رسائل جنين

كتب رئيس التحرير
رسائل كثيرة تبعثها العملية العسكرية واسعة النطاق التي أطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر اليوم الاثنين في مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية المحتلة.
العملية المتوقعة وغير المفاجئة حملت رسائل عدة موجهة لأطراف مختلفة فلسطينية وعربية واقليمية، وداخلية إسرائيلية.
أول هذه الرسائل موجهة للشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة العاملة في الضفة الغربية، بخاصة في جنين ونابلس، وأيضا في قطاع غزة.
الرسالة للفلسطينيين ومقاومتهم واضحة تماما ومفادها أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة لن تسمح بأن تتحول الضفة، أو مناطق بعينها، بخاصة جنين ونابلس إلى قطاع غزة جديد.
فجيش الاحتلال الإسرائيلي يعمد باستمرار لشن غارات وهجمات على جنين ونابلس وغيرها من المناطق كي لا تتحول إلى منطقة مسلحة بالكامل بأنواع مختلفة من العتاد أخرها صواريخ محلية بدائية الصنع.
الحكومة الإسرائيلية اليمينية والجيش يأخذون في الاعتبار ما آلت إليه قدرات المقاومة وتطورها بعد إعادة الانتشار من قطاع غزة في 12 آيلول (سبتمبر) 2005.
رسالة أخرى موجهة للفصائل في القطاع: إياكم والدخول على خط المواجهة في جنين اليوم، وهي بذلك تسعى لفصل الساحات وعدم السماح بتوحيدها، لكن قد يكون للأذرع العسكرية رأي أخر.
السلطة الفلسطينية تلقت الرسالة أيضا من الحكومة الإسرائيلية: ليس كافيا أن تقفوا مكتوفي الأيدي وعدم مشاركة قواتكم في صد الهجوم والعدوان وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني في فلسطين، بل إن عليكم أن تصمتوا تماما وأن تبلعوا ألسنتكم.
هنا يثور سؤال يلوح في خاطر كل الفلسطينيين: ماذا تفعل السلطة وأجهزتها الأمنية وعسكرها في الضفة إن لم تحمِ شعبها من العدوان والقتل والدمار؟
كما يتردد سؤال أخر: لماذا تُصر السلطة على طلب توفير الحماية الدولية؟ أليس الأجدر أن تحمي هي الشعب من بطش الاحتلال والمستوطنين المتطرفين.
ولماذا يُصر ذلك المحافظ على انتقاد المقاومة والتقليل من قيمتها ودم قادتها وعناصرها وتضحياتهم وتضحيات ذويهم وجيرانهم وكل الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال؟
أليس من حق الشعوب المحتلة أن تقاوم الاحتلال بكل الوسائل المشروعة، وهذا ما تؤكد عليه كل الشرائع والمواثيق الدولية؟ وأليس مطلوبا أن يبقى الشعب كله أو قسما منه متمردا على الاحتلال، غير مهادن أو مستسلم؟
تهديدات كثيرة مبطنة وأخرى واضحة، وتسريبات أكثر وردت في وسائل الإعلام الإسرائيلي منذ الفجر، موجهة للفصائل في غزة، تحذرها من مغبة أي رد فعل على ما يجري في جنين.
لسان حال المسؤولين الإسرائيليين السياسيين والعسكريين على حد سواء يقول: سنقتل أكثر، وسندمر قطاع غزة أكثر، وما لا يُحققه استخدام القوة المفرطة، سيحققه مزيد من القوة الغاشمة.
ولسان حالهم يقول أيضا: لديكم الكثير مما ستخسرونه في قطاع غزة، أكثر بكثير مما كان لديكم في عدوان 2021، أو ما قبله.
والحكومة الإسرائيلية تولدت لديها قناعة، قد تكون زائفة، أن الفصائل بغزة تزن خطواتها بميزان الذهب، وقانون الربح والخسارة، ومصالح ومتطلبات الحكم، بخاصة لدى حركة “حماس”، التي تحكم القطاع.
اذن، عين على جنين وأخرى على قطاع غزة، لكن ماذا عن الجبهات الأخرى هل تملك إسرائيل أربعة أو خمسة عيون؟ الاجابة جاءت على لسان أكثر من مسؤول: نحن جاهزون ومستعدون لكل الاحتمالات والجبهات.
هنا الرسالة موجهة لحزب الله اللبناني شمالا، وللمقاومة في هضبة الجولان السورية المحتلة في الطرف الشمالي الشرقي، خصوصا بعد تكرار سقوط صواريخ سورية، صُنعت قبل عشرات السنين، في صحراء النقب في أقصى الجنوب.
لم يأتِ أي مسؤول إسرائيلي على ذكر إيران اليوم، لكن التهديدات والتسريبات واضحة المعنى: لا تتدخلوا ولا تعبثوا معنا، فالمعركة القادمة ستكون معكم وعلى ملعبكم!
رسالة قد تكون الأخيرة، داخلية إسرائيلية بحتة موجهة ذات اليمين وذات اليسار، إن كان هناك يسارا في إسرائيلي.
الرسالة لليمين يزاود فيها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على أحزاب اليمين الديني والقومي المتطرفة بأنه الأكثر “حرصا” منها على “أمن” الدولة العبرية، والوحيد القادر على قمع المقاومة أو أي “تهديد” لأمنها واستقرارها.
والرسالة لـ”اليسار” بأن أوقفوا احتجاجاتكم وتظاهراتكم ضد “الإصلاحات القضائية”، ودعون نتفرغ جميعا لمحاربة الفلسطينيين والقضاء على أحلامهم وحقوقهم، وتعزيز التوسع الاستيطاني الاستعماري في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.