بقلم| ماهر شاويش.. الفن في مواجهة الأبارتهايد

أقلام _ مصدر الإخبارية
كتب ماهر حسن شاويش
استجابة لدعوة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني للمقاطعة الثقافية لإسرائيل، نتعهد بعدم الاستفادة من أي دعوة لتقديم عروض في إسرائيل، أو قبول أي تمويل من أي مؤسسة مرتبطة بحكومة إسرائيل، حتى يحين الوقت الذي تلتزم فيه إسرائيل بالقانون الدولي والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان “.
على هذا التعهد وبهذا النص وقّع أكثر من 140 فناناً إيرلندياً مطلع آب أغسطس من عام 2010 تلبية لنداء حملة التضامن مع فلسطين في إيرلندا (IPSC).
وفي آب (أغسطس) من العام الجاري 2023 وصل تعهد الفنانين الأيرلنديين” بمقاطعة “إسرائيل”إلى أكثر من 1500 توقيع.
الفن في مواجهة الأبارتهايد.
كيف ساهم أكثر من 1500 فنان إيرلندي في مقاطعة الاحتلال الاسرائيلي ثقافياً؟
وتم وصف هذا التعهد من قبل الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI) بأنه “مبادرة رائدة”، وقعها مئات من الفنانين الإيرلنديين المبدعين وغيرهم من العاملين في المجال الثقافي: الممثلين والروائيين والكتاب المسرحيين والشعراء والمصممين والملحنين والمغنين والراقصين والمهندسين المعماريين والرسامين والنحاتين والمخرجين .
وقد أكد هؤلاء الفنانون الموقعون أنهم يرفضون السماح باستغلال فنهم من قبل دولة فصل عنصري تتجاهل القانون الدولي والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان ، ويعتقدون أنه لا يمكن للثقافة أن تقف بمعزل عن أنشطة المقاطعة وبحسب ما صرّحوا ” سواء أكان الفن “فوق السياسة” أم لا ، فإن عرضه وتمثيله في العالم الحقيقي يمكن بسهولة أن تختطفه الدول القمعية. وبهذا التعهد ، تتاح لنا فرصة للنأي بأنفسنا عن هذا الاستغلال ، واتخاذ موقف نيابة عن الشعب الفلسطيني المضطهد.
المقاطعة الثقافية حلقة في سلسلة ممتدة
ما فعله الفنانون الأيرلنديون حقيقة يستحق التقدير والترحيب فهم يضعون بصمتهم في تاريخ حركة المقاطعة ، ويصدرون ” تعهد” على مستوى بلادهم بمقاطعة الفصل العنصري الإسرائيلي ، هذا التعهد لا يمثل فقط انتصارًا مهمًا للمسؤوليات الأخلاقية للشخصيات الثقافية العالمية ؛ بل هو عامل رئيسي في المقاطعة الثقافية لإسرائيل ، ويمثل استراتيجية رائدة في دعم النضال الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة.
وهو حلقة من سلسلة ممتدة في هذا المسار ففي السنوات القليلة الماضية ، خرج العديد من الشخصيات الثقافية العالمية لدعم المقاطعة الثقافية لإسرائيل.
فقد شهدت مدينة مونتريال الكندية مبادرة مثيرة للإعجاب في هذا الصدد ، حيث أصدر 500 فنان بيانًا يلتزمون فيه بـ “محاربة الفصل العنصري الإسرائيلي ودعوا جميع الفنانين والمنتجين الثقافيين في جميع أنحاء البلاد وحول العالم إلى تبني موقف مماثل في هذا النضال العالمي من أجل حقوق الفلسطينيين. ومع ذلك ، فقد رفع الفنانون الأيرلنديون مستوى التضامن من خلال ريادتهم بهذا العدد لموقف ثقافي على مستوى بلادهم يدعم مقاطعة “إسرائيل”.
وكذلك لايمكن فصل هذه الحملة عن حراكات أممية سابقة فهي مستوحاة من المقاطعة الثقافية لمناهضة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فقد اعتمدت دعوة المقاطعة الأكاديمية والثقافية الفلسطينية بالكامل على الضغط المعنوي، ومناشدة ضمير الفنانين المعنيين ومعجبيهم.
والأساس المنطقي وراء هذه الدعوة هو أن الأداء في دولة تمارس الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري، كما تفعل إسرائيل، لا يمكن اعتباره عملًا فنيًا بحتًا، ففي حالة وجود أي فعل من هذا القبيل.
وبغض النظر عن النوايا، فإن مثل هذا العمل هو شكل واعٍ من أشكال التواطؤ الذي تتلاعب به “إسرائيل ” في جهودها المحمومة لتبييض انتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي وحقوق الفلسطينيين.
ولأن هذه العروض الفنية في “إسرائيل ” تروج لموقف يعمل على تطبيع وتبرئة اسرائيل التي ارتكبت جرائم حرب باستمرار على مدى عدة عقود – في غزة والقدس والنقب وعلى امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فإن الفنان الذي يقدم عرضًا في “إسرائيل ” اليوم – تمامًا مثل أي فنان انتهك المقاطعة وقدم عرضًا في جنوب إفريقيا، خلال الفصل العنصري – ولا يمكن أن ينظر إليه من قبل الفلسطينيين وأصحاب الضمير في جميع أنحاء العالم إلا على أنه مدفوع بالربح والمكاسب الشخصية أكثر بكثير من المبادئ الأخلاقية.
ومع إدراك الفنانين أن مروجي الحفلات الموسيقية الإسرائيليين يقدمون مبالغ كبيرة من المال لجذب فناني الأداء الدوليين كجزء من الحملة التي تديرها وزارة الخارجية، والمصممة صراحة لإخفاء انتهاكات إسرائيل الإجرامية لحقوق الإنسان تحت ستار التألق الفني والعلمي والصورة المضللة للتميز الثقافي لكننا كفنانين موقعين على هذا التعهد نأمل أن يقاوم الفنانون الإغراء والتأكيد على أسبقية حقوق الإنسان والعدالة على المكافأة المالية.
وفي هذا السياق ، فإن الأثر الأساسي للمقاطعة في هذه المرحلة هو فضح “إسرائيل ” على أنها منبوذة، وزيادة عزلتها، وبالتالي رفع ثمن مظالمها ضد الشعب الفلسطيني، وتحدي التواطؤ الدولي في إدامة احتلالها وفصلها العنصري.
تنامي المقاطعة الثقافية وتأثرها بحركة BDS
لم تشهد حركة المقاطعة الأكاديمية والثقافية الفلسطينية تصعيدًا مستمرًا في المقاطعة الثقافية لإسرائيل مثلما حدث في العام ونصف العام الماضيين، منذ العدوان الإسرائيلي على غزة.
اليوم، يقوم فنانو الأداء الكبار بإلغاء الحفلات الموسيقية في “إسرائيل ” ومع هذا النمو والتصاعد في حركة المقاطعة الثقافية ، تظهر حركة المقاطعة BDS المزيد من الدلائل على قدرتها على تحويل الرأي العام الدولي إلى حد كبير بالطريقة التي أدت بها حركة سحب الاستثمارات إلى عزل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
وهذا يذكرنا في عام 1965 ، كيف رعت لجنة بقيادة جمعيات فنية بارزة ، إعلانًا تاريخيًا ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وقعه أكثر من 60 شخصية ثقافية في حينها وكان نصه :” نحن نقول لا للفصل العنصري. نأخذ هذا التعهد بعزم شديد على رفض أي تشجيع ، أو في الواقع ، أي ارتباط مهني مع جمهورية جنوب إفريقيا الحالية ، وذلك حتى اليوم الذي يتمتع فيه جميع شعبها على قدم المساواة بالمزايا التعليمية والثقافية لتلك الأرض الغنية والجميلة “.
قبل ذلك بعام ، في عام 1964 ، روجت الحركة الأيرلندية المناهضة للفصل العنصري لإعلان وقعه 28 كاتب مسرحي أيرلندي بأنهم لن يسمحوا لأداء أعمالهم أمام جماهير منفصلة في جنوب إفريقيا.
اليوم ، فتح الفنانون الأيرلنديون والكنديون الطريق لتحقيق نفس المستوى من الالتزام من الفنانين العالميين في عزل نظام الفصل العنصري في “إسرائيل”.
ومن دون شك تقف الغالبية العظمى من الشخصيات الثقافية الفلسطينية بقوة وراء الدعوة إلى المقاطعة الثقافية لإسرائيل، كما تفعل جميع المؤسسات والجمعيات الثقافية وغالبًا ما يعبر الفنانون الفلسطينيون عن الرأي السائد بأن الفنانين العالميين عليهم التزام أخلاقي بدعم المبادئ العالمية لحقوق الإنسان والعدالة من أجل المساعدة في إنهاء هذا الاضطهاد متعدد المستويات ضد الفلسطينيين.
وفي هذا الصدد فقد اتخذ الفنانون الأيرلنديون اليوم خطوة تاريخية في تعزيز الحركة التي من شأنها أن تمارس ضغطًا فعالًا على “إسرائيل ” وتحقق الحرية والعدالة.
و من أجل ذلك لابد أن نحيي هؤلاء الفنانين الأيرلنديين ذوي المبادئ الذين تمتعوا بهذا القدر من المسؤولية الأخلاقية وندعوا جميع فناني العالم أن يحذو حذوهم.
اقرأ أيضاً/ الكيان وكابوس وحدة الساحات والحرب متعددة الجبهات