ما الذي يمنع السكان العرب بالداخل المحتل من الانضمام إلى الاحتجاجات ضد الثورة القانونية؟

المصدر: معهد دراسات الامن القومي الإسرائيلي
ترجمة: عزيز حمدي المصري
أثارت المشاركة المحدودة للعرب في المظاهرات ضد الثورة القانونية الوشيكة مناقشات وتحليلات، مما أثار تساؤلات حول أسباب ذلك، بما يتجاوز الأسباب الواضحة المعروفة، بما في ذلك اللامبالاة والاغتراب. تساعد الرؤى التي نشرها باحثو المعهد الوطني للإحصاء في مقال نشر في 3 أبريل 2023 بعنوان “لماذا لا يندمج المواطنون العرب في الاحتجاج العام ضد الحكومة؟” على تسليط الضوء على هذه القضية، التي وفقا للمقال، ستضر بالمصالح الأساسية للقطاع العربي في إسرائيل، وقد تضر حتى بهدفه المتمثل في ترسيخ نفسه كأقلية كبيرة في البلاد. تشير نتائج المقال إلى أن خيبة الأمل المتزايدة فيما يتعلق بالحكومة الإسرائيلية وانخفاض الثقة في المحكمة العليا قد تسبب في شعور بعض المواطنين العرب بخيبة الأمل والابتعاد عن دولة إسرائيل، مما يزيد من عزوفهم عن المشاركة في المظاهرات.
هذه التقييمات صحيحة بلا شك، لكن الفحص الدقيق يكشف أنه بالإضافة إلى ذلك، يواجه المواطنون العرب أيضًا تساقطًا غزيرًا وتحديات وتحفظات أخرى تمنع مشاركتهم النشطة في الاحتجاجات. يسعى هذا المقال إلى التعمق أكثر في الأسباب الكامنة وراء ما يبدو أنه تناقض واضح: الغياب الملحوظ للمواطنين العرب عن التظاهرات، في نفس الوقت الذي يدركوا فيه أهمية التمثيل العربي. إن التعمق في هذا التناقض سيساعد على فهم العوامل التي تؤثر على المشاركة العربية (أو عدم المشاركة) في التظاهرات.
أظهر استطلاع للرأي العام أجري في نهاية شباط/فبراير 2023، أجراه مركز الأبحاث الفلسطيني مدى الكرمل في حيفا، وجهة نظر المواطنين العرب في إسرائيل بشأن المظاهرات. من بين المشاركين، أعرب 57 % عن دعمهم لمشاركة المواطنين العرب في المظاهرات، مما يعكس اعتقادهم بأن خطة وزير العدل ياريف ليفين تشكل خطرا محتملا على النظام القضائي. في المقابل، عارض 27% من المشاركين المشاركة العربية. كما كشف الاستطلاع أن 12% من المشاركين فضلوا أن ينظم السكان العرب مظاهراتهم الخاصة في المدن العربية. إن مفهوم أن خطة ليفين سيكون لها تأثير شامل على النظام القانوني يثير شعورا بالإلحاح بين المواطنين العرب، كما يمكن أن نستخلص من نتائج استطلاع مدى الكرمل، الذي يظهر أن معظم المجيبين يدعمون، نظريا على الأقل، المشاركة العربية في الاحتجاجات.
ومع ذلك، تشير النتائج إلى أن الرغبة في المشاركة العملية معتدلة بسبب التحفظات أو الخيارات البديلة، مثل تنظيم احتجاجات منفصلة في المدن والقرى العربية. الفجوة بين الاعتراف بأهمية المشاركة والمشاركة الفعلية واضحة للعيان، حيث أجاب أكثر من 53 بالمائة من المستجيبين بأنهم لن يشاركوا بالفعل.
ويمكن أن تعزى هذه المواقف إلى مجموعة متنوعة من العوامل. أولا، إن المسافة المادية بين أماكن الاحتجاج والمجتمعات العربية عامل هام يعوق المشاركة العربية. وبينما كانت هناك مظاهرات منتظمة في حيفا وغيرها من المجتمعات الشمالية، فإن أكبر الاحتجاجات تجري في تل أبيب، بعيدا عن المراكز السكانية العربية في إسرائيل، والتي تقع في شمال البلاد. وتطرح الفجوة الجغرافية صعوبات عملية في قدرة المواطنين العرب على المشاركة في الأحداث. وتشكل صعوبات النقل واللوجستيات حواجز كبيرة في هذا الصدد. وتجدر الإشارة إلى أن 12 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أعربوا عن رغبتهم في أن ينظم العرب الإسرائيليون مظاهراتهم الخاصة في المجتمعات العربية. إن المزيد من الاحتجاجات التي سيتم تنظيمها بالقرب من المجتمعات العربية ستساعد في التغلب على هذه المشكلة.
ثانيا، يبدو أن الغياب الواضح لمشاركة اليهود في الاحتجاجات العربية التي اندلعت في إسرائيل في عام 2021 في أعقاب النزاع حول قضية الشيخ جراح، ساهم أيضا في حقيقة أن المواطنين العرب في إسرائيل لا يريدون الانضمام إلى المظاهرات الآن. كان الشعور بالعجز بين المواطنين العرب واضحا بشكل خاص خلال اندلاع أعمال الشغب في “حارسالجدار” في مايو 2021 في المدن المختلطة – حيفا ويافا واللد. وعلى الرغم من خطورة الوضع والمشاركة النشطة للمواطنين العرب، لم ينضم سوى عدد قليل من المواطنين اليهود. وقد أدت المشاركة اليهودية الضئيلة إلى تفاقم مشاعر اليأس والعجز بين السكان العرب، وعززت التصور بأن نضالهم لا يتم التعامل معه بأهمية. في ضوء ذلك، يمكن الآن تفسير عدم مشاركة المجتمع العربي على أنه وسيلة “لسداد” اليهود الإسرائيليين مقابل غيابهم عن احتجاجات عام 2021.
علاوة على ذلك، هناك شعور متزايد بالغربة بين المواطنين العرب تجاه الاحتجاج العام، والذي ينبع من الاعتقاد بأن الديمقراطية في إسرائيل لا تخصص مكانًا للعرق العربي. عندما يتعلق الأمر بالمظاهرات، فإن هذا التصور يعززه عدم تشجيع منظمي التظاهرات أنفسهم على المشاركة العربية. تكشف البيانات من مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية لعام 2022 عن زيادة في الشعور بالتهديد الذي يشعر به المواطنون العرب في إسرائيل من المؤسسات والأعراف الديمقراطية في البلاد – من 41 % في عام 2017 إلى 55 % في عام 2022. ويوضح البروفيسور سامي سموحة أن “يمكن تلخيص الهموم القومية للعرب على أنها مشكلة تمييز وإقصاء مؤسسي واجتماعي، وشعورهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية”. ينبع الشعور بالاغتراب من الانفصال الملحوظ بين المثل الديمقراطية التي يعلنها النظام والواقع الذي يعيشه المواطنون العرب. والنتيجة تلقي بظلال من الشك على مدى اعتبار مصالحهم بالفعل ضمن النسيج الديمقراطي الواسع للبلاد.
وأخيرا، تؤثر قضية الأمن الشخصي أيضا على اعتبارات المواطنين العرب فيما يتعلق بالمشاركة في الاحتجاجات. تم توثيق الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين ضد الثورة القانونية بشكل جيد في الأسابيع التي تلت بدء الاحتجاجات. هناك قلق مشروع بين المتظاهرين العرب من أنهم سيواجهون موقفا أكثر جدية من جانب أجهزة إنفاذ القانون من نظرائهم اليهود. وقد اعترف العرب الإسرائيليون بذلك بأنفسهم، حيث أبلغوا عن الخوف من استخدام اللغة العربية أو “شعاراتهم” خوفا من أن يتم وضع علامة عليهم كأهداف واضحة لضباط الشرطة الإسرائيلية. إن الخوف من العنف أو إمكانية الانتقام يدفع عرب إسرائيل إلى وضع أمنهم الشخصي قبل الحق في التعبير السياسي، والامتناع عن المشاركة الفعالة في المظاهرات.
تساعد هذه العوامل على فهم المشاركة العربية المحدودة في الاحتجاجات ضد مشاريع القوانين التي ستؤدي إلى ثورة قانونية. الاستجابة لهذه المخاوف والتحديات ضرورية، إذا كانت هناك رغبة في تعزيز الاندماج والتأكد من أن أصوات ومصالح المجتمع العربي سيتم تمثيلها بشكل مناسب في النضال المحيط بالتغييرات في النظام القانوني، من أجل التغييرات الاجتماعية المعنية. على العرب في إسرائيل أن يدركوا أن الإجماع بين المحتجين على الثورة القانونية هو أن المستوطنات في الضفة الغربية والاحتلال ليسا بؤرة الاحتجاجات في الوقت الحالي. لذلك، عند اتخاذ قرار التظاهر، سيُطلب من المواطنين العرب في إسرائيل توضيح موقفهم من قضيتين: أولاً، ما هي الأهداف الرئيسية التي تحفزهم؟ ثانيًا، كيف سيتمكنون من العمل مع المحتجين اليهود ومع العناصر الأكثر تقدمية في المجتمع الإسرائيلي لتحقيق هذه الأهداف بأكثر الطرق فعالية.
لن يكون من الصواب تفسير المشاركة المحدودة للمواطنين العرب في الاحتجاجات ضد الثورة القانونية على أنها جهل سياسي أو لامبالاة. وبدلا من ذلك، هناك مجال للتفسير نتيجة للتفاعل المعقد بين عوامل متعددة. إذا كانت دولة إسرائيل تريد حقا الرد على غياب التمثيل العربي في المظاهرات، فعليها أن تتبنى مقاربة حوار شامل، يأخذ فيه الصوت العربي مكانه، ويعالج مشاكل العرب المحددة. في الوقت نفسه، من خلال اتخاذ قرار التظاهر، يجب على المواطنين العرب في إسرائيل أن يحددوا بوضوح أهدافهم وكيف يمكنهم تحقيقها داخل مؤسسات الدولة القائمة ومع المواطنين اليهود في إسرائيل. بطبيعة الحال، ستؤدي المشاركة المتزايدة للعرب الإسرائيليين في المظاهرات إلى نظام ديمقراطي أكثر شمولا في إسرائيل. وسيتطلب تحقيق هذا الهدف بذل جهود متضافرة تركز على تشجيع التماسك الاجتماعي والنهج المتكافئ للجميع، بغض النظر عن الأصل الإثني أو الخلفية الثقافية. وهذا الجهد لا يهدف فقط إلى ضمان تمثيل عربي أكبر في المظاهرات، بل أيضا إلى إرساء الأساس لمستقبل إسرائيلي تجد فيه اهتمامات وتطلعات جميع مواطني البلد مكانها في النسيج الاجتماعي.