هجرة الأزواج.. أمهات في مرمى النار

سماح شاهين- مصدر الإخبارية

تتعدد أسباب هجرة الأزواج من قطاع غزة، والتي كان أبرزها محاولة تحسين الوضع الاقتصادي والبحث عن الأمان والاستقرار، فأصبحت مسؤوليات الأسرة بالكامل تقع على عاتق الزوجة طيلة فترة غياب زوجها.

“الوضع الاقتصادي سيء جدًا تعرضت للاضطهاد بشتى أشكاله، ما سبب لي ضغط نفسي ومادي أولها انقطاع راتبي من قبل السلطة الفلسطينية”، بهذه الكلمات روت بسمة يوسف معاناتها في ظل غياب زوجها الذي هاجر من قطاع غزة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

بسمة أم لطفلة عانت الويلات خلال غياب زوجها عن البيت وحياتهن بشكل عام، بالإضافة إلى نظرات المجتمع الظالمة لها.

تقول لـ”شبكة مصدر الإخبارية” إن والديها وأشقائها الشباب مستقرون مع زوجاتهم ولم تستطع الذهاب إليهم بشكل مستمر لعدم تحمل وجودها هي وابنتها لأكثر من يوم.

وتضيف أن تواجه بعض المشكلات مع عائلة زوجها، بداية من السيطرة وحب التدخل من قبل أشقاء زوجها وزوجاتهن ونظراتهم لها خلال الخروج من المنزل، واصفًة نظراتهم كنظرات المجتمع لها.

وعن سؤالنا لها كيف تُعيل نفسها وابنتها، تُشير إلى أنها تعيل نفسها بنفسها، وفي بعض الأحيان تُساعدها شقيقتها ببعض الأمور البسيطة، وأيضًا من مساعدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”.

تصف بسمة الحياة ب “العلقم”؛ لعدم وجود أحد يساندها في أبسط أمورها، وأنّ الحياة بجانب زوجها يحميها من التدخلات والنظرات.

أما هيام داوود فحياتها أكثر مرارة وظلمًا، تركها زوجها وهاجر إلى تركيا بحجة تحسين وضعه وإيجاد فرصة عمل تؤمن حياتهم، وتراكم الديون عليه الذي أخذها من عائلتها وعائلته، بمبالغ باهظة جدًا.

تروي داوود(33 عامًا) من شمال قطاع غزة لـ”شبكة مصدر الإخبارية” بأنّ زوجها رفض بأن تذهب معه مباشرة، وتحجج لها بأن لا تخرج من قطاع غزة قبل انتهاء دراستها الجامعية.

فجأة اختفى زوجها فقررت عائلة هيام التواصل مع عائلته من أجل معرفة أين هو، وما مصير ابنتهم بعد سفره، بالإضافة إلى طلب المبلغ المالي الذين أعطوه إياه.

وهنا انقلبت حياتها رأسًا على عقب، قامت عائلة زوج هيام بأخذ منزلها عنوة وسرق ذهبها وعفش غرفة نومها، بالإضافة إلى طردها من المنزل، قائلين لها: “هذا سداد للدين الذي أخذه زوجك منا لسفره”.

أُنهكت هيام من الأسئلة المتكررة لها من بعض أقاربها وصديقاتها بـ:”أين زوجك لماذا لم يأخذك عنده، ولو زوجك في بلاد الواق واق كان من شهرين طلعتي عنده”، فكل هذه الأسئلة جعلتها في وضع نفسي صعب، وفق قولها.

استسلمت الشابة الثلاثينية للواقع الذي انفرض عليها، وانعزلت تمامًا عن الجميع وقطعت جميع وسائل التواصل مع أحد، بالإضافة إلى أن هذه السنوات أكلت من أعصابها واستقرارها النفسي.

وتشير إلى أنها تعيش مع شقيقاتها الخمسة منذ ثماني سنوات ساعدوها في تربية ابنتها وفي التخفيف عن كاهلها ومسؤولياتها، منوهًة إلى وأنّ والدها لم يتحمل وضعها فأصابته انتكاسة صحية أودت إلى وفاته قهرًا على حالة ابنته الصغيرة.

مر ثماني سنوات على غياب زوج هيام دون أي تواصل معه، لم تسلم من أسئلة ابنتها التي تسأل أين والدها وتريد أن تراه، ولم تستطع إجابتها وتلتزم الصمت، وبسبب الأمور الغامضة، هنا أصبحت بين نارين بأن تنتظر أو تتطلق منه غيابًا وتهدم البيت التي صبرت وهي تبنيه، لا أحد يعلم إلى متى ستصبر.

واقع نفسي واقتصادي

في شهر فبراير (شباط) الماضي، أجرى مركز شؤون المرأة في قطاع غزة دراسة حول “تأثير هجرة الأزواج على النساء”، إذ لاحظ المركز لاحظ أن هجرة الأزواج قضية مطروحة، خاصة مع بدء تلقيه شكاوى واستشارات نفسية، وقانونية، لنساء عانين هذه المشكلة.

ويشير المركز إلى أن “هناك أزواج ذهبوا لتحسين واقعهم النفسي والاقتصادي، ولكن حدث العكس”.

وتقول مديرة مركز شؤون المرأة آمال صيام: “ليس بالجديد على مركز شؤون المرأة بإعداد دراسات بحثية فيما يتعلق بقضايا النساء وموضوعات ذات العلاقة بالمرأة، كتزويج المبكر وتأثير العدوان المتكرر على النساء والأسر، حيث أن موضوع الهجرة من الموضوعات المهمة التي تتلاقي مع السياق الاجتماعي”.

كل ذلك أدى إلى توجه كبير من الزوجات المهاجرات إلى المؤسسات النسوية؛ لطلب خدمات الدعم النفسي الاجتماعي والاقتصادي والصحي والخدمات القانونية.

وتوصي الدراسة على ضرورة إدراج زوجات المهاجرين في قوانين الضمان الاجتماعي وحماية الأسرة من العنف، أسوةً بالمطلقات والأرامل والفاقدات، وضرورة توعية هؤلاء النساء ودمجهن في المؤسسات، وتوفير خدمات الاستجابة متعددة القطاعات لهن، وتمكينهن اقتصاديًا.

تأثير هجرة الأزواج

تقول الأخصائية النفسية هند عاشور لـ”شبكة مصدر الإخبارية” إن هجرة الأزواج ليست سهلة على الزوجة ويزداد سؤالها كيف ستتعامل مع نفسها وأمورها مع أولادها.

وتضيف عاشور إنّ الزوجة تصبح محتارة بكيف ستتعامل مع مشكلات أولادها بإيجابية وعدم التعصب عليهم بسبب غياب الزوج، مردفةً: بعد غياب الزوج تصبح الأمهات مطالبة برعاية نفسها وأولادها وتوفير متطلبات المنزل منها الأكل والشرب والنزهات، حتى عند خروجها بنفسها تصبح محتارة أين ستضعهم.

وتتابع أنه يجب على الزوجات تقبل أوضاعهن الراهنة من أجل تخطي المرحلة. وتلفت الأخصائية النفسية إلى أن هجرة الأزواج ترتفع نسبة الديون عليهم وعلى زوجاتهم، خاصة أن غالبيتهم اضطر للسفر من أجل تحسين وضعه المالي وتأمين مستقبل عائلاتهم، في القطاع المحاصر لأكثر من 15 عامًا.