هل يمكن لعملية إسرائيل في جنين أن تعيد قوة الردع الإسرائيلية في الضفة الغربية؟

ترجمة- مصدر الإخبارية
كانت الضربة العسكرية التي شنتها إسرائيل في الساعة الواحدة من صباح يوم الاثنين على مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية مطروحة منذ شهور. ومع ذلك، فإن الطائرات المسيرة التي أطلقت صواريخ على مركز القيادة المشتركة لحركة حماس والجهاد الإسلامي فاجأت التنظيمات المسلحة تماماً.
وعقب الضربة الصاروخية، اجتاح المئات من القوات الخاصة وشرطة الحدود ووحدات أخرى مدعومة بغطاء جوي مكثف الأزقة الضيقة للمخيم، مستهدفة مركز القيادة ومواقع تصنيع الأسلحة والمتفجرات. وقتل في اليوم الأول للعملية ما لا يقل عن عشرة فلسطينيين وجرح العشرات. وقالت إسرائيل إن جميعهم من النشطاء.
ومن غير المرجح أن تقضي عملية الجيش الإسرائيلي الحالية على البنية التحتية العسكرية العاملة خارج المخيم. ومع ذلك، فإن هدف إسرائيل هو إعاقتها واستعادة بعض قوة الردع التي فقدتها في شمال الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة.
وقتل ما لا يقل عن 29 إسرائيلياً في عشرات الهجمات بالرصاص والتفجيرات التي نفذها فلسطينيون في النصف الأول من هذا العام. وبحسب الأرقام الإسرائيلية، فقد تم التخطيط لحوالي 50 عملية إطلاق نار في مخيم جنين، حيث استغل المسلحون الفراغ الذي خلفته قوات الأمن الرسمية للسلطة الفلسطينية التي فقدت السيطرة على المنطقة.
وعزا مصدر عسكري إسرائيلي رفيع المستوى تحدث للمونيتور، شريطة عدم الكشف عن هويته، فقدان الردع الإسرائيلي إلى حقيقة أن العديد من الشبان الفلسطينيين الذين يعملون تحت مظلة حماس والجهاد الإسلامي ولدوا بعد الانتفاضة الثانية – الانتفاضة الفلسطينية عام 2000. ولم يختبروا القوة الكاملة للجيش الاسرائيلي. أما حماس والجهاد الإسلامي، من جهتهما، لم يستغلوا غياب السلطة فحسب، بل استفادوا أيضاً من تضاؤل شرعية زعيمها الرئيس محمود عباس.
لم تكن عملية 3 يوليو/ تموز في جنين هجوماً شاملاً من النوع الذي حث عليه أعضاء متشددون في الحكومة الحالية ولا جولات دورية من القتال مع النشطاء في قطاع غزة. لكنها كانت مختلفة عن الغارات المحددة التي تشنها إسرائيل في الأشهر الأخيرة في جنين ومحيطها، حيث أرسلت قوات خاصة لعدة ساعات للعثور على المقاتلين المشتبه بهم واحتجازهم وإحباط الهجمات المخطط لها. يصفها المسؤولون الإسرائيليون بـ “الهجوم” ، قائلين إنها ستقتصر على 48 أو 72 ساعة.
ولم يفاجأ الفلسطينيون بالهجوم فحسب، بل ذهلت القوات الإسرائيلية بعدد العبوات الناسفة ومعامل المتفجرات التي صادفتها.
وقال مصدر عسكري إسرائيلي رفيع المستوى لـ “المونيتور” طلب عدم الكشف عن هويته: “حتى الآن، صادرنا أكثر من طن من المتفجرات بأشكال مختلفة”. “البنية التحتية متطورة وموزعة في جميع أنحاء المخيم. كان هناك مستودع أسلحة ضخم تحت الأرض يمكن الوصول إليه من خلال فتحة خاصة في مسجد مركزي. أعتقد الآن أنهم يدركون أنه حتى المسجد لن يمنح حصانة ضد الإرهاب” حسب وصفه.
وكان استخدام صواريخ الطائرات بدون طيار هي المرة الثانية التي تلجأ فيها إسرائيل إلى هذا التكتيك في الأسابيع الأخيرة، بعدما تجنبت استخدامه لنحو 20 عاماً. ونشرت القوات البرية جرافات عملاقة لإزالة طبقات الأسفلت التي تغطي الطرق المؤدية إلى المخيم من أجل الكشف عن العبوات المزروعة على جانب الطريق من النوع الذي يستخدمه المسلحون الفلسطينيون بشكل متزايد ضد القوات الإسرائيلية، وهو ما حذر منه الشاباك.
وقال المصدر العسكري الإسرائيلي “حاولنا حتى الآن تجنب هذه الإجراءات، لكننا وصلنا إلى نقطة تحول أثبتت أنه ليس لدينا خيار. بما أنه لا يوجد قانون ونظام في هذه المنطقة، فإن إسرائيل مجبرة على استخدام القوة لتقويض البنية التحتية للجماعات المسلحة وتقليل مستوى العنف”.
ونقلت إسرائيل رسائل إلى الجماعات الفلسطينية العاملة في قطاع غزة وجنوب لبنان، محذرة من رد صارم إذا نفذوا تهديداتهم بمهاجمة إسرائيل والانتقام لمقتل زملائهم النشطاء في الضفة الغربية.
وقال مصدر أمني إسرائيلي رفيع للمونيتور طلب عدم الكشف عن هويته: “كل هذا يتوقف على ما يحدث في جنين”. طالما أن الخسائر مقبولة ومتناسبة، نعتقد أنه لن يكون هناك توسيع في الجبهات الأخرى، وحتى لو كان هناك توسيع، فنحن مستعدون” حسب زعمه.
وكانت المرة الأخيرة التي عانى فيها سكان مخيم جنين من مثل هذا النشاط العسكري الإسرائيلي المكثف في عام 2002 عندما شنت القوات الإسرائيلية عملية استمرت لمدة شهر في جميع أنحاء الضفة الغربية في محاولة للقضاء على أي نشاط عسكري. ووقع أعنف قتال في جنين حيث قتل 23 جندياً إسرائيلياً وعدة مئات من الفلسطينيين.
وقال ضابط إسرائيلي شارك في العملية عام 2002، التي أطلق عليها اسم “الدرع الواقي” ، لـ “المونيتور” بشرط عدم الكشف عن هويته، إن الظروف الآن مختلفة للغاية. “البنية التحتية (القتالية) الآن أقل تطوراً، والسكان الفلسطينيون بشكل عام ليسوا متورطين في الإرهاب حتى الآن حسب وصفه. وأضاف “من وجهة النظر الإسرائيلية، من المحتمل ألا تغير العملية الحالية المنطقة كما فعلت الدرع الواقي. ومع ذلك، نأمل أن يتقلص مستوى العنف”.
وبحسب صحيفة معاريف اليومية، أعطت إسرائيل الولايات المتحدة تحذيراً مسبقاً من العملية المقبلة لكنها حجبت معلومات حول التوقيت والأساليب بخلاف طمأنة الأمريكيين بأنها ستبذل قصارى جهدها لتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين.
في الواقع، يبدو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد غير مقاربته للسلطة الفلسطينية منذ إحياء الاتصالات التي توسطت فيها الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل في الأشهر الأخيرة. على عكس سياسته الطويلة في إضعاف السلطة الفلسطينية وتقوية حماس في غزة، يشدد نتنياهو الآن على أهمية استمرار بقاء السلطة الفلسطينية.
ورداً على الهجوم في جنين، أعلن عباس عن وقف التعاون الأمني مع إسرائيل، كما يفعل كلما صعدت إسرائيل عملياتها في البلدات والقرى الفلسطينية. إعلانه بالكاد يكون متصلاً بالواقع بالنظر إلى أن التعاون الأمني في جنين وشمال الضفة الغربية لم يكن موجوداً تقريباً في السنوات الأخيرة بسبب فقدان السلطة الفلسطينية للسيطرة على المنطقة.