تغير لافت في الموقف الاسرائيلي من النووي السعودي…التداعيات المحتملة للتطبيع فلسطينيا

تقدير موقف: أمير مخول
أعلن تساحي هنغبي رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي يوم الاثنين 31 يوليو\ تموز، بأن اسرائيل لا تمانع قرارا امريكيا يتيح للسعودية المضي قدما نحو اقامة مفاعل نووي لأغراض مدنية. أضاف ثمة في منطقتنا، كل من مصر والامارات تمتلكان مفاعلا كهذا. جاءت اقوال هنغبي في إطار مقابلة على قنال “كان ب”.
التحليل:
– تروّج المصادر الإسرائيلية المختلفة الى ان أحد الشروط السعودية لفتح كل قنوات التعاون مع واشنطن بما فيها ملف العلاقات السعودية الإسرائيلية يتصل بالملف النووي، تنقيبا وتصنيعا للأغراض المدنية المختلفة.
– الشرط السعودي الاخر وفقا لتلك المصادر، هو مصادقة الادارة الامريكية على صفقة اسلحة تشمل الطائرات والاسلحة الاكثر تطورا، وهو ما عارضته الحكومة الاسرائيلية في اخر تصريحات لوزرائها في هذا الصدد في ايار الماضي.
– اما الاتجاه الثالث وفقا للإسرائيليين والامريكيين فهو قيام اسرائيل بخطوات “ملموسة وجوهرية تضمن امكانية حل الدولتين مستقبلا” قبل التقدم نحو التطبيع مع إسرائيل. بينما تدرك ادارة بايدن ان من شأن هذا البند ان يجعل حكومة نتنياهو تسقط بسبب حلفائه من تيار الصهيونية الدينية والقوة اليهودية.
تدرك الادارة الامريكية استحالة التوصل الى اتفاق إسرائيلي سعودي يكون مؤسسا على البنود الرئيسية اعلاه، في ظل الائتلاف الحالي في اسرائيل. وباتت تدفع بشكل علني نحو اقامة حكومة وحدة قومية بانضمام حزبي “يوجد مستقبل” و”المعسكر الرسمي” وفك الائتلاف مع حزبي تيار الصهيونية الدينية، ليتعزز بتصريحات وزير الحرب غالانت عن استعداده للتنازل عن منصبه لصالح ائتلاف بديل، بينما يرفض كل من لبيد وغانتس هذا الخيار بالانضواء تحت حكومة برئاسة نتنياهو. في حين يعوّل المعلقون الاسرائيليون على أنه سيكون من الصعوبة بمكان رفض لبيد وغانتس الانصياع لدعوة امريكية مباشرة لهم بهذا التوجه، او ان يشكلا عقبة امام التطبيع مع السعودية والذي تعتبره المعارضة كما نتنياهو انجازا استراتيجيا عظيم الاثر فيما لو تحقق.
من شأن نجاح الإدارة الامريكية احداث اختراق في هذا الملف، بانضمام لبيد او غانتس او كليهما للحكومة وبالتالي احداث اختراق استراتيجي مع السعودية بما تعنيه من أبعاد عربية وإسلامية، لكنه في ذات الوقت يمكن ان يؤدي الى انقسام في حركة الاحتجاج الاسرائيلية، والتي تعتبر نفسها كما يؤكد ذلك ايهود باراك بأنها هي “الدرع الواقي للدمقراطية الاسرائيلية”، بصرف النظر عن موقف حزبي اليمين الوسط المعارضين للحكومة.
البعد الاخر لتشكيل حكومة “وحدة قومية” هو التراجع عن خطة الحكومة الحالية لضم أراض في المناطق المحتلة عام 1967 وقوننة البؤر الاستيطانية والذي يشكل جزءا جوهريا من خطوطها العريضة والاتفاقات الائتلافية التي تقوم عليها. كما من شأنه ان يوفر المساحة لتحرك السلطة الفلسطينية وتوسيع نطاق فاعليتها في الضفة الغربية بعد فك الحصار عنها والذي اعلنته الحكومة الحالية ماليا واقتصاديا وأمنيا وسياسيا. في المقابل من شأن ائتلاف “وحدة قومية” ان يدفع نحو التصعيد على الجبهة الشمالية مع حزب الله من جهة، وضمن مسعى لترميم الردع الاسرائيلي المتآكل، وعلى الجبهة مع قطاع غزة ، وهو التوجه الذي يتمسك به غانتس الذي من المتوقع ان يتبوأ وزارة الامن في حال قيام حكومة وحدة قومية، كما انه يتماشى مع الرؤية الامريكية.
إن هذا السيناريو لا يغير جوهريا من معادلة استفادة إسرائيل من حالة الانقسام الفلسطيني والاستثمار فيها واستغلالها لما يبدو لصالح هذا الطرف الفلسطيني او ذاك، بينما المسعى الاسرائيلي الامريكي الحالي هو العودة الى “ادارة الاحتلال” في مقابل توجه سموتريتش وبن غفير وأطراف قوية في الليكود نحو “معركة الحسم” وانهاء قضية فلسطين.
على المقلب الاخر تشهد الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية هجوما احتلاليا ممنهجا على مخيمات اللاجئين والذي لم يتوقف عند العدوان على مخيم جنين مؤخرا بل وهناك استهداف واضح للمخيمات في نابلس وطولكرم واريحا ورام الله وبيت لحم والخليل، كما تشهد الحالة الفلسطينية توترات داخلية قد تصل الى حد الاقتتال الداخلي تخدم في نهاية المطاف المساعي الاسرائيلية للقضاء على قضية اللاجئين وعلى المخيمات وعلى وكالة غوث اللاجئين، وهي في مجموعها تشكل تحديات ملحّة تتطلب توافقا فلسطينيا لحلها.
خلاصة:
• يبدو ان اتفاقا اسرائيليا سعوديا تسعى اليه ادارة بايدن لا يزال بعيد المنال من جهة الساعين له، ولا يتجاوب الموقف الإسرائيلي او الامريكي مع الحد الادنى مع “مبادرة السلام العربية” التي صاغتها السعودية قبل عقدين من الزمن.
• لا توجد سيناريوهات واعدة للفلسطينيين جراء تداعيات الحالة الاسرائيلية، بل ستبقى الرؤية الاسرائيلية القائمة على الاستفادة من حالة الانقسام الفلسطيني.
• الموقف الامريكي لا يدفع بشكل فعال لقيام دولة فلسطينية، بل الى ابقاء امكانية حل الدولتين حيا ، دون تصريح واضح بشأن قرارات الشرعية الدولية ، وهو يعني الابقاء على معادلة “ادارة الصراع” و”ادارة الاحتلال”. بينما حكومة وحدة قومية من المتوقع ان لا تخرج عن سياسة الحكومة السابقة بقيادة لبيد وبينيت، بل قد تكون أكثر عدوانية سواء تجاه الفلسطينيين ام اقليميا. اذ ستحظى بدعم دولي واسع.
• فلسطينيا، ينتظر من قيادات العمل الوطني الفلسطيني، ومن النخب السياسية والفكرية الفلسطينية، ان تقوم بتقديم قراءة متأنية للواقع الاسرائيلي المأزوم بما يحمله من مخاطر على الفلسطينيين وفرصا لهم. وما يترتب على هذه القراءة من إعادة صياغة اشكال العمل الفلسطيني المقاوم للاحتلال على الصعد المختلفة.
(مركز التقدم العربي للسياسات)