خمسة وسبعون عاما من الألم.. بقلم ناريمان عواد

أقلام-مصدر الإخبارية
أنا امرأة فلسطيني، أواجه القتل والتشريد والموت، احمل في جعبتي ذاكرة البيت الذي تركته خلفي. حديقة منزلية في يافا، برتقالا يزهو برائحته العطرة، انا امرأة فلسطينية اعانق السماء كرامة وحبا للوطن. ادعوا الله ان يحميني أمام سطوة القهر والعدوان.
اقفز من أسوار بيتي تلاحقني أصوات البنادق وازيز الرصاص. ارتعد رعبا على حياة ابنائي. افتحموا بيتي قتلوا زوجي . اختبات خلف شجرة باسقة في الحديقة، صدفة انني ما زلت على قيد الحياة. قتلوا زوجي شاهدت دمه يتناثر على الجدران. لا ذنب اقترفه سوى انه كان مزارع بسيط يقتاد من تعب جبينه، صدفة انني ما زلت على قيد الحياة.
انا امرأة فلسطينية ارهقتها الام الذاكرة، احمل ابنائي على اكتافي، وطفل رضيع يئن تحت وجع الجوع وازيز الرصاص احمل في جيبي ورقة ثمينة، “كوشان البيت” والمفتاح.
اقفز من أسوار البيت وامضي تحت وابل الرصاص، امضي في ظلمة الليل وفي يدي ثلاثة ابناء يمسكون بتلابيب ثوبي وطفل رضيع، امضي في ظلمة الليل بين الأشجار والأشواك والطرق الوعرة وعواء الذئاب المفترسة، ارتعد من الخوف ولكني امضي وامضي تنهشني الوحشة.
الخوف يؤرقني والموت يحاصرني. هل انجو؟ وكيف انجو؟
اقرأ/ي أيضا: 75 عاماً على نكبة فلسطين.. وحلم العودة ما زال حاضرا
امضي هائمة على وجهي في رحلة الاغتراب في رحلة عذاب لا تنتهي.
ارتعد رعبا مما حصل من مجازر بحق اخواني وجيراني واصدقائي، الذين ذبحوا بدم بارد، اغتالتهم يد الغدر، العصابات الصهيونية ونكلت بأجسادهم.
انا امرأة فلسطينية أغادر حلمي الجميل في مدينة يافا وازاهير البرتقال تنشر عطرها الخفي، وتحملني أمواج البحر، في مركب صغير إلى خارج الوطن، إلى اللجوء والغربة.
ورغم الغربة ومرارة الحنين يتشبث الأبناء بصورة البيت الذي رسمته في اذهانهم، يحلمون بالعودة إلى الارض التي احتضنت جسد والدهم، يحلمون بالعودة إلى هناك، للجلوس في ظل زهرة برية تمتشق السماء، يحلمون بأهازيج الصيادين وهم يحملون صيدهم الثمين، نمضي إلى هناك بسواعد رجال ونساء تشبثوا بالفكرة، وما زالوا يحلمون بالعودة ولو بعد حين.