إبراهيم النابلسي.. الشهيد الذي نعى نفسه!

خاص مصدر الإخبارية – أسعد البيروتي
“أنا استشهدت يا إخوان” بهذه الكلمات نعى الشهيد إبراهيم النابلسي نفسه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، بعد إصابته برصاص الحقد الإسرائيلي خلال عملية عسكرية نفذها الاحتلال بمدينة نابلس.
رصاصٌ مسمومٌ استقر في جسد المقاوم ذو 18 عامًا، والذي كَبُر قبل الأوان، والذي ما إن فتّح عينيه على الدنيا حتى وجد نفسه يعيش في ظل احتلال يريد سلب كل شيء من الفلسطينيين حتى حقهم في الحياة.
ودّع “أبو فتحي” ألعابه والحلوى وخرج بقلبه الطفولي وعنفوان الفلسطيني ليقف أمام أعتى آلة حرب عرفتها البشرية جمعاء.
لم يُغيّر أو يُبّدل حمل البندقية وثأر لدماء رفقائه الذين شاركوه الحُلم والرغيف والطريق، وتسابقوا نحو الشهادة ليخلفهم بعد مسيرةٍ عُبّدت بالدم والعَرق موصيًا مَن بَعده “ما تتركوا البارودة يا اخوان وكملوا الطريق من بعدي”.
يُوافق اليوم الأربعاء التاسع من أغسطس/ آب الذكرى الأولى لرحيل أيقونة المقاومة في فلسطين الشهيد إبراهيم علاء عزت النابلسي، والتي تُمثّل تاريخًا لن يُسنى في مسيرة شعبنا ونضاله المستمر ضد الاحتلال الإسرائيلي.
يرى محللون أن استشهاد “النابلسي” شكّل انطلاقة جديدة نحو العمل المقاوم في الضفة الغربية المحتلة، خاصةً وأن هناك مُدنًا اشتعلت شرارتها بعدما كانت هادئة لسنواتٍ ففاجأت الاحتلال وأربكت حساباته وفاءً لدماء “إبراهيم” ورفاقه.
يقول والده: “إبراهيم مش ابني لحالي، ابن الشعب الفلسطيني كله، الله يرحمه صار أيقونة العمل المقاوم في الضفة الغربية”.
وفي الذكرى الأولى للاستشهاد يستذكر الأب “المكلوم” مناقب فَتَاهُ المُدلل ويستحضر لحظاته الأخيرة، ووصيته الغالية التي حفظها كل أطفال ومقاومي فلسطين.
يُضيف خلال حديثٍ لمصدر الإخبارية: “لم يكن يتوانَ لحظة عن مقارعة الجنود الصهاينة في كل ميدان ليترك بصمة “نابلسية” وفاءً لدماء أدهم مبروكة “الشيشاني” وأشرف المبسلط ومحمد الدخيل، معلنًا فجرًا جديدًا يشق النار من بين عينيه العازفتان لحن النصر والشهادة.
وتابع: “تربى إبراهيم في بيتٍ مناضل، تشرّب فيه حب الوطن والإخلاص في الانتماء إليه، وتأثر بالتجربة النضالية للعائلة، وسُجن لدى أجهزة أمن السلطة بتهمة تفجير عبوة بحاجز عسكري إسرائيلي على جبل جرزيم جنوب نابلس، ولهذا لم يُحالفه الحظ بإكمال تعليمه الجامعي”.
وأشار إلى أنه “رغم صِغر سِنه، إلا أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقلته في سجن “جنيد” بمدينة نابلس، وعانى من التعذيب والقهر، إلاّ أنه خرج أكثر إصرارًا على مواصلة طريق الجهاد والمقاومة حتى دحر الاحتلال”.
أبو فتحي!
وعن سبب كنيته بأبي فتحي، أوضح الوالد أن نجله كان “يحب نايف فتحي أبو شرخ قائد كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية الذي استشهد عام 2004، حيث تأثر بسيرته النضالية وسار على دربه حتى ارتقى شهيدًا على ذات الدرب”.
مكالمة مع المخابرات
يقول الوالد: “عند اغتيال رفاق إبراهيم الثلاثة، هدّد “ابني” ضابط المخابرات قائلًا، “سأنتقم لرفاقي، حيث تركت حادثة الاغتيال عند إبراهيم صدمةً نفسية كبيرة، ولم يكن يتمنى إلا اللحاق بهم، حيث امتشق سلاحه وشق طريقه حتى الشهادة”.
وأضاف: “كثيرًا ما كان يُهددوني ضُباط المخابرات الإسرائيليين للحديث مع إبراهيم ليترك المقاومة والعمل النضالي وإلّا سيتم تصفيته، وفي كل مرة كان يرد إبراهيم قائلًا، “يابا حتى لو فاوضوني لن أُسلم حتى ألقى الله شهيدًا”.
اللحظات الأخيرة
يستذكر والد إبراهيم النابلسي اللحظات الأخيرة لما قبل الاستشهاد عقب محاصرته في أحد المنازل بمدينة نابلس، حيث هاتف “أبو فتحي” عائلته وقال لوالده “أشهد ألا إله إلا الله، أنا متحاصر، ما تزعل ولا تبكي عليّ، أنا شهيد يابا”.
وأضاف، “كلّم والدته وقال لها أنا بحبك ماما، وحب الوطن من حبك، وحتى أنه بعث رسالة للمقاومة ولكل إنسان يحمل بندقية شريفة، أوصاهم بالحفاظ على البارودة وعدم ترك طريق المقاومة”.
وتابع، “أبني كان أيقونة فلسطين وأعاد النفس المقاوم للضفة الغربية، رأينا أبناء السادسة والسابعة يتغنون في إبراهيم النابلسي المقاوم، كان الجميع يدعو له مَن عرفه ومن لم يعرفه، لم يكن ابني وحدي، كان ابنًا الشعب الفلسطيني بأكمله”.
جهادٌ بالمال والنفس
يلفت الوالد خلال حديثٍ لمصدر الإخبارية إلى أن “نجله كان يشتري الرصاص على حسابه الشخصي، ليقاوم الاحتلال ببندقيةٍ شريفة، لإكمال طريق الجهاد، ووصى أصدقائه قبل استشهاده قائلًا، “بعرضكم حافظوا على البارودة”.
وأضاف، “إبراهيم مقاتل فلسطيني ضحى بحياته من أجل لا اله إلا الله، وتحرير الأسرى ومسرى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، حتى نال الشهادة مقبل غير مدبر، بعدما ألحق خسائر فادحة في الجيش الإسرائيلي، وبقي يُقاوم حتى الرمق الأخير”.
وختم: “رسالتي إلى كل حُر وشريف، عندما كان ابني إبراهيم يسمع طلقات المسلحين في الجنازات والأفراح، يقول “يا حرام يتركوا الاحتلال بدون مقاومة، ويضيعوا الرصاص هيك ببلاش، واحنا لما بدنا رصاص بندوق المُر لنحصله ونُواجه فيه الجيش”.
وصايا الشهداء يصونها الشرفاء
من جانبها، قالت والدة الشهيد إبراهيم النابلسي: إن “وصايا الشهداء يصونها الشرفاء، وهذا ما نراه اليوم من عملياتٍ انتقامًا لجرائم الاحتلال في جنين ونابلس والقدس وكل فلسطين”.
وأضافت خلال حديثٍ لمصدر الإخبارية: “استشهد نجلي إبراهيم لكنه ترك خلفه وصية لكل الأحرار أن حافظوا على البندقية من بعدي، وما نراه اليوم من عمليات فدائية هي الرد الفعلي على تنفيذ ما وصى به أبو فتحي”.
وتابعت: “الاحتلال زاد من طُغيانه بحق المقدسات والأسرى والنساء والأطفال والشيوخ، والجميع في دائرة الاستهداف الإسرائيلية، ما يتطلب تعزيز حالة الاشتباك مع الاحتلال في كل الساحات والميادين”.
وأكملت: “في كل يوم يُسخّر الله مقاومًا جديدًا للأخذ بثأر الشهداء، متمسكًا بوصية الشهداء متجاهلًا كل من ساوموا على حقوق شعبنا وفرطوا بالأرض والمقدسات”.
وأكدت على أن “النصر آتٍ لا محالة، بثقة المقاومين بنصر الله، وأن الاحتلال إلى زوال طالما الزمان أم قَصُر، مضيفةً: رسالتي إلى الشباب الثائرين الأحرار اصبروا وصابروا ورابطوا فإن النصر بات أقرب من حبل الوريد”.
وأردف: “اختارنا الله لنكون في خَط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى والأسرى، وحُقْ لنا كأهالي شهداء المضي بين الأُمم رافعي رؤوسنا عاليًا بما كرّمنا الله به وهو أنه اصطفى من أولادنا وخِيرة شبابنا من يحمل الراية ويُكمل المسير”.
الشهداء بيارق عز خفاقة
ولفتت إلى أن “الشهداء بيارق عز خفاقة وعالية، والوحدة عنوان النصر القادم، خاصةً وأن أصحاب البندقية الشريفة التي لا تُوجه إلا للاحتلال يُستشهدوا وهم يحملون هَمّ الوطن، على اختلافهم أعمارهم وأشكالهم وألوانهم، فهم مُوحدون أمام بطش الاحتلال وعدوانه الفاشي”.
واستطردت: “الجميع أحب إبراهيم لأنه كان وحدوديًا وطنيًا رُغم صِغر سنه، إلا أنه أبقى بندقيته شريفة، ولم يُوجهها إلا للاحتلال حتى يوم استشهاده، وترك في الشباب الثائر وصيةً خالدةً بألا يتركوا السلاح من بعده وله ما كان”.
واستتلت: “جميع الشهداء الذي ارتقوا برصاص الاحتلال كانوا يدعون إلى الوحدة الوطنية التي تُشكّل بريق النصر المرتقب الذي بات يلوح في الأفق رغم أنف الاحتلال واعتداءاته المستمرة بحق شعبنا”.
وختمت: “الشهداء يُباهون ملائكة السماء بأهاليهم في الدنيا وصبرهم واحتسابهم ورضاهم بما أصابهم من ألم الفراق ولوعته، لكن ما يُهون على النفس أنهم في مقعدِ صدقٍ عند مليكِ مُقتدر، وهم السابقون ونحن اللاحقون”.
جدير بالذكر أن يوم استشهاد إبراهيم النابلسي أصبح يُشكّل يومًا وطنيًا للكل الفلسطيني، بما يُجّدد العهد مع الشهداء بالحفاظ على إرثهم الذين تركوه للأجيال مِن بَعدهم وهو “البندقية”.