يدلين: حان الوقت لتقويض غطرسة نصر الله

شؤون إسرائيلية – مصدر الإخبارية

يدلين: حان الوقت لتقويض غطرسة نصر الله، بقلم بقلــم: عاموس يدلين القناة الـ 12 العبرية، ترجمة: عبد الكريم أبو ربيع، وفيما يلي نص المقال العبري المُترجم:

نصر الله هدد، في خطابه، بأنه لن يسكت على إزالة الخيمة التي نصبها حزب الله في منطقة “جبل دوف” قبل عدة أشهر، والتي تجتاز باتجاه الأراضي الإسرائيلية عشرات الأمتار، والمأهولة بمسلحي الحزب. ربط نصر الله بين نصب الخيمة وبين طلب لبنان إعادة القسم الشمالي من قرية الغجر إلى السيادة اللبنانية. نصر الله عاد وتمركز في مقام “المُدافع عن لبنان”، وتحدث مستعيدًا إنجاز لبنان في المفاوضات حول حدود المياه الإقليمية؛ هذه المرة على امتداد الحدود البرية، عن القاعدة الصلبة التي حققها حزب الله أمام إسرائيل.

قبل الخطاب بساعات قليلة، أبعدت قوات الجيش الإسرائيلي عن السياج الحدودي بضعة مشبوهين، نشطاء من حزب الله على ما يبدو، وتسببت بإصابتهم. نشطاء آخرون افتعلوا حرائق على حدود المطلة وأبعِدوا بإطلاق النار تجاههم. في الأسبوع المنصرم، أطلقت من لبنان قذيفة مضادة للدبابات، والتي صُوبت على ما يبدو تجاه دورية للجيش الإسرائيلي، وأصابت السياج الفاصل بقرية الغجر في الأراضي الإسرائيلية. وكرد فعل، أطلقت مدفعية الجيش الإسرائيلي نيران مدفعيتها على المنطقة التي أطلِقت منها القذيفة في لبنان. ولغاية اليوم لم يتضح من أطلق القذيفة، لكن الحدث يبدو أنه حلقة أخرى من سلسلة تحديات حزب الله لإسرائيل. صباح هذا الحدث، اتهم حزب الله إسرائيل بوضع سياج جديد يضم عمليًا الجزء الشمالي من قرية الغجر إلى الخط الأزرق، وفي الأيام التالية وردت تقارير بأن الحكومة اللبنانية ربطت بين طلب إسرائيل إخلاء الخيمة وبين المطالبة بإزالة السياج في الغجر وإخلاء شمالي القرية، الذي عرفته الأمم المتحدة بأنه أراضٍ لبنانية، بل ومناقشة تحفظات لبنان على امتداد الخط الأزرق.

كما هو معروف، في سنة 2000 حددت الأمم المتحدة خط الانسحاب من لبنان (الخط الأزرق) في قلب قرية الغجر، التي يعتبر سكانها العلويين مواطنين إسرائيليين، والتي يقع القسم الشمالي منها على الجانب اللبناني من الخط. في السنوات التي تلت ذلك، تمركز حزب الله على مشارف القرية، بل لقد قام بتنفيذ عمليات استهدفت قوات الجيش الإسرائيلي، بعد حرب لبنان الثانية سُيجت الغجر الشمالية حسب مطالبة المواطنين، لكن عمليات التهريب المُرفقة بالإرهاب استمرت في وقوعها عبر القرية. بناء العائق المُستحدث حول القرية اكتمل قبل حوالي سنة – حسب طلب سكانها – والجزء الشمالي منها اعتبر منطقة عسكرية. بالمناسبة، حزب الله، الذي يؤكد السيادة اللبنانية على شمالي القرية استنادًا إلى الخط الأزرق، يخرق ذلك الخط بمطالبته بجزء من أرض “جبل دوف” (مزارع شبعا) الواقعة جنوبه، الأرض التي يزعم بأنها احتلت من قِبل إسرائيل، رغم أنها احتلت من قبل سوريا.

سلسلة الاستفزازات والمشي على شفير الهاوية من قِبل نصر الله ارتقى درجة قبيل المفاوضات حول حدود المياه الإقليمية في العام المنصرم، عندما هدد علانية بالحرب إن لم تتم الاستجابة للمطالب اللبنانية؛ بل لقد أرسل المسيرات (التي تم اعتراضها) باتجاه حقل “كاريش”.

فيما بعد نصر الله (1) بعث في شهر مارس من يقوم بعملية هي الأكثر استثنائية في مفترق مجدو في العمق الإسرائيلي، عن طريق منفذ مسلح بالعبوات المتفجرة والحزام الناسف، والذي اجتاز الحدود من لبنان بهدف تنفيذ عملية تفجيرية جماعية (فشلت واحبطت). (2) لم يمنع إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان من قِبل حماس، خلال شهر رمضان في ابريل. (3) يشكّل تهديدًا متزايدًا على حرية طيران الجيش الإسرائيلي في لبنان، من خلال زيادة مخزون الصواريخ الدقيقة الخاصة بهِ. (4) هدد إسرائيل بالرد على هجماتها في سوريا، في إطار معركة ما بين الحروب. (5) زاد من تواجده العسكري العلني على امتداد الحدود، وخرق قرارات مجلس الأمن، ودشن قوة عسكرية محصنة في جنوب لبنان. (6) أقام خيمتيْن في منطقة “جبل دوف” على الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق، إحداهما أعيدت قبل زمن ليس ببعيد إلى الأراضي اللبنانية. الخيام، إطلاق الصاروخ المضاد على الغجر والاحتكاكات على الجدار، هي الفصل الأجد في هذا التوجه.

لا يُمكن أن نفصل الثقة بالنفس التي يبديها نصر الله وجرأته عن الأزمة الداخلية في إسرائيل. ليس صدفة أنه يضع – وخاصة في التوقيت الحالي – معادلة جديدة وخطيرة في الغجر، رغم أن السياج في شمالي القرية كان قد استكمل في شهر سبتمبر. نصر الله، الذي يواجه انتقادات شديدة من الداخل، يسعى إلى تعزيز صورته كـ “مدافع عن لبنان”، لكنه في الواقع يفرض نفسه عليها كمدافع ويستخدم سلاحه غير القانوني والمُختلف عليه لمصلحتها. بخطواته هذه، يظهر نصر الله أنه واثق من تقديره بأن إسرائيل لن تجرؤ على المخاطرة بالتصعيد بسبب ضعفها، في ظل المواجهة السياسية التي تمزقها من الداخل، والتي تضر بالوحدة الاجتماعية والقدرة على الصمود، وتقلقل علاقاتها مع سندها الاستراتيجي الولايات المتحدة. وزير الأمن ورئيس “أمان” حذرا، لكن من المفروض أن الكلام وحده لن يكون كافيًا من أجل تغيير اتجاه الأمور.

بحسبة عامة، ردع إسرائيل أمام حزب الله تآكل – كما قال نصر الله أيضًا في خطابه – وإسرائيل بحاجة إلى ترميمه لكي توقف نمط استفزازاته قبل أن تحدث تصعيدًا موسعًا. ولكي نفعل ذلك، على إسرائيل والجيش الإسرائيلي أن يعملا بطريقة تقوض “كبرياء” نصر الله، من خلال عمليات تخرجه من منطقة الأريحية التي يقف فيها، والتي تهز بشكل أساس ثقته بنفسه وقدرته على توقع خطوات إسرائيل.

في سبيل ذلك، ستحتاج إسرائيل إلى انتهاج سياسة مدروسة، محسوبة ودقيقة، تقوم على أساس الصعود المناسب، وتتطلع إلى عدم الانقياد إلى التصعيد لحد الحرب، والتي علينا في جميع الأحوال أن نكون مستعدين لها. رئيس “أمان” قدر في شهر مايو بأن “هجوم مجدو لم يكن حدثًا فريدًا، وأن نصر الله موجود على مسافة ارتكاب خطأ واحد من سوء التقدير”، وعليه، فإن ثقة أمين عام حزب الله المفرطة بنفسه من المتوقع – عاجلًا أم آجلًا – أن توفر لإسرائيل الفرصة المناسبة للقيام بعملية.

في هذه المرحلة، الخيام التي أقامها حزب الله في “جبل دوف” ليست مشكلة عسكرية، ومن الصواب الاستمرار بمعالجة المشكلة عبر المحاور الدبلوماسية، والتي يبدو أنها تمخضت عن إزاحة إحدى الخيام وإعادتها إلى الأراضي اللبنانية. الخيمة المتبقية موجودة أصلًا في منطقة عسكرية، ليست قريبة من أيّ مستوطنة أو كيبوتس في إسرائيل، ولا تشكّل تهديدًا مباشرًا. لكن في ظل استمرار الأمر، وسيما في ظل المعادلة الجديدة وغير المقبولة، التي يسعى نصر الله إلى خلقها بين الخيام وبين السياج في قرية الغجر، وربما في جميع مناطق تحفظه على امتداد الخط الأزرق؛ ليس من الصواب التسليم بالاستفزاز لوقت طويل، وستأتي اللحظة التي يكون فيها من الصواب العمل على إزالتها بطريقة إبداعية تفاجئ حزب الله.

حاليًا، إسرائيل بحاجة إلى أن تزيد من الضغط على نصر الله من خلال دولة لبنان والطائفة الشيعية على قاعدة الرسائل الواضحة والقائلة بأن نهاية الاستفزازات هي رد صعب وغير متوقع من جانب إسرائيل، وربما يتضح أن سير نصر الله المُتغطرس على شفير الهاوية (كما حدث قبل 17 سنة) هو بمثابة مقامرة غير مسؤولة، تنتهي بسقوطه إلى الهاوية، وسيجر إليها معه لبنان برمتها، لبنان المنهارة أصلًا بسببه. أيّ عمل عدواني من قِبل حزب الله سيرد عليه برد صعب وغير متوقع، وتبادل للضربات من شأنه أن يتصاعد بسهولة إلى حرب شاملة، وليس الاكتفاء بـ “أيام من القتال”. سكان الجنوب اللبناني محذرون منذ الآن للابتعاد عن البنى العسكرية المقامة أوساطهم.

في ظل احتمالات “سوء التقدير” التي ربما تجر إسرائيل وحزب الله إلى حرب لا يريدها كلاهما، يواصل الجيش استعداداته في الشمال، ويثخِن وراء العائق الحدودي (درع الشمال)، لكي يعرقل خطط “وحدة الرضوان” التابعة لحزب الله في اجتياح الجليل والحفاظ على السيادة الإسرائيلية على الحدود. في هذا السياق، يجب القول بأن توسيع أعمال الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية رغم أنه مطلوب؛ لكنه يأتي على حساب استعدادات القوات للحرب في الشمال. لذلك، من المُهم السعي إلى تهدئة الميدان هناك بسياسة مسؤولة، بما في ذلك تعزيز قوة السلطة الفلسطينية وتجديد نشاطات الأجهزة والتقليص السريع للعوامل المُقلقة للاستقرار هناك، بقيادة المستوطنين المتطرفين في المنطقة وبالقرب من طاولة الحكومة.

وأخيرًا، إذا كنا ما زلنا بحاجة إلى التذكرة؛ التوتر على الحدود في الشمال، وعلى الساحة الفلسطينية، وتآكل الردع متعلقة جميعها عميقًا بالأزمة الداخلية في إسرائيل. ما قاله وزير الأمن قبل إقالته نهاية مارس صحيح اليوم أيضًا. لذلك، فوقف الانقلاب القضائي على الفور مفروض الآن، وسيكون الخطوة التي تعزز على الفور وبالشكل الأكثر عمقًا الردع أمام أعدائنا، في مجمل الساحات، وسيما على الساحة الشمالية.

أقرأ أيضًا: الفوضويون الفاسدون.. سئمنا ترجمة مصطفى إبراهيم