معهد الأمن القومي الإسرائيلي: العملية في جنين – خطوة تكميلية مطلوبة
ترجمة: عزيز حمدي المصري

ترجمات – عزيز المصري
العملية العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في جنين – “المنزل والحديقة”، والتي استمرت يومين، كانت تهدف إلى الرد على التدهور الأمني وفقدان السيطرة على السلطة الفلسطينية في شمال الضفة. نتج استخدام القوة في هذا المجال عن تراكم التحديات والاتجاهات:
- إن طريقة عمل الجيش الإسرائيلي والشاباك ضد المسلحين في شمال الضفة – “كاسر الأمواج” – قد استنفدت، وأصبحت حلقة من العنف تغذي نفسها: وكلما زاد الجيش الإسرائيلي من نشاطه ضد العناصر المسلحة وألحق الأذى بأعداد كبيرة من المسلحين، زاد دافع الشباب الفلسطيني للانضمام إلى القتال ضد الجيش الإسرائيلي وإلحاق الأذى بالمستوطنين وجنود الجيش الإسرائيلي والمواطنين الإسرائيليين.
- عدم وجود أفق سياسي وتصور التحركات التي تروج لها الحكومة الإسرائيلية على أنها إجراءات ضم متسارعة. في الأشهر الأخيرة – تم تسجيل عدد قياسي من تصاريح البناء في المستوطنات، وعمليًا تم منح الإذن بخرق القانون كما يتجلى في زيادة متجددة في مستوطنتي شوماش وأبيتار وإنشاء ما لا يقل عن عشرة بؤر استيطانية جديدة غير قانونية. بصرف النظر عن حقيقة أن هذه التطورات تخلق نقاط احتكاك جديدة، فهي تقضي على الفلسطينيين أي أمل في التحرر من الاحتلال وتحقيق التطلعات الوطنية.
- السلطة الفلسطينية فقدت السيطرة على شمال الضفة، والأجهزة الأمنية الفلسطينية تفتقر إلى الدافع للتعامل مع المجموعات المسلحة التي استولت على جنين ومحيطها. التنسيق السياسي مع إسرائيل محدود وتزداد صعوبة تنفيذ التنسيق الأمني الذي حال في الماضي دون حدوث تدهور خارج عن السيطرة. في هذا الجو من التوسع الاستيطاني والعنف من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين، لا تنوي الأجهزة الأمنية الفلسطينية العمل ضد الجماعات المسلحة في جنين ونابلس، أو المساعدة في نزع سلاحها.
- من الواضح أن الجيش الإسرائيلي فقد السيطرة على المستوطنين في الضفة الغربية، الذين يزيدون ويصعدون أعمال الانتقام ضد الفلسطينيين في أعقاب الأعمال الإرهابية ضد الإسرائيليين وحتى يتلقون الدعم السياسي من الوزراء الراديكاليين في الحكومة، الذين يشجعونهم على اخذ القانون بأيديهم.
- جنين أصبحت مركز المجموعات المسلحة في الضفة الغربية – في مخيم اللاجئين في المدينة ازداد حجم الأسلحة والذخائر وتم إنشاء معامل المتفجرات. وازداد التعاون بين الفصائل وعلى رأسها الجهاد الإسلامي وحماس، وبينها وبين نشطاء التنظيم / فتح، كما تم بناء آلية تنسيق بين الفصائل تشمل غرفة مواقف وأنظمة إنذار، وخلف الكواليس، تشجع إيران هذه المجموعات وتساعد في تحويل الأموال إلى النشطاء وتهريب الأسلحة عبر الحدود السورية والأردن.
- فقدت الإدارة الأمريكية أدوات ضبط النفس على الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بسياسة الاستيطان التي تقودها، وهدفها إغلاق الباب أمام خيار تسوية سياسية تقوم على “دولتين لشعبين”. ازداد التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة بسبب عدم قدرة قوات الأمن على التعامل مع عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين. (يضاف إلى ذلك القلق الأمريكي من نتائج ثورة النظام التي روجت لها الحكومة والتي تنطوي على احتجاج شعبي واسع النطاق، بحيث تشهد العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأمريكية فترة متوترة للغاية، مما يعني، من بين أمور أخرى، تقويض دعم الشرعية الدولية لإسرائيل).
لكل هذه الأسباب، وفي ضوء الضغط المتزايد من المستوطنين وممثليهم في الحكومة للشروع في عملية عسكرية واسعة النطاق، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية مستهدفة ضد البنية التحتية الإرهابية في مخيم جنين للاجئين. أهدافه: تفكيك البنى التحتية الإرهابية في المخيم؛ إلحاق الضرر بالناشطين واعتقال العناصر المتورطة في الإرهاب؛ تهيئة الظروف لحملة مستمرة ضد الإرهاب في المنطقة. كل هذا بهدف السيطرة على النيران ومنع انتشار الأحداث إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية، وساحات أخرى.
في نهاية العملية، هناك شعور بالنجاح التكتيكي والعملي في إسرائيل في ضوء الإنجازات التالية: وقتل 12 من المسلحين؛ واستجوب 300 من المشتبه في كونهم مسلحين، ألقي القبض على 30 منهم؛ ودمرت ستة مختبرات لصنع القنابل والمتفجرات؛ وتم تحديد وتدمير 14 شقة تستخدم في الأنشطة المسلحة وغرف التحكم؛ وتم تحييد 300 عبوة ناسفة جاهزة للاستخدام؛ وتم ضبط عشرات الألغام والبنادق والمسدسات ومئات الطلقات. وتم الكشف عن عشرات الكيلوغرامات من المواد الكيميائية المستخدمة في صنع المتفجرات وتدمير ست فتحات أنفاق ومستودعين للأسلحة. وقد غادر معظم العناصر المسلحة المخيم مسبقا، عندما تبين أن الجيش الإسرائيلي دخل المخيم. وفر آخرون أثناء استغلالهم التدفق الكبير للعائلات خارج المخيم خوفا من إلحاق الأذى بالناس.
بعد العملية، ازدادت الانتقادات الدولية لإسرائيل. وقد نشر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الأوضاع الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة أن مئات الوحدات السكنية في مخيم جنين للاجئين قد تضررت، وأن بعضها لم يعد صالحا للسكن. وقد نزحت أكثر من 500 أسرة فلسطينية، يبلغ عددها أكثر من 3,500 رجل وامرأة، وأجبرت على مغادرة منازلها بسبب الدمار. وألحقت أضرار كبيرة بشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي في مخيم اللاجئين نفسه والأحياء المحيطة به.
العواقب
إلى جانب النجاح التشغيلي، تبرز عدة أسئلة: كيف تحافظ على الإنجاز؟ هل يمكن عزل جنين عن باقي مناطق الضفة الغربية؟ هل هناك نية وإمكانية لتجديد سيطرة الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية في جنين؟ كيف تسد الفجوة في النظام السياسي الإسرائيلي بين العناصر المهنية التي تعتبرها مهمة لتقوية أداء السلطة الفلسطينية والعناصر في الحكومة التي تسعى إلى انهيارها؟ ما هي الخطوة السياسية التكميلية الممكنة من جانب الحكومة الإسرائيلية لتحقيق الإنجاز العسكري؟
بعد العملية، وخاصة بعد إبعاد نائب رئيس حركة فتح محمود العالول وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد دون خجل من موكب جنازة جنين، وفي ضوء رفض حماس والجهاد الإسلامي دعوة أبو مازن لعقد اجتماع لقادة السلطة الفلسطينية، أدرك رئيس السلطة الفلسطينية أنه يجب إعادة النظر في سياسته في شمال الضفة الغربية. هناك ادعاء شائع ضد السلطة الفلسطينية هو أنها لا تعمل كما هو متوقع من سلطة حكومية ولا توفر الحماية للسكان الفلسطينيين من عنف المستوطنين. وفي محاولة لإثبات وجودها على الأرض، نظمت السلطة الفلسطينية مسيرات مسلحة لجماعات التنظيم/فتح في عدة بلدات وقرى، وأعدت أيضا عفوا بين رؤساء المنظمة ونشطائها المنتمين إلى كتائب شهداء الأقصى في جنين. غير أن ذلك لا يوفر استجابة مرضية للمطالبات المقدمة ضد السلطة فيما يتعلق بالاختلال الوظيفي والسيطرة. في الواقع، سرب نقاش داخلي في رام الله، الخوف من أنه إذا لم تتحرك أجهزة السلطة الفلسطينية بسرعة، فإن استيلاء حماس على جنين قد يتغير، على غرار استيلاء حماس على قطاع غزة في عام 2007. كما تقرر أن تقوم السلطة الفلسطينية بإعادة تأهيل الأضرار التي لحقت بالعملية من أجل إثبات المسؤولية والعمل تجاه السكان الفلسطينيين وتحقيق الأموال اللازمة لإعادة إعمار جنين، التي وعدت بها الإمارات (15 مليون دولار، ولكن من خلال الأونروا)، والجزائر (30 مليون دولار).
أما حماس، فقد تركت الحركة جولة التصعيد القصيرة في جنين دون أن تدفع ثمن تشجيع الإرهاب وتحفيزه في الضفة الغربية، لكنها أيضا هدف للانتقاد لأنها لم ترفع إصبعا على الجيش الإسرائيلي وتحافظ بعناية على إنجازاته في قطاع غزة – إعادة التأهيل والنمو الاقتصادي والعمل في إسرائيل. ويبدو أن تحمل حماس المسؤولية عن الأعمال المسلحة التي وقعت بعد العملية في جنين يهدف إلى الحفاظ على صورتها كزعيم لحركة المقاومة – بالضرورة على حساب السلطة الفلسطينية وفتح.
توصيات
وعلى الرغم من المصلحة المشتركة للسلطة الفلسطينية وإسرائيل في منع استيلاء حماس والجهاد الإسلامي على منطقة جنين (وبالتالي تحييد التأثير الإيراني على ما يحدث في الضفة)، فإن كلاهما يردعهما محاولة لاستنفاد إمكانية التعاون بينهما. ولذلك، فإن إسرائيل مطالبة بتهيئة الظروف التي تمكن السلطة الفلسطينية وتشجعها على العودة إلى جنين، أولا وقبل كل شيء، كعامل يعيد اعمار الدمار الذي سببته العملية. وفي الوقت نفسه، يجب استخدام أدوات التأثير على السلطة الفلسطينية، وخاصة من خلال الولايات المتحدة والأردن، لتجديد نشر قوات الأمن الفلسطينية في المنطقة، مع تعزيزها وتجهيزها بوسائل محسنة، وفقا للخطة التي حددها المنسق الأمني الأمريكي.
كما ينبغي تشجيع استعادة السلطة الفلسطينية سيطرتها في شمال الضفة من خلال تشجيع المشاريع الاقتصادية وإنشاء مراكز تدريب وتوظيف للشباب الفلسطيني. ولضمان جمع الأموال واستهداف المشاريع الأساسية، من المهم إنشاء آلية رصد دولية، على سبيل المثال باسم البلدان المانحة، وضمان استثمار الأموال الممنوحة للسلطة الفلسطينية بالفعل في مشاريع البنية التحتية والعمالة في منطقة جنين.
وإذا ألغت إسرائيل مسبقا مبادرة لاستعادة السلطة الفلسطينية سيطرتها على جنين، فلن يمر وقت طويل قبل أن تصبح هناك حاجة إلى عملية أخرى ضد حماس والجهاد الإسلامي وشهداء الأقصى في المنطقة مرة أخرى. في الواقع، في 9 تموز/يوليو، اتخذت الحكومة الإسرائيلية القرار الصحيح بالعمل على تعزيز السلطة الفلسطينية، لكنها في الوقت نفسه فرضت سلسلة من الشروط التي سيكون من الصعب الوفاء بها، بما في ذلك وقف الدعم المالي لأسر النشطاء الإرهابيين الذين قتلوا أو اعتقلوا، وكذلك تجنب العداء لإسرائيل في المحافل الدولية.
البديل لإعادة السلطة إلى شمال الضفة الغربية هو أن يستولي الجيش الإسرائيلي على المنطقة ويديرها ككانتون مستقل، بحيث تقع مسؤولية وعبء رعاية السكان الفلسطينيين على عاتق دولة إسرائيل. ستكون هذه خطوة مهمة في تسريع الانتقال إلى واقع الدولة الواحدة.
المصدر: Institute for National Security Studies
اقرأ/ي أيضاً: فورين بوليسي: أربع حقائق مزعجة لعملية جنين