الحكومة في غزة وفعل النعامة في مواجهة الاحتجاجات المطلبية

مقال- سمير زقوت
يشاع عن النعامة أنها تدفن رأسها في التراب عندما تواجه خطراً وهذا قد لا يكون حقيقياً، لكنه أصبح مثلاً لمن لا يريد أن يرى الحقائق على الأرض.
وفي اعتقادي هذا هو فعل حركة حماس ولجانها ودوائرها الحكومية في التعامل مع الواقع في قطاع غزة، ومحاولة تصوير كل فعل احتجاجي مطلبي على أنه مدفوع بمحاولة أطراف سياسية مختلفة للنيل من حكمها في غزة، وإن كان هناك من يحاول أن يستغل الظروف في غزة وحاجة الناس، ويحاول أن يمتطي موجة أي فعل احتجاجي، فإن هذا الاستخلاص خاطئ من وجهة نظري والركون إليه يعفي القائمين على الحكم من إعادة النظر في سياساتهم.
صحيح أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي بالغ التعقيد في قطاع غزة، وتدهور الأوضاع أساسه الاحتلال وحصاره ومجمل سياساته العنصرية ضد قطاع غزة وسكانها، وصحيح أيضاً أن الحكومة في رام الله تتحمل جزءا من المسئولية عن هذا الواقع وأن الانقسام واستمراره يدفعان لمزيد من تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، لكن الصحيح أيضاً أن حركة حماس تتحمل مسئولية كبيرة، فهي لم تتبع منهجاً اقتصادياً واجتماعاً يتناسب مع شعاراتها السياسية في المقاومة والتحرير، لأن أبسط مقومات التحرير هي تعزيز صمود الإنسان على أرضه، وأن لا يُدفع لهجرة غير شرعية، أو يصبح صيداً سهلاً لأجهزة المخابرات الإسرائيلية وغيرها، وأمام الفقر تضعف الحصانة الوطنية، وهناك نماذج كثيرة تعرفها دوائر الحكم في غزة.
فلننظر مثلاً إلى مشكلة الكهرباء وإدارتها، فشركة التوزيع تزعم دائماً أن حجم الجباية لا يتجاوز 30٪ من حجم الفواتير المستحقة للشركة، وكان هذا أمر لا يشكك فيه أحد، ولكن بعد إعلان شركة التوزيع في بياناتها الرسمية عن ارتفاع عدد المشتركين بعدادات مسبقة الدفع إلى 138,095 مشترك، وتحصيل كامل الفاتورة من آلاف السكان، بل وإرغامهم على دفع 25٪ من قيمة الديون المتراكمة عليهم دون النظر للحالة الاجتماعية والاقتصادية.
وفي عام 2023 أرغمت الشركة مئات آخرين من السكان على العداد مسبق الدفع الذي قُدم مجاناً من قبل الشركة.
وبعد ذلك، طبقت الشركة خدمة التزويد بـ 2 أمبير بقيمة تبلغ ثلاثة أضعاف قيمة الكيلو وات العادي، وطبقته على كل المشتركين في العداد الذكي مسبق الدفع دون اعتبار لرأيهم.
وبدأت الشركة تفصل الكهرباء طوال ساعات القطع عن المناطق المستفيدة من خدمة 2 أمبير فيُحرم غير المشتركين بالخدمة من فرصة عودة التيار الليلية، وبالتالي تتضاعف معاناة الفقراء، فيما المقتدرون لديهم بدائلهم.
كما أن تبرير البلديات لانقطاع المياه وعدم قدرتها على التزويد المتلازم للمياه في وقت وصول الكهرباء للمناطق هو فترات انقطاع الكهرباء الطويلة وعدم انتظامها، وهذا كله ضاعف من معاناة المواطن الذي لم تنخفض قيمة فاتورة استهلاكه، على رغم تحمل دولة قطر دفع ثمن سولار تشغيل محطة التوليد.
هل تتوقع سلطة الطاقة والحكومة في غزة أن هذه الممارسات لا تلفت انتباه المواطن الذي يعاني الأمرّين، وتجعله يشعر أن جزءاً كبيراً من الأزمة عنوانه تعظيم الجباية على حساب مضاعفة معاناته، فكيف لا يغضب؟
مثال آخر هو المخططات الهيكلية التي تمس مصالح المواطنين في شكل مباشر وتسببت في وفاة المواطن شادي أبو قوطه (48 عاماً) تحت أنقاض جدار منزله الأسبوع المنصرم، على رغم أنني سبق وأن كتبت مقالاً حول فلسفة تخطيط المدن وأعداد مخططات هيكلية وكيف أنها تختلف في غزة بالنظر للمعطيات الموضوعية، لكن لا أحد يسمع، ولأن تطبيق ما لا يُرضى الناس يتم بالقوة والجرافة ولا سبيل أمام المواطن للانتصاف، يواصل الحاكم دفن الرأس في التراب.
بل إن بعض أركان الحكم لا تُلقي بالاً لشكاوى المؤسسات الحقوقية، وبعضها يرفض المشاركة في لقاءات مع الجمهور، ولا يمكن لمن يؤدي واجبه على الوجه الأكمل أن يخشى مواجهة الجمهور، ليفهم أوجه معاناتهم ويبُرر أسباب عدم قدرة وزارته على حل المشكلات، بل إن الحكومة في غزة ترفض الإفصاح عن موازناتها في إصرار على فتح الباب واسعاً للإشاعات حول حجم الجباية في ظل تردي الخدمات.
إن التاريخ الإنساني زاخر بالتجارب التي أنهت حكم الاستبداد، فالحكم المستبد سيأتي وقت ينهار فيه مهما بلغت قوته، ما لم يستند إلى أساس متين من رضى الناس وشعورهم بأن الحاكم يسعى لتحقيق أمنهم الإنساني من مأكل ومشرب وملبس ويحفظ كرامتهم قبل أن يحفظ أمنهم الشخصي.
إن دفع شارع مقابل شارع لفض اعتصام احتجاجي وصفة لتعميق الفجوة بين المواطن والسلطة، وليس العكس، بل وتعميق الانقسام بين الناس وعدم اقتصاره على السياسيين والأحزاب.
إن التعامل مع الحراك الاحتجاجي بمنطق القمع إنما يخالف القانون ويخالف من حيث المبدأ فكرة المشروعية الشعبية في الحكم، فالاحتجاج السلمي حق للمواطن، وواجب على الحاكم، إذا كان يحترم القانون ويسعى إلى تعزيز حرية شعبه وكرامته، أن يحميه، وأن يلتقط الرسائل من وراء الحراك ويعيد النظر في سياساته وأثرها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لا أن يرتاح لفكرة شيطنتهم وكونها ضد المقاومة فهو بهذا الفعل لا يختلف عن فعل النعامة.