سديل نغنغية.. وصية أخيرة وحلم الطفولة الذي لم يكتمل

سماح شاهين- مصدر الإخبارية
“في الوقت الذي كانت تقف فيه سديل تتحدث مع بنات عمها، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي صفارات الإنذار صباح يوم الاثنين الماضي في مدينة جنين، وكالعادة أقوم بدوري كأب بحماية أبنائي والجلوس في مكان آمن، إذ سمح لها الذهاب إلى منزل عمها”، هكذا وصف غسان نغنغية الساعات الأولى من الحادث.
طلبت سديل من والدها الذهاب إلى منزل عمها للجلوس معهم، فكان الجيش لم يبدأ الاشتباكات بعد، ومنحت لها الإذن للذهاب وبدأت بسرد التعليمات لحمايتها، وارتدت ثوب الصلاة وخرجت من المنزل، بدأت أراقبها عبر النافذة لرؤيتها وبجواري شقيقها محمد، ذهبت إلى الداخل بعد اقترابها إلى بيت عمها.
وفجأة صرخ محمد وهو ينادي: “بابا سديل وقعت على الأرض”، وهرع والدها مسرعًا إليها ورأى سديل ملقاة على الأرض ولا تتحرك.
يقول والد سديل لـ”شبكة مصدر الإخبارية“: “رأيت ابنتي مصابة في جبينها بقناصة جيش الاحتلال ولم يكن هناك نزيف، وبدأت أصرخ وأنادي زوجتي لتحضير مفتاح السيارة، وفجأة مر سائقًا أمام المنزل، فساعدني في وضعها في سيارته وانطلق بسرعة نحو المستشفى”.
ويضيف “عدت إلى المنزل لضمان سلامة أطفالي الأربعة، قبل أن أتوجه إلى المستشفى مع والدتها التي لم تدرك ما كان يحدث في الأسفل، ولم تستطع تصديق ما سمعته: “سديل أصيبت”.
ويردف بصوت متعب لا يستوعب استشهاد سديل، توقع عند وصولهما إلى المستشفى بأن يخبرهم الأطباء بأنها استشهدت، ولكن أخبروه: “لا يوجد أوكسجين في الدماغ، والرصاصة اخترقت جبين ابنته وتسببت في تهتك في المخ قبل أن تخرج من الجهة الأخرى، وتم وضعها في وحدة العناية المركزة ليومين”.
سديل (15 عاماً و5 شهور و21 يوماً) كان عمرها لحظة استشهادها، قبلها بيوم بدأت تحلُم داخل العناية المكثفة، قبلها بيومين كانت تُجيب على أسئلة امتحان وُتحسب علامات الفصل الثاني، وقبلها بـ 15 عاماً كانت أمُّها تدعي لها بأجمل حياة وبعمرٍ مديد.
استيقظت على صوت رنين الهاتف إذ كان من المستشفى، كان يتوقع ما سيحدث، وبصدمة ورجفة قلبه هاتفه الطبيب، وأخبره: “سديل استشهدت، الله يرحمها وربنا يصبركم” وانتهت المكالمة بصراخ العائلة على خبر الاستشهاد.
سديل في العناية المكثفة
وبحسب وصف الإعلامي في وزارة الصحة الفلسطينية محمد أبو هليل في غرفة العناية المكثفة داخل مستشفى جنين الحكومي، سديل جميلة جداً وهي نائمة بجوارها أمها التي لم تقدر على لفظ حرف واحد، اكتفت بالنظر إلى ابنتها بهدوء وصمت وحرقة قلب”.
يقول أبو هليل: “سديل كباقي الفتيات الفلسطينيات يحلمن بحياة هادئة، بدراسة في أفضل الجامعات، بحياة زوجية من رجل يحبهن، بأطفالٍ لهن، بعرسٍ جميل وفرصة عمل كبيرة، بكلِّ شيء بسيط وطبيعي”.
ويشير إلى أنها “أصيبت وهي في منزلها برصاصة اخترقت رأسها، وأخذت معها أشلاء من دماغها، أحلام وطموح وسعادة وفرح وحياة، كلها في لمحة عين ذهبت بعيداً إلى النوم الأبدي”.
وصية سديل قبل استشهادها
يوضح غسان والدة الشهيدة سديل، أنه عندما كان في المستشفى زاره عدد من رفيقاتها في المدرسة، وأظهرن له فيديو يتضمن وصية ابنته، وهي توصيهن بأنه في حالة استشهادها يحملن نعشها إلى المثوى الأخير.
ويضيف أنه “بعد ذلك كتبن جميع رفيقاتها وصاياهن الأخيرة لأنهن أدركن أن الموت بتربص بجميع سكان المخيم وأن جيش الاحتلال ماضٍ في استهداف جميع الفلسطينيين أطفالًا كانوا أم شيوخًا”.
وشيعت الطفلة سديل نغنيغة على أكتاف زميلاتها بثياب المدرسة، في مشهد مهيب مليء بالدموع، وسط مشاركة واسعة من المواطنين الذين هتفوا تنديداً بجرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني.
حلم قتله الاحتلال
في محاولة من الاقتراب من تحقيق حلمها، حصلت سديل نغنغية على دورة في الإسعافات الأولية قبل استشهادها بشهر، ورغبت بأن تتخطى المراحل الدراسية المتبقية لها في الثانوية والجامعة وأن تصبح مسعفة في المستقبل.
ويروي غسان نغنغية بأنه عبر عن سعادته من إصرار سديل من تحقيق حلمها والحصول على دورة الإسعافات الأولية، ولكنها أدركت أنها لا تزال صغيرة في السن حتى تحقق حلمها، ولكن الاحتلال أنهاه باستهدافها”.
ويكمل قوله إن سديل كانت اجتماعية في المنزل وخارجه، ولم تكن مجرد الفتاة الوحيدة بين أشقائها بل كان لها حضورها وبصمتها المميزة، والضحكة لا تُفارق وجهها، مشيرًا إلى أنّه كان دائمًا يمازحها ويقول لها لا أريدك أن تصبحي مسعفة بل خبيرة تجميل، وتجيبه بالرفض وتصرّ على أنها ستكون مسعفة فقط.
ويختم والد الشهيدة سديل نغنيغة كلماته بالقول: “لكن هذا قدرنا أن نحيا على أرض لم ترتوي بعد من دماء أهلها وأطفالها وما زلنا نقدم ونحن على يقين بأن على هذه الأرض مايستحق الحياة”.