كانت من المحرمات مناقشة إنهاء المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل.. أصبحت تحظى بشعبية متزايدة

أمير تيبون بن صموئيل – ترجمة غانية ملحيس:

ترجمة وتقديم لمقال مهم  لأمير تيبون بن صموئيل  نشر في صحيفة هآرتس الإسرائيلية  حول تنامي الجدل الداخلي الامريكي – الذي ظل على مدى عقود طويلة من المحرمات-بشأن المساعدات الامريكية لإسرائيل، وعدم اقتصاره على الجناح التقدمي في الحزب الديموقراطي، وامتداده إلى آخرين من كبار مؤيدي إسرائيل، بما في ذلك أعضاء في الحزب الجمهوري.

تجدر الإشارة إلى أن الأسباب الرئيسية للمناقشات المستجدة، لا صلة لها بتطور الموقف الامريكي من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي كما يحاول بعض الفلسطينين والعرب الترويج له. فلم يطرأ تحول على الموقف الامريكي الداعم للاحتلال الإسرائيلي والمعادي للحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة للشعب الفلسطيني في ارض وطنه. فذلك التطور رهن أساسا  بفعل فلسطينيي وعربي جاد ومؤثر ما يزال غائبا.

كما انه لا يتصل بالقيم الديموقراطية كما يروج، حيث يدرك صناع القرار الامريكي في كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري تعذر المواءمة بين اليهودية والديموقراطية، ويعلمون علم اليقين أن نجاح  وازدهار المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني  الإجلائي -الإحلالي يرتبط حكما بالتطهير العرقي والعنصرية.

وإنما يتصل أساسا بالقلق الامريكي والغربي عموما من التحولات البنيوية الجارية في المستعمرة الصهيونية، وتراجع الثقل الاشكنازي في البنية الديموغرافية ومراكز صنع القرار الإسرائيلي، وتنامي النزعة الاستقلالية لقوى الصهيونية الجديدة، وتأثير ذلك على دور إسرائيل الوظيفي الخاص في المشروع الإمبريالي العام.وتجرؤها على اللعب لحسابها والتمرد على رعاتها الامريكيين والغربيين، بالاعتماد على قوتها الذاتية العسكرية والاقتصادية الوازنة، وتطور علاقاتها مع الصين، والمراهنة ،أيضا، على النفوذ اليهودي والصهيوني العالمي.

عنوان المقال :”كانت من المحرمات،  مناقشة إنهاء المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل أصبحت تحظى بشعبية متزايدة“.

امتدت الدعوات لإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل إلى ما هو أبعد من الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي وتجري الآن مناقشتها في الأوساط الجمهورية.

كان نقاش الأسبوع الماضي في خدمة البث العامة/ PBS /سيعتبر شبه خيالي في الماضي. عندما واجه سفيرا أمريكيا سابقا في إسرائيل مسؤولا كبيرا سابقا في البيت الأبيض، وناقشا سويا ما إذا كان الوقت قد حان لوقف الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل.

أصبحت القضية التي كان يعتقد في السابق أنها تحظى بتوافق تام في السياسة الأمريكية موضوعا مثيرا للجدل، وتناقش بشكل متزايد في واشنطن.

فقد أعرب دان كيرتسر، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل بين عامي 2001 و 2005 خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، عن دعمه للفكرة. وقال إن إسرائيل لا تشارك الولايات المتحدة في القيم الديمقراطية، ثم إنها أصبحت راسخة بما فيه الكفاية، وقادرة على الاعتناء بنفسها.

ولم يعارض دينيس روس-الذي كان مسؤولا عن القضية الإسرائيلية الفلسطينية في عهد إدارة كلينتون في التسعينيات- تماما إجراء تغييرات على المساعدات الأمريكية لإسرائيل في المستقبل، لكنه حذر من أن الوقت ليس مناسبا لذلك، ويمكن أن يشجع أعداء إسرائيل على مهاجمتها بسبب ضعف الدعم الأمريكي.

كان هذا النقاش التلفزيوني جزءا من اتجاه بارز ظهر في الأسابيع الأخيرة، من نقاش عام في الولايات المتحدة بشأن استمرار المساعدة العسكرية لإسرائيل. مذكرة التفاهم بين البلدين، التي تم توقيعها في العام 2016، تضمن لإسرائيل 3.8 مليار دولار سنويا، إلى جانب دعم إضافي أثناء حالات الطوارئ ، مثل تجديد صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية. تنتهي الاتفاقية في العام 2026، ويقدر كبار المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين أن صياغة اتفاقية جديدة ستكون أكثر تعقيدا مما كانت عليه في الماضي.

لسنوات، كانت هناك أصوات في الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي تطالب بوقف المساعدات لإسرائيل، أو لاستخدامها كوسيلة ضغط لمطالبة إسرائيل بتجميد البناء الاستيطاني وإخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية، مع الالتزام بالمضي قدما في حل الدولتين. ومن بين أكثر المؤيدين لذلك صراحة في الكابيتول هيل السناتور بيرني ساندرز ، الذي قدم مؤخرا تعديلا يتصل بهذه القضية. ومع أن فرص تمريره تكاد تكون معدومة، لكن سفارة إسرائيل في واشنطن واللوبي الموالي لإسرائيل سيتابعونه بشدة لمعرفة ما إذا كان التأييد لهذه الفكرة ينمو ويصل إلى أجزاء أخرى من الحزب الديمقراطي.

تفقد هذه القضية مكانتها “المحظورة” في وسائل الإعلام الأمريكية، ويعترف كبار المسؤولين الإسرائيليين بأن معدل التغيير قد فاجأهم.

قبل أسبوعين، دعا مقال في النيويورك تايمز بقلم كاتب العمود الكبير نيكولاس كريستوف- الذي لا يكتب الكثير عن إسرائيل- صراحة إلى وقف المساعدات لإسرائيل. إلى جانب السفير السابق كيرتزر، تضمن المقال مقابلة مع مارتن إنديك، سفير سابق آخر في إسرائيل، والذي أيد الفكرة أيضا.

أوضح إنديك وكيرتزر أن هذه المساعدة لا تخدم حقا سياسة أمريكا الخارجية، لأن إسرائيل تأخذ المساعدات مع الاستمرار في تجاهل المطالب الأمريكية. قال كلاهما إن إسرائيل دولة قوية وغنية وأن الوقت قد حان “لفطمها” عن المساعدات الأمريكية.

ومع ذلك، لا يدافع كيرتسر وإنديك عن قطع المساعدات كإجراء عقابي، وبدلا من ذلك، يقترحان استبدالها باتفاقات ثنائية تضمن لإسرائيل إمكانية تحقيق ما تريده. يعمل هذا على أساس الاعتقاد بأن على إسرائيل أن تتخذ قراراتها الاستراتيجية دون أن تشوه المساعدات الأمريكية خياراتها.

بعد أسبوع كان هناك مقال آخر حول هذا الموضوع، والذي صدم اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. جاءت الدعوة لتهديد إسرائيل بوقف المساعدات الأمريكية هذه المرة من الجانب الجمهوري. كتب توم روغان، المحلل الدفاعي على موقع واشنطن إكزامينر المحافظ، أن الحزب الجمهوري هو الذي يجب أن يستخدم المساعدة العسكرية كوسيلة للضغط على إسرائيل من أجل ردعها عن الاقتراب من الصين، أهم منافس حاليا لأمريكا. وأشار روغان إلى إيماءات رئيس الوزراء نتنياهو العلنية لبكين، بما في ذلك صورة وزعها مكتبه قبل أسبوعين، تظهر نتنياهو وهو يحمل كتابا جديدا للرئيس الصيني شي جين بينغ.

كتب روغان أنه حتى لو كان لنتنياهو أسباب مشروعة لمواجهة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فليس لديه سبب لإهانة رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفين مكارثي. وأكد أن مكارثي، حذر في خطابه في الكنيست- خلال زيارته لإسرائيل في أيار/ مايو / الماضي- من الاقتراب من الصين. وأضاف روغان: يبدو الآن أن نتنياهو لم يستجب لهذا التحذير، وبدلا من ذلك حاول الضغط على الولايات المتحدة من خلال الإشارة إلى تقارب محتمل مع الصين. وكتب: “لا ينبغي للولايات المتحدة أن تتسامح بصمت مع موقف نتنياهو”، مضيفا أنه “يجب على الجمهوريين أن يوضحوا لنتنياهو أنه يخاطر بالكثير بغطرسته الكئيبة”.

قال مسؤول إسرائيلي كبير على علاقة مع الولايات المتحدة لصحيفة “هآرتس” إن مقال روجان أثار مناقشات في إسرائيل. وهذا يضيف إلى عملية أوسع لتبني موقف انعزالي بين الجمهوريين، والذي تم التعبير عنه جزئيا على أنه انتقاد من قبل العديد من الجمهوريين لمساعدة إدارة بايدن لأوكرانيا.

بينما يغير الديمقراطيون رأيهم بشأن مساعدة إسرائيل على وجه التحديد، فإن للجمهوريين جناح كبير لديه معارضة كاسحة للمساعدات الخارجية. والنتيجة هي نفسها: سيكون من الأصعب توقيع مذكرة في العام 2026 تشبه تلك التي وقعناها في العام 2016 “.

ومنذ ما يقرب من أسبوعين، انضم المحلل الكبير في واشنطن بوست ماكس بوت إلى الأصوات التي دعت إلى وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل. لطالما اعتبر بوت مؤيدا جدا لإسرائيل، وكان منتقدا لاذعا لسياسة إدارة أوباما تجاه إسرائيل في 2009-2017. وعارض الاتفاق النووي مع إيران، وأثنى على نتنياهو لحملته ضد الرئيس الديمقراطي بشأن هذه القضية. والآن يبدو مختلفا تماما. وقال إن إسرائيل أصبحت حليفا غير ليبرالي يصعب الحفاظ عليه، واصفا إياها بـ “هنغاريا الشرق الأوسط”. وقال إن هناك منطقا في البدء بقطع تدريجي للمساعدات لإسرائيل، حيث لا يتعين على الولايات المتحدة تمويل سياسات تتعارض مع قيم العديد من الأمريكيين.

وأعرب بوت عن دعمه للحركة الاحتجاجية في إسرائيل، قائلا إن المتظاهرين في الشوارع أعطوه الأمل في المستقبل. وأضاف بشكل أكثر رصانة أن إسرائيل-التي زارها عدة مرات – لم تكن الدولة التي وقع في حبها قبل أربعة عقود. وقال إنه مثل العديد من الأمريكيين، لم يعد قادرا على دعمها دون قيد أو شرط ، كما فعل في الماضي.

كما اتخذ كبير المعلقين في الشؤون الخارجية ديفيد روثكوف، الذي يعتبر مقربا من إدارة بايدن، موقفا مشابها. وفي اليوم الذي وافق فيه الكنيست على القانون الذي يلغي استخدام شرط المعقولية في المراجعات القضائية ، كتب أن العلاقات الخاصة بين البلدين قد انتهت، وأن على الولايات المتحدة النظر في إنهاء مساعدتها العسكرية المكثفة لإسرائيل. وقال إن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة، وأن قضم الشفتين في وجه التطرف الإسرائيلي سياسة فاشلة.

على المدى القريب، لا يُتوقع أن تؤثر هذه الأصوات على حجم المساعدات الامريكية المقدمة لإسرائيل حتى العام 2026. كما ان احتمالات قطع إدارة بايدن لهذه المساعدات قبل 18 شهرا من الانتخابات التي يريد بايدن خوضها ضئيلة للغاية. وقد أعرب في عدة مناسبات إنه يعارض ذلك، وأعربت وزارة الخارجية عن موقف مماثل قبل أسبوع ونصف. غير أن القلق الرئيسي في إسرائيل يتعلق بالمستقبل، في المقام الأول فيما يتعلق بالمحادثات المتوقع إجراؤها في العام 2026.

أصبح التوتر الاجتماعي والسياسي في إسرائيل في الأشهر الأخيرة- على خلفية إضعاف القضاء- أيضا جزءا من الجدل الداخلي في واشنطن. وقال المسؤول الإسرائيلي الكبير الذي تحدث لصحيفة “هآرتس” إن أعضاء الكونجرس الأمريكيين الذين زاروا إسرائيل وتم إطلاعهم على ميزانية الدولة في أيار/مايو/ الماضي أدرجوا في أسئلتهم الأولويات التي حددتها الحكومة فيما يتعلق بالمساعدات القادمة من واشنطن.كان الأمر مهذبا للغاية، لكن الرسالة كانت واضحة. نرسل لكم الأموال من أجل تمويل الأمن ، ثم نجد أنكم تستثمرون المليارات في قضايا تتعارض مع قيمنا. قال هذا المسؤول: “سيكون من الصعب تجنب هذا النقد لفترة طويلة”.

اقرأ أيضاً: عن «عين الحلوة»