق عليهم، فازوا في الواقع بنسبة 37.7 % فقط من الأصوات، مقابل 49.18 % من المعارضة.

‎وعلى الرغم من حصول المعارضة على نسبة أصوات اكثر ب 11 % ، قال الناتس إن لديهم أغلبية ويمكنهم فعل ما يريدون.

‎في إسرائيل العام 2023 ، أستعيد بعض نفس هذه التجارب. يمكن لنظامنا الانتخابي النسبي أن يشوه النتائج أيضا: في تشرين الثاني(نوفمبر)الماضي، فاز الليكود مع شركائه الأصغر بـ 64 مقعدا مقابل 56 للمعارضة.

في الواقع، فازت الكتلة اليمينية بنسبة 0.6 % فقط من الأصوات، وتقول ‎حكومة 0.6% أنها تمثل إرادة الأغلبية، ويمكنها أن تفعل ما تشاء.

وتستمر في قول ذلك على الرغم من أن استطلاعا أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي يُظهر أن أقل من ثلث الإسرائيليين يدعمون قانونا لإنهاء ما يسمى بمعيار المعقولية، الذي يسمح للمحكمة العليا بإلغاء قرارات الحكومة التي تعتبرتها غير معقولة.

‎تمتعت جنوب إفريقيا بالديمقراطية – أي بين البيض الذين كانوا يشكلون 20 % من السكان. لم يكن للسود حق التصويت.

فقط بعض مواطني جنوب إفريقيا متعددي الأعراق والآسيويين يمكنهم التصويت. أولئك الذين لم يكونوا من البيض عانوا من تمييز عنصري شديد في كل جزء من حياتهم.

‎في إسرائيل، يمكن للعرب، الذين يشكلون حوالي 21 % من السكان التصويت. لكنهم يعانون من التمييز: فالمسلمون والمسيحيون ليسوا مجندين، وأولئك الذين لا يؤدون الخدمة العسكرية يخسرون الفوائد.

يمتلك الصندوق القومي اليهودي حوالي 13% من أراضي إسرائيل ويمنع غير اليهود – أي العرب – من امتلاكها أو تأجيرها. ويعد الائتلاف بتعميق التمييز. وهدد بالفعل بسحب ملايين الشواقل المخصصة للارتقاء بظروف المعيشة السيئة للعرب.

‎في جنوب إفريقيا ، كان الانتصار القومي يعني الفصل العنصري، الذي أدى إلى تكثيف وإضفاء الطابع المؤسسي على التمييز القائم ضد الملونين.

في العام 2001، انضممت إلى وفد الحكومة الإسرائيلية إلى المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية في ديربان. لقد دعتني حكومة شارون بسبب خبرتي بعد ربع قرن من العمل كصحفي في جنوب إفريقيا.اذ كان تخصصي الإبلاغ عن الفصل العنصري عن قرب.

‎في المؤتمر شعرت بالانزعاج والغضب من كثرة الأكاذيب والمبالغات حول إسرائيل. خلال السنوات التي تلت ذلك، جادلت بكل قوتي في المحاضرات والمقالات الصحفية والتلفزيون وفي كتابي ضد الاتهام بأن إسرائيل دولة فصل عنصري، ومع ذلك، فإن الاتهام أصبح حقيقة.

‎أولا: يرفع قانون الدولة القومية اليهود فوق المواطنين العرب – المسلمين والمسيحيين والبدو والدروز. كل يوم يرى وزراء الحكومة وحلفاؤهم ينفسون عن العنصرية ويتابعون أعمالا تمييزية. لا رحمة حتى للدروز الذين تم تجنيدهم في الجيش مثل اليهود منذ العام 1948.

‎ثانيًا : لم يعد بإمكان إسرائيل أن تدعي أن الأمن هو سبب سلوكنا في الضفة الغربية وفي الحصار المفروض على قطاع غزة. لم يعد من الممكن بعد 56 عاما تفسير احتلالنا على أنه مؤقت، في انتظار حل الصراع مع الفلسطينيين.

نحن نتجه نحو الضم، مع دعوات لمضاعفة 500 ألف مستوطن إسرائيلي موجودون فعليا في الضفة الغربية. والجيش متواطئ بشكل كامل في الاستيلاء غير القانوني على الأراضي وإقامة البؤر الاستيطانية.

والحكومة تسيء استخدام ملايين الشواقل لصالح المستوطنين هناك. إنها تسيء استخدام قوانينها. والمستوطنون يقتلون الفلسطينيين ويدمرون المنازل والسيارات. ونادرا ما تتدخل المحاكم. والجنود يقفون ويتفرجون.

‎نحرم الفلسطينيين من أي أمل في الحرية والحياة الطبيعية. ونصدق ادعاءاتنا الخاصة بأن بضعة ملايين من الناس سيقبلون الدونية والقمع الدائمين بخنوع.

‎تدفع الحكومة إسرائيل أكثر فأكثر في سلوك غير إنساني وقاس يتجاوز أي إمكانية للدفاع عنه. لست مضطرا لأن أكون متدينا لأعرف أن هذه خيانة مخزية للأخلاق والتاريخ اليهودي.

‎في جنوب إفريقيا، تم استخدام عبارات لطيفة للقوانين المدمرة. تم فرض الفصل العنصري على الجامعات لتقييد وصول السود من خلال”قانون تمديد التعليم الجامعي.”تشديد “المرور”- الوثيقة التي كانت الوسيلة الأساسية للسيطرة على السود- تم تنفيذها من خلال “قانون إلغاء تصاريح المرور” (تنسيق المستندات)

‎يُستخدم مصطلح “الإصلاح القضائي” في إسرائيل لوصف تدمير الديمقراطية، بدءا بإنهاء المراجعة القضائية للسلطة التنفيذية والكنيست. ويقول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للاذاعات والتلفزيونات الأجنبية أن التغييرات صغيرة،وأن المعارضة سخيفة. ولا يشرح لماذا إذن هو وشركاؤه مصممون على شق طريقهم بلا رحمة، رغم المعارضة الهائلة واشتعال النيران في البلاد.

‎في جنوب إفريقيا ، أدى إلغاء حق المواطنين الآسيويين في التصويت إلى احتجاجات حاشدة قادها قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية. ألغت أعلى محكمة -دائرة الاستئناف – قانون التصويت باعتباره غير دستوري. استخدم القوميون أغلبيتهم في البرلمان لإنشاء محكمة عليا في البرلمان ألغت دائرة الاستئناف، وتم التخلص منها.فخسر المواطنون متعددو الأعراق والآسيويون حق التصويت.

‎نمت معارضة الفصل العنصري. سن الناتس، بأغلبية في البرلمان، قانون قمع الشيوعية، ومنح وزير العدل سلطة إصدار قرارات تعسفية تقيد بشدة الحريات الشخصية. وشملت العقوبات الإقامة الجبرية، وحظر التواجد مع أكثر من شخص واحد، وحظر الخطابة أو الكتابة. وبات ممكنا أن يصل الحكم على الجناة بالسجن لمدة خمس سنوات. كان الشيوعيون الهدف الأول، يليهم الليبراليون – حتى المتحمسون المناهضون للشيوعية – وأي شخص عارض الفصل العنصري بشكل سلمي أو عنيف. ثم جاء الاعتقال لمدة 30 يوما بدون محاكمة، والذي زاد إلى ثلاثة أشهر، ثم ستة أشهر، وأخيراً الاحتجاز بلا نهاية.

‎ وتم”منع” الآلاف واحتجازهم بدون محاكمة، وحكم عليهم بالسجن لمدد طويلة. ذهب الجيش والشرطة مرارا وتكرارا إلى بلدات السود المنفصلة وقتلوهم وعاملوهم بوحشية.

‎في إسرائيل، هناك حوالي 1200 فلسطيني من الضفة الغربية مسجونون بدون محاكمة. يداهم الجيش باستمرار بلدات الضفة الغربية، ويحدث الفوضى ويحتجز المزيد ممن يسميهم ارهابيون مشتبه بهم.

المآسي مستمرة

‎تحت ستار محاربة الجريمة في المجتمع العربي، يريد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قانونا يمنح الشرطة سلطة سجن الإسرائيليين دون تهمة أو محاكمة – وهي سياسة تمارس بالفعل في الضفة الغربية- .لقد حل بن غفير بالفعل محل قائد شرطة تل أبيب، الذي شجبه لكونه متساهلا للغاية مع المتظاهرين. وأكد أن فترة عمل رئيس السجون ستنتهي في نهاية هذا العام. ويقوم بفحص الترقيات والتعيينات في الشرطة والسجون. يريد “حرسا وطنيا” باهظ الثمن تحت سيطرته.

في جنوب إفريقيا ، قامت منظمة أفريكانية سرية ، Broederbond ، (Band of Brothers) ، بالإمساك بالخيوط من وراء الكواليس. وافقت على كل وظيفة ذات أهمية: مدراء المدارس والشرطة وكبار ضباط السجون والجيش وأعضاء الخدمة المدنية. وكانت شريكتها الكنيسة الإصلاحية الهولندية، التي توصف في الصلاة بالحزب القومي . أعلن قساوسة كالفيني والمحافظون أن الكتاب المقدس صحيح حرفيا ، وأنه يبرر الفصل العنصري وأن الأفريكانيون هم الشعب المختار الذي كانت مهمته إنقاذ “الحضارة البيضاء”. طبق الناتس “التربية الوطنية المسيحية” على المدارس. وتم السيطرة بإحكام على الراديو والتلفزيون. وفرضت الرقابة على الأفلام والمسرح. وحظرت آلاف الكتب باعتبارها “غير مرغوب فيها أو مرفوضة أو فاحشة”. وتم حظر الزواج عبر الألوان، وقسمت البلاد بأكملها بحيث يعيش الناس من أعراق مختلفة في مناطقهم الخاصة، أخذ البيض أكثرها وأفضلها. وتم إجبار ملايين الناس الملونين على الخروج من منازلهم.

‎في إسرائيل ، انضم الأرثوذكس المتشددون إلى الليكود والقوميين الدينيين لتأمين أموال غير محدودة لمدارسهم المنفصلة، ولإبقاء أطفالهم خارج الجيش، وفرض إملاءاتهم الدينية على الدولة بأكملها. إنهم يسيطرون على زواج اليهود وطلاقهم، ولا يسمحون إلا بالزواج الأرثوذكسي.

‎في جنوب إفريقيا، تم رفض المعارضة الدولية للفصل العنصري. أصبحت البلاد قطب العالم. ورُفضت إدانات الأمم المتحدة والمقاطعات وسحب الاستثمارات من قطاع الأعمال. غرق الاقتصاد. أخيرا، بعد تدميره ، لم يعد بإمكانه دعم الفصل العنصري، وكان هذا سببا رئيسيا لإجبار البيض على التخلي عن سلطتهم وامتيازاتهم في العام 1994.

‎في إسرائيل، يتم الإبلاغ عن نتائج هجوم الائتلاف على القضاء، ووعوده بالمزيد في المستقبل. بدأت الآثار الكارثية على الاقتصاد في الظهور بالفعل. تمنح الولايات المتحدة إسرائيل أكثر من 3.8 مليار دولار كل عام ، وتدافع عنا ضد الهجوم في المحافل الدولية سواء كان مبررا أو غير مبرر، نحن نعتمد على الولايات المتحدة من أجل البقاء، لكننا نفقد الدعم في الكونجرس. وقادة الائتلاف لا يأبهون بذلك. استقال المدير العام لوزارة التربية والتعليم احتجاجا على الإصلاح القضائي. تم تشويه القضاة ويريد الائتلاف إقالة المدعي العام. وتم تشويه رابطة المحامين. ويجري فرض السيطرة الصارمة على وسائل الإعلام. وفرض مراعاة يوم السبت بالإكراه. وتخضع الثقافة وحقوق المرأة للتقييد والرقابة. ويتم طرد البدو بشكل جماعي. ويطلق على المتظاهرين اسم الخونة.

‎نحن تحت رحمة الفاشيين والعنصريين الذين لا يستطيعون أن يتوقفوا ولن يتوقفوا.

‎أكتب عن جنوب إفريقيا وإسرائيل لأنني أعرف كل منهما ، 53 عاما في واحدة، وحوالي 26 عاما في الأخرى. لا يعتبر أي منهما فريدا. حدث نفس النمط من القمع اليميني في عصرنا في المجر وبولندا وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقبل ذلك في أوروبا في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.

‎أشهد الآن في إسرائيل الفصل العنصري الذي نشأت معه. تقدم إسرائيل هدية لأعدائها في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وحلفائها، خاصة في جنوب إفريقيا، حيث إنكار وجود إسرائيل مكثف بين العديد من السود، في النقابات العمالية والدوائر الشيوعية والإسلامية. سيستمر نشطاء حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في تقديم مزاعمهم ، من منطلق الجهل و / أو الحقد، لنشر الأكاذيب عن إسرائيل. لقد شوهوا منذ فترة طويلة ما هو سيء بالفعل ببشاعة، لكنهم الآن سيطالبون بالتبرئة. وإسرائيل تزودهم بالحقائق ..

‎بنيامين بوغروند ، المولود في جنوب إفريقيا، كان نائب رئيس تحرير صحيفة راند ديلي ميل في جوهانسبرغ ،هاجر الى إسرائيل لإطلاق مركز للحوار في القدس . حصل على الوسام الفضي من جنوب إفريقيا لخدماته للصحافة والأوساط الأكاديمية خلال الفصل العنصري.

المصدر:هآرتس

اقرأ أيضاً/ هل ثمة استراتيجية إسرائيلية جديدة حيال المسألة الفلسطينية؟