عمال الضفة بالداخل المحتل.. رحلة محفوفة بالمخاطر من أجل لقمة العيش

سماح شاهين- مصدر الإخبارية

طابور طويل من عمال الضفة على الحواجز الإسرائيلية، إجراءات تفتيش دقيقة ذهابًا وعودةً، أصوات إطلاق رصاص، محاولة العبور عبر فتحات “تهريب” في مدينة طولكرم، أماكن عمل خطرة، حوادث مستمرة، هذه أصبحت مشاهد روتينية يومية تتكرر في حياة العمال الفلسطينيين الذين يعملون بالداخل المحتل.

يهرب العمال من الموت البطيء في بيوتهم نظرًا لصعوبة الحصول على فرصة عمل بالسوق الفلسطيني، لكنهم يواجهون موتًا آخرًا داخل أعمالهم، إذ يبلغ متوسط حالات الوفاة السنوية إثر حوادث العمل نحو 45 حالة وفاة ومعظمهم من العمال الذين يأتون من الضفة الغربية للعمل بالمواقع الإسرائيلية.

ويعمل في الداخل المحتل الفلسطيني 193 ألف عامل وعاملة، ويتقاضى العامل الفلسطيني في الداخل ما يُقارب 110 دولارًا يوميًا، فيما يتقاضى في الضفة قرابة 25 دولارًا، بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني.

وتوجُه العمال الفلسطينيين إلى الداخل المحتل أثر على سوق العمل في الضفة، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على أصحاب المشاريع الخاصة الذين يشتكون من نقص في العمال وتأثيره على إنجاز الأعمال وبطء سيرها.

ويعود ارتفاع الأجر اليومي لعمال الضفة في الداخل المحتل لارتفاع الحد الأدنى للأجور إذ يبلع 1532 دولارًا، فيما يبلغ الحد الأدنى بالضفة 517 دولارًا، وفقًا لوزارة العمل الفلسطينية.

تجاوز المخاطر

هذه الفجوة الواسعة في الأجور جعلت العامل الفلسطيني يختار سوق العمل الإسرائيلي، كما اختاره العامل منير خالد (اسم مستعار)، وهو واحد من آلاف العمال في الضفة الغربية الذين حصلوا على تصريح عمل، يقول إنّه “اضطر رغم المخاطر الذهاب للعمل في الداخل المحتل، إضافة إلى عندما تكون هناك زيادة في ساعات في العمل يتم محاسبته عليها.

يوضح خالد لـ”شبكة مصدر الإخبارية” أنّه يُواجه مع عدد من العمال تفتيشات دقيقة، وفي بعض الأحيان يخضعون للتحقيق من قبل الاستخبارات الإسرائيلية، مما شكل لديهم هاجز كبير من خوف الاعتقال.

ويشير إلى أن بعض الإجراءات الإسرائيلية بحق عمال الضفة، يضعهم في حالة من التوتر والضغط النفسي، وأن بعض أرباب العمل يتعاملون معهم كأنهم عمال من درجة ثانية، مما خلق مشاكل عدةٍ مع المُشغل.

على الرغم من المخاطر التي يتعرض لها منير خالد، إلا أنه يتقاضى راتب يصل أضعاف ما يتقاضاه في الضفة، التي تأثرت من عدم توفر الأيدي العاملة.

ونحو 40 بالمائة من العاملين في القطاع الخاص الفلسطيني يتقاضون رواتب تقل عن الحد الأدنى للأجور، بحسب مركز الإحصاء.

“العمل في الداخل المحتل جعل وضعي الاقتصادي أفضل بكثير، وهناك أتقاضى رواتب عالية رغم ما نتعرض له من ملاحقات وتنكيل”، بهذه الكلمات تحدث العامل كمال حامد عن عمله في الداخل.

وواجه حامد وهو عامل البناء موتًا محققًا بعد عبوره السياج الفاصل بعدما أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي عليه وعلى بعض العمال من الضفة، أصيب على إثرها في كتفه.
وبصعوبة تمكن بعض العمال من سحبه ونقله إلى إحدى المستشفيات، وظل يتعالج لثلاثة أشهر، ومن ثم قرر العودة إلى العمل رغم ما تعرض له.

ويقضي وقته خلال اليوم بين الفتحات والحواجز أكثر من وجود بين عائلته وفي عمله، فهو يُغادر منزل في منتصف الليل ويظل يراقب الأوضاع مع عمال آخرين، حتى يتمكن من عبور الفتحات.

ويشير إلى أن تدني أجور العمال في الضفة دفعه للمخاطرة في محاولاته للوصول إلى العمل في الداخل، إذ يتقاضى ما بين 300 _ 500 شيكل في اليوم الواحد.

وتعتبر اليد العاملة الفلسطينية بالنسبة لـ (إسرائيل) رخيصة وتخضع لاعتبارات أمنية، إذ يتعرض عمال الضفة لسلسلة من الانتهاكات والتنكيل بحقهم تصل لحد القتل والاعتقال.

افتقار شروط السلامة لعمال الضفة بالداخل المحتل

ظروف العمل التي يعمل فيها عمال لدى المشغلين الإسرائيليين تفتقر إلى شروط السلامة المهنية، ما يعرّض حياتهم وسلامتهم للخطر، وفق قول وزير العمل د. نصري أبو جيش.

ولفت أبو جيش إلى اتجاه عمال الضفة للعمل بالداخل المحتلة أثر على الاقتصاد الفلسطيني نتيجة السياسات الإسرائيلية الممنهجة لإضعافه، وهو ما يعكس ذاته على مؤشرات الفقر والبطالة والعمل اللائق واستقرار السوق، والمعدلات والنسب التي تعتبر الأعلى في العالم.

بالرغم من أن الحكومة اتخذت إجراءات لمكافحة ظاهرة ما يسمى “سماسرة التصاريح” والحد منها، قال أبو جيش إن الاحتلال يغض النظر عن هذا الموضوع.

وأكد أبو جيش أن وزارة العمل اتخذت العديد من الإجراءات، منها: تنظيم إجراءات تسجيل العمال الفلسطينيين العاملين في أراضي الــ48 على قاعدة بيانات نظام معلومات سوق العمل الفلسطينية (LMIS)، وإطلاق بوابة “اعمل” الحكومية من أجل رصد الباحثين عن عمل وتسجيلهم حسب سوق العمل، ومن ضمنها تسجيل الراغبين في العمل في أراضي الـ48، إضافة إلى تقديم ورقة تفاهمات لإسرائيل لتنظيم العمالة، لكن الاحتلال يقوم بخرق كل الاتفاقات.

وحث على أهمية تعزيز العمل اللائق من خلال الضغط على الاحتلال لتوفير عقود العمل بلغة العامل الفلسطيني، والالتزام باشتراطات الصحة والسلامة المهنية في بيئة العمل، والالتزام بدفع الحد الأدنى للأجور الساري في إسرائيل، ودفع جميع الحقوق الاجتماعية المدونة في قسائم الرواتب الشهرية للعمال الفلسطينيين، عبر البنوك الفلسطينية.

وأشار إلى أنّ الاحتلال يرفض تحويل الأموال المتراكمة إلى العمال الفلسطينيين منذ عام 1970، والتي تصل إلى مليارات الدولارات.

وطالب الشركاء الدوليين إلى المساعدة في تحصيل المستحقات المالية لعمالنا، والمساهمة في التوقف عن الاقتطاع الإسرائيلي من أموال المقاصة، لأثرها السلبي على الاقتصاد الفلسطيني.

وفي عام 2022 وصل عدد الشهداء من العمال 61 عاملًا، ومنذ مطلع العام الجاري وصل عددهم إلى 28 عاملًا.

ووفق بيانات جهاز الإحصاء المركزي، يبلغ عدد العمال الفلسطينيين نحو 1.133 مليون عامل، 940 ألفًا منهم يعملون في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع نسبة بطالة في صفوف الفلسطينيين تبلغ الربع تقريبًا من نسبة القادرين على العمل.